طغاة الاقتصاد‏

طغاة الاقتصاد‏

27 ابريل 2015
الواقع الاقتصادي العربي متشابه (Getty)
+ الخط -
بعد انطلاقة الثورات العربية، وبرغم الانتكاسات التي حُبكت سيناريوهاتها في ‏أروقة الأنظمة، يمكن اعتبار أي مطلب عمالي هو حجر اذا تم رميه، يمكن أن يكسر ‏أسس الهيكل السياسي للأنظمة. الأخيرة لا تبالغ بالمرة حين تصب كل جهدها في ‏تدجين الحركات النقابية، ولا تغالي حين تسعى الى شرذمة التحركات وخلق ‏اتحادات عمالية من رحمها.

الواقع يكاد يكون موحداً في غالبية الدول العربية. واقع مرسوم بأنماط اقتصادية ‏مؤسسة على الطغيان، تقوم على إفراغ الاقتصاد من الإنتاج وتحويل المجتمعات ‏إلى آلات استهلاكية. ‏
فلنحاول تفكيك البيئة التي يعيش فيها العامل العربي، لمعرفة بعض معالمها:

‏-‏ سياسات ضريبية مختلّة، تقوم على الإعفاءات لكبار المؤسسات في مقابل ‏زيادة سلة الضرائب غير المباشرة، أي التي تصيب جيب المواطن مباشرة، ‏من دون اعتبار لدخله.

‏-‏ قوانين وتشريعات تقدم عدداً كبيراً من الامتيازات لأصحاب المشاريع ‏المحظيين، في مقابل تغييب حقوق العاملين فيها.‏

‏-‏ قوانين عمل تخنق الشغيلة ببنود مانعة للتنظيم النقابي الحرّ والمستقل، وكابحة ‏لتحصيل مكتسبات حقوقية جديدة.

‏-‏ اتجاه جارف لخصخصة مرافق الدولة حتى لو كانت رابحة، لخفض أكلاف ‏تمويلها من الخزينة.‏
‏-‏ فساد يسبح كالحوت في غالبية المؤسسات والإدارات العامة العربية، ‏وصفقات بملايين ومليارات الدولارات تفيد الحاكم ورعيته.

‏-‏ وبطبيعة الحال، زواج بين السلطة ورؤوس الأموال، يجعل من الدول عنصر ‏أمن على أبواب الشركات الخاصة المستغلة للعمالة فيها.

‏-‏ استدانة داخلية وخارجية تراكم الديون على الدولة وعلى مواطنيها، بحجة ‏عجز تحقق بفعل اتباع المناهج الاقتصادية الفاسدة والريعية، والمنحازة الى ‏قلة من الأقوياء على حساب جموع الناس.

يضاف إلى كل هذه الاتجاهات عشق متوارث بين الاتحادات العمالية ‏الرسمية والسلطات التي تضع كل هذه القوانين والتشريعات، والتي تسن ‏السياسات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد العربية.‏

وهذه الأنماط الاقتصادية ليست معزولة بدورها، عن الحراك السياسي. إذ ‏كيف يمكن لتكتل اقتصادي مسنود من السلطة، له مصالحه الضخمة وصفقاته ‏المليارية، أن يسمح بنشوء نوع من الليبرالية السياسية؟ كيف يمكن أن يمرّر ‏خططاً تغييرية في الهيكل السياسي، تسمح للمتضرّر من الأنماط الاقتصادية ‏المنحازة أن يتسلم أي منصب في الدولة؟ كيف يمكن أن يغفل الضرر الذي ‏سيلحق بمصالحه في حال نجحت ثورة ترفع شعار العدالة الاجتماعية؟ ماذا ‏لو كان التكتل تكتلات، ومن يسيّرها ويستفيد من اتساع جبروتها الاقتصادي ‏هم عناصر السلطة القائمة؟

الثورة معادية للسياسات الاقتصادية التنفيعية، ووقودها هو شرائح عمالية، ‏وفئات مهمشة تقبع خارج دورة الاقتصاد المرتهن، ومطالب العمال لا يمكن ‏أن تتحقق إلا إذا تم كسر هذه الحلقة... والثورة ستستمر، بعد أن يعرف من ‏يطلق شرارتها أن مصالحه السياسية كما المعيشية ستتحقق حين تتغيّر ‏الأنماط الاقتصادية المتبعة، وحين يعلم أن طغاة الاقتصاد يخنقون مستقبل ‏أولاده، وأن سيوفهم مسلّطة على أعناق كل من يسعى إلى الكرامة والعدالة ‏والتحرر.

إقرأ أيضا:‏ النظام السوري يمنع الموظفين من السفر... والاستقالة

دلالات

المساهمون