التعليم المنزلي.. برعاية "سوبر حوا"

التعليم المنزلي.. برعاية "سوبر حوا"

26 اغسطس 2015
في التعليم المنزلي نطبق ما ندرسه بشكل عملي (Getty)
+ الخط -
مع دخول ابني عبدالله للمدرسة أصبحت الأوقات التي نلتقي فيها في المنزل قليلة وعصيبة، فهو يذهب للمدرسة في السادسة والنصف ويعود في الرابعة والربع ويتجه مباشرة لعمل الواجبات ولكنه كان ينام فوق الكتب، وأحيانا كنت أحمله إلى السرير وأوقظه من الفجر ويظل مستيقظا حتى يكمل الواجبات ويتجه للمدرسة.

الاختبارات الأسبوعية (وحفظ الكلمات) وامتحانات منتصف الفصل الدراسي وامتحانات الفصل الدراسي جعلتنا ندور ونجري ونجري. ياالله أين حياتنا الاجتماعية.. أين لعبنا معا.. أين مشاركتهم لي في البيت وتعاونهم، كنت أقوم بكل شيء فهم مساكين لا يوجد وقت لديهم..
شعرت وكأن طوفانا ضربني ولم يتوقف سوى مع نهاية الدراسة.. كنا نجري نجري ولا نتوقف.. لماذا كل هذا؟

لم يكن هناك أيضا وقت لتعديل أي سلوكيات خاطئة ألاحظها فكان عليّ تقبل بعض الأمور على مضض لأن وقت تواجده في المدرسة أكبر من تواجده معي وبالتالي تأثير المدرسة أكبر. اكتفينا من المدرسة وكانت العيوب أكبر من المميزات بالنسبة لنا، ولم تكن المشكلة في هذه المدرسة فقط ولكن منظومة شاملة في كثير من المدارس وإن اختلفت وتنوعت المشاكل.

بداية القصة
في سبتمبر/ أيلول 2008 بدأنا التعليم المنزلي في بيتنا بمدينة الإسكندرية المصرية، كان أطفالي أعمارهم 4 سنوات وسنتان ولأن الناس كثيرًا ما يسألون الأطفال ما اسم مدرستك أطلقنا على مدرستنا المنزلية اسم "سكولنا"، كنا نلعب ونتعلم ونتشارك الأنشطة.

تعرفت خلال البحث عن المناهج على نظام منتسوري وهو تعليم الطفل عن طريق الألعاب، وانضممت لأحد المعاهد الهندية من خلال الإنترنت لتعلم كيفية تطبيق منهج منتسوري، وعندما بلغ ابني الأكبر عامه السادس كنت أعتقد أنه لابد أن ينضم للمدرسة، ولكن بعد تجربة المدرسة لمدة عامين وجدنا أن التعليم المنزلي كان أفضل لنا، وكان زوجي يشاركني الرأي فعدنا مرة أخرى للتعليم المنزلي.
وضعنا خطة لتغطية جميع الجوانب التي يحتاج لها الأولاد مثل الرياضة البدنية، الثقافة العلمية، الجانب الترفيهي، الحياة الاجتماعية، الجانب الديني والتربوي.

العروض التقديمية
ابتكر زوجي نظام العروض التقديمية حيث قدم للأولاد بعض الكتب وطلب من كل واحدٍ منهم أن يختار أحد الموضوعات ويقرأها ويفهمها ثم يقوم بعمل عرض تقديمي لنا عن هذا الموضوع في دقيقتين فقط، وكان الهدف من ذلك تنمية ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على عرض معلومات يعرفونها، كما ينمّي لديهم القدرة على البحث والفهم الذاتي.

كان أفضل ما في العروض التقديمية أنه بعد أن ينتهي الطفل من العرض علينا أن نقيمه بطريقة إيجابية فنقول ما استفدنا من الموضوع المطروح وما الذي أعجبنا، فينمّي ذلك لدى الطفل الروح الإيجابية ونبذ الانتقاد السلبي.

كما طلب زوجي من كل طفل أن يسجل في ورقة صغيرة شيئا سلبيا لمسه في نفسه وأنه سيقوم بتعديل هذا في المرة المقبلة (طلب منه إخفاء الورقة حتى إذا تغلب عليها نظر إليها وابتسم وقال تغلبت على مخاوفي السابقة، كالخجل من الوقوف أمام الآخرين.. الصوت المنخفض أثناء العرض التقديم).

تطورت عروضنا التقديمية وأصبح الأولاد يجهزون العروض على برنامج power point،
من ضمن العروض التي قاموا بها كان عرض عن أهم الجامعات العالمية وكيفية نشأتها وتخصصاتها المختلفة، والحيوانات المختلفة ودورة حياتها وكيفية صنع الأشياء مثل الجبن والزجاج والسيارات.

اقرأ أيضا: التفكير خارج الصندوق.. هل تقدر عليه؟

اختلفت العروض التقديمية مع طفلي الثالث، أصغرهم الذي كان يحب أن يشارك وكان وقتها في الرابعة من عمره، فكنا أنا وهو نجهز تجارب علمية بسيطة يقوم بعملها أمام إخوته، ثم قمنا بتسجيل هذه التجارب في فيديوهات ونشرناها في اليوتيوب والفيسبوك من خلال صفحة تحمل اسمه "عبدالمؤمن يعلمني" قدم حتى الآن ما يقرب من 20 تجربة علمية يقوم بعملها بنفسه.

الألعاب الأسرية
ليالي الألعاب الأسرية هو تقليد ابتكرته في الأسرة حيث بدأناه للعب مع الأولاد عندما كانوا صغارًا ثم طورناه فأرشدني زوجي للألعاب التي تنمي روح الفريق وتستخدم هذه الألعاب في تكوين فرق للعمل معا.. فكنا نخصص إحدى الليالي للألعاب الأسرية (الجماعية) وكان الأطفال يستمتعون جدا باللعب، ومن أمثلة هذه الألعاب لعبة الثعبان وفيها يتم وضع بالونه بين كل لاعبين حتى نكون صفا من اللاعبين والمطلوب منهم أن يصلوا لنقطة النهاية دون أن تقع البالونة.

لعبة الثقة، وفيها يكون أحد اللاعبين معصوب العينين ويقوم لاعب آخر بإرشاده لعبور حواجز -مصنوعة من الألعاب مثلا- وضعناها على الأرض بطريقة عشوائية حتى يصل لنقطة النهاية.

لعبة المرور من الحلقة، قمنا بتشبيك أيدينا في شكل حلقة ووضعنا حلقة (تشبه الهولاهوب) وكل لاعب يمرر جسمه من خلالها ويسلمها للاعب الذي يليه دون أن يترك يده.

إدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية كان من أهم أهدافنا لأننا لاحظنا أن هذا الجانب كان ضئيلا جدا في المدرسة ونحن في عصر تتطور فيه التكنولوجيا بشكل سريع، فكان علينا توجيههم إليها.. قمنا بعمل بريد إلكتروني لكل طفل وكنا نرسل إليه الواجبات من خلاله ويقوم بالرد عليها. أصبح البحث عن المعلومات وما يصعب عليهم من دروس على شبكة الإنترنت جزءا من دراستهم.

ورش العمل
تميز زوجي في هذا الجانب، فكان يجهز لنا ورش عمل مثل ورشة عمل كيف تصلح حياتك؟، حيث يقدم كل منا النصح للآخر بطريقة مبتكرة وإبداعية عن طريق الكتابة على ورق اللصق الصغير. ورشة عمل كيف تخطط للعطلة الصيفية ولحياتك المستقبلية.

ورشة عمل فرسان التنظيف (تخيلنا أن التنظيف معركة وعلينا أن نتغلب على الأتربة والكركبة فهي عدونا، وقسمنا حجرات البيت إلى جزر وأعطينا كل جزيرة اسمًا) ثم دخلنا كل غرفة ووضعنا على كل مكون من مكونات الغرفة ورقة لاصقة بها ما يمكن أن نصنعه فيها (على سبيل المثل السرير وضعنا ورقة كتب عليها ترتيب) وورقة أخرى حددنا فيها الوقت أو مرات التكرار، وبالنسبة للسرير كانت يوميًا. الستائر، وضعنا ورقة كتب فيها الأتربة وورقة أخرى كتبنا فيها تغسل كل شهر.

التخطيط: جلس زوجي مع كل طفل وسأله عن طموحاته وأحلامه المستقبلية في جوانب حياته المختلفة (رياضيًا وعلميا، دينيا، وظيفيًا...) وسجلها لهم في كتيبات وقام بطباعتها وأعطي لكل منهم كتيب أحلامه، وكانت سعادتهم غامرة خاصة صغيري عبدالمؤمن الذي كان وقتها ذا ثلاثة أعوام، عندما حمل الكتيب الخاص به، وهو يقول عندما أكبر سأخترع روبوت وأحفظ القرآن وألعب الرياضة وأنشئ شركات.

الرحلات: حرصنا على توفير جانب الرحلات كجزء من برنامجنا المدرسي، فخلال الدراسة تكون رحلات أسبوعية للمتنزهات والحدائق والمراكز العلمية، أما في الإجازة الصيفية فتكون رحلة طويلة ولأماكن جديدة لم نرها من قبل.

في بداية كل عام دراسي أجتمع مع الأولاد ونضع الخطة الدراسية ويشارك كل واحد في تخطيط المواد الدراسية ويكون مطلعًا على الخطة الزمنية، وأحيانًا يبلغني أحدهم نحن متأخرون في إحدى المواد الدراسية وعلينا أن نركز عليها أكثر.

ابتكر ابني الأكبر عبدالله وسيلة جديدة لتوفير وقت أكبر في عطلة نهاية الأسبوع، فكان يحاول الانتهاء من مذاكرة ما عليه دراسته يوم الخميس في يوم الأربعاء وبذلك يصبح لديه الخميس والجمعة والسبت إجازة بدون دراسة (أحد قوانين مدرستنا المنزلية أنه لا واجبات ولا دراسة يومي الجمعة والسبت).

التطبيق العملي: من خلال مجموعة من الأدوات التي وفرناها لهم مثل معمل الفيزياء حيث يسهل عليهم تطبيق ما يتعلمونه في دروس العلوم بأيديهم.

Little bits وهي مكونات للدائرة الكهربائية ولكنها تتميز بأنها تتشابك عن طريق مغناطيس فيسهل على الطفل أن يعرف الاتجاه الصحيح لتجميعها ويقوم بعمل مشروعات كهربائية مختلفة بها.

تحدي المجتمع
تبقى نقطة أخيرة وهي كيف واجهنا من حولنا بأفكارنا الخاصة بالتعليم المنزلي، حيث إننا في الجزء الأول من التجربة عندما كان الأولاد صغارًا كنت أسمع انتقادات أن أولادي سيكونوا انطوائيين ولا يعرفون كيفية المشاركة في الحياة مع أطفال في مثل أعمارهم، وكنت أحاول أن أثبت للمقربين مني أن ما أفعله مختلف ولكن لا يؤثر على الأولاد بالسلب، ولكن كان للمحيطين بي تأثير قوي لاتخاذ قرار دخول أولادي المدرسة لمدة عامين.

وبالتجربة العملية للمدرسة والمشاكل الكثيرة التي واجهتني اتخذت قرار التعليم المنزلي أنا وزوجي دون الالتفات إلى ما يقوله الآخرون، وبقيت فترة لا أتحدث عن تفاصيل ما نفعله مع الأولاد حتى قمت بتسجيل التجربة على صفحتي الشخصية على الفيسبوك، وقد أثارت التجربة إعجاب الكثيرين، مما عزز ثقتنا بأن ما فعلناه كان صحيحًا.

اقرأ أيضا:فنلندا والتعليم.. أسباب التفوق والنجاح

المساهمون