شعوب لبنان وطوائفه

شعوب لبنان وطوائفه

12 ابريل 2015
(دار الساقي، 2015)
+ الخط -
يتناول كتاب "شعوب الشعب اللبناني: مدن الطوائف وتحوّلاتها في زمن الحرب السوريّة"، لحازم صاغية وبيسان الشيخ، دار الساقي، واقع المجتمع اللبناني المفتّت بين الطوائف والمناطق، في وقت يتعمق فيه التقسيم والشرذمة على وقع تبعات الزلزال السوريّ المجاور والوجود الكثيف للاجئين السوريين في لبنان.

يعتبر الكتاب وثيقة سوسيولوجية هامة، فيها توصيف للتغيّر في مراكز القوى وعلاقات السلطة داخل المدينة والطائفة، وتحليل التاريخ الاجتماعي والسياسي والانتخابي النيابي والعائلي والحزبي.

الخبرة الصحفية للكاتبين انعكست في استخدام القص واعتماد اختزالات جمالية رشيقة (لا تخلو أحيانا من تعميمات مبالغ بها) وإيحاءات مبطنة لاذعة. ومع ذلك، استطاع الكاتبان إنجاح رهانهما حول أهمية "أولوية العمل الميدانيّ في ظل تهالك ما هو سائد لدينا من أفكار كبرى".

فمثلا انتهى كل فصل بتناول الوضع المزري للنازحين السوريّين في المنطقة بسبب عنصريّة الكثير من السياسيين اللبنانيين، بغض النظر عن طوائفهم أو درجة الاقتراب أو الابتعاد من الانتفاضة السوريّة.

يكشف الكاتبان عن ديناميات اجتماعية وسياسية تبدو فيها أهمية فائقة للعائلة في العملية السياسية، وهذا ما أكده تيودور هنف (Theodor Hanf) في بحثه الاستطلاعي حول الآراء والسلوك السياسي للشباب اللبناني والذي تبين أنه لا يختلف كثيرا عن تلك المتعلقة بآبائهم. يكتشف القارئ في هذا الكتاب جغرافيات متنوعة لبنانية مدهشة تفسر سلوك الطوائف وزعمائها "فهذه الأمكنة وهؤلاء الناس لكل منهم دلالات، وكلها تقيم جذورها في مقدسات المارونية الأولى وصوفياتها".

يقوم الكتاب على ثلاث عشرة جولة ميدانية قام بها الكاتبان، بدءا من طرابلس حيث افتتحا الفصل بالتمحيص السيمائي الذي يعبر بعمق عن التغيّر في المدينة: "في أحد أيام 1984 تقدّم شبان مسلّحون من تمثال عبد الحميد كرامي في المدخل الجنوبي لطرابلس فأزاحوه. وفي المكان الذي حلّ فيه نُصب رئيس حكومة سابق، وُضع آخر عليه اسم "الله" الذي يعلو قرابة مترين، وكتب تحته "طرابلس قلعة المسلمين". وبعدما عُرفت الساحة المحيطة بالتمثال بـساحة عبد الحميد كرامي، صار اسمها ساحة النور، فيما جعلتها التسمية الشعبية الشائعة ساحة الله".

يرسم النص هذه السيميائية البديعة عن الصور والبوسترات المعلقة على مداخل وجدران النبطية وصورا لفهم التغيرات السياسية والطائفية هناك. أما المقابلات مع بعض أعيان وأهل هذه المدن والمناطق، فقد مدت التحليل بعمق حول طريقة حياة الأقليات الفكرية والطائفية في ظل هيمنة طرف على آخر. بيد أن النقطة المشتركة في فصول الكتاب، هي محاولة تفسير هيمنة لون أيديولوجي أو طائفي على المدينة واحتكارها، وملاحظة غياب التنوع الثقافي. فمثلا أقفلت صالات السينما في بعض المناطق والمدن بدعوى الحفاظ على الأخلاق الدينية، ولكن ما لم يقله الكاتبان هو أن الشركات الأجنبية الكبرى التي تحتكر أغلب صالات السينما في لبنان لم تعد تأبه بنشر ثقافة الفن السابع لجمهور قليل "غير مربح".

لقد استثمر وفصل الكاتبان كثيرا التغيرات الهوياتية لكثير من المناطق اللبنانية، لكن هذا التفسير غلب العامل السياسي على الاجتماعي، وبالتالي أظهر قصورا واختزالات سريعة للعوامل الاجتماعية. على سبيل المثال، هناك مبالغة في تصوير العلاقة المتأزمة بين صيدا وعين الحلوة، حيث لم يؤخذ بعين الاعتبار حجم الترابط الاجتماعي والاقتصادي والزيجات بين المدينة والمخيم. كما أن تصوير عين الحلوة على أنه محكوم من مربعات أمنية لجند الشام وعصبة الأنصار فيه اختزال شديد للقوى السياسية والاجتماعية في المخيم. وليس صحيحا أن "عاصمة الشمال مدينة لا تعمل ولا تلهو بل تصلي وتقاتل فقط، فالبيانات الإحصائية عن حجم العمالة ووضع المؤسسات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة تبقيها مدينة هامة، رغم "حرب الفقراء اليومية". لذا فأنا أنصح القارئ باستكمال فهمه للتغيرات الهوياتية والاجتماعية في لبنان بقراءة كتاب سمير خلف (لبنان الهائم: من ساحة قتال إلى ساحة لعب) (Lebanon Adrift: From Battleground to Playground) الغني بتحليلات سوسيولوجية.

(أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية - بيروت)

المساهمون