طلاّب سورية... قتلى وعمّال ومجندون

طلاّب سورية... قتلى وعمّال ومجندون

24 اغسطس 2015
طفلة سورية تجلس في العراء بعد تهدم مدرستها (Getty)
+ الخط -

تسببت الحرب الدائرة في سورية على مدى السنوات الأربع الماضية في انهيار البنية التحتية للتعليم في معظم المدن السورية، فخرجت آلاف المدارس عن الخدمة، وتراجعت العملية التعليمية في البلاد، وتسرب مئات آلاف الطلاب من المدارس.

تقدر تقارير دولية أن واحدة من كل خمس مدارس تضررت أو دمرت أو تحولت لمأوى للنازحين في سورية، ويقدر عدد المدارس المهدمة في البلاد المدمرة بأكثر من 4 آلاف مدرسة، أما المدارس التي تحولت إلى مأوى للنازحين فتقدر بأكثر من ألف مدرسة. 

المدارس التي لا يتواجد فيها نازحون في مناطق النظام، لا تزال تستقبل الطلاب، لكنها تعاني بدورها من مصاعب في العملية التعليمية، أبرزها الازدحام الشديد بسبب الكثافة السكانية الكبيرة التي تشهدها هذه المناطق الآمنة نسبياً.
المعلمة حلا عمران من دمشق قدرت متوسط عدد الأطفال في الصف في إحدى المدارس الإبتدائية في دمشق بـ 60 طالباً، معظم الطلاب في هذه المدارس لم يعودوا ملتزمين بارتداء الزي المدرسي كما السابق، وهو أحد الأمور التي باتت إدارات المدارس تتغاضى عنها. 

أطفال ومعاناة 
وتشير حلا أيضاً إلى أن "معظم الامتحانات التي تجرى في هذه المدارس باتت شكلية، الكثير من الطلاب لا يتوجهون إلى المدرسة إلا في أوقات الامتحانات، التي ينجح فيها الجميع"، وتتابع: "أبرز ما يعانيه الطلاب هنا هو صعوبة التركيز خلال الدرس ونقص الخدمات في المدرسة كالتدفئة في الشتاء وانعدام النظافة والمياه النظيفة، وتفشي بعض الأمراض المعدية كالقمل". 
وبالرغم من بعض التسهيلات، التي حاولت مديريات التربية في مناطق النظام اجراءها، إلا أن الكثير من الأطفال الذين نزحوا مع ذويهم وتركوا مدارسهم مهدمة، لم يلتحقوا بالمدارس الجديدة بعد أن فقدوا أي إثبات على المستوى التعليمي الذي وصلوا إليه. 
لكن المدارس الحكومية لا تبدو كافية لطلاب المراحل العليا، خاصة لطلاب الشهادة الثانوية والإعدادية، وهو ما دفع باتجاه افتتاح معاهد تعليمية خاصة في معظم المدن السورية، لتحل بديلاً عن المدارس الحكومية، لكن تكاليفها عالية وهي متاحة لأبناء الدخل الجيد فقط. 

مدارس المعارضة 
حال المدارس في مناطق المعارضة تبدو أسوأ بكثير، فقد تعرضت الكثير من المدارس الواقعة هناك لهجمات مباشرة من قبل الطيران الحربي التابع للقوات الحكومية، أبرزها القصف الذي تعرضت له مدرسة الأنصاري في حلب في أبريل/نيسان الماضي، والذي تسبب بمقتل معلمتين و5 أطفال، وروضة الغراس في حلب، التي تعرضت للقصف، وقتل فيها 16 طفلاً، في مايو/أيار الماضي. 
وكان العام الماضي قد شهد وحده 86 هجوماً على المدارس في سورية، تقول "اليونيسيف" إنها كانت متعمدة وترجح أن تكون الأرقام أعلى بكثير عن الواقع. وفي هذا الصدد قالت هناء سنجر، ممثلة اليونيسيف في سورية إنه "يجب احترام المدارس كملاذ آمن للأطفال، ليستطيعوا التعلم فيه دون خشية الموت أو الإصابة". 

اقرأ أيضا:ماليزيا وتركيا.. قبلة الطلبة العرب بعد فشل الثورات

هذه الحوادث وغيرها جعلت الكثير من الأهالي يعزفون عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، وبات الخوف السبب الأول للتسرب من المدرسة في مناطق المعارضة. يقول عيسى من حلب: "يعلم الجميع أن خطر القصف قد يطال أي مكان في حلب، لكن قصفاً متكرراً للمدارس أوحى للكثيرين أن النظام سيستهدفها أكثر من غيرها، وانقطعت في إثرها أعداد كبيرة من الطلاب عن مدارسهم في حلب". ويضيف: "هناك الكثير من النازحين الذين يسكنون في أماكن نائية، لا توجد مدارس قريبة منهم، ويخافون من إرسال أطفالهم إلى مدارس في أحياء أخرى، يفضلونهم أن يبقوا بجانبهم وإن لم يكونوا في مأمن أيضاً". 
وتذكر أرقام صادرة عن اليونيسف، بداية العام الجاري، أن الأوضاع الأمنية المتردية حرمت 670 ألف طفل من الالتحاق بالمدارس الابتدائية والإعدادية في كل من الرقة ودير الزور وريف حلب. 

مصير الأطفال 
ويختلف مصير الأطفال الذين لا يحظون بفرصة في التعليم، وتتركز النسبة الأكبر منهم في مناطق سيطرة المعارضة، منهم من يذهب إلى سوق العمل ومنهم من يتم تجنيده وآخرون يعيشون مع ذويهم منقطعين عن الدراسة.

الكثير من الأهالي يبحثون لأطفالهم عن البدائل التعليمية المتوفرة، فيلجأ معظمهم إلى المدارس التي يرعاها الائتلاف الوطني السوري في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، والمقامة في مباني المدارس القديمة، أو التي أجريَتْ عليها ترميمات بسيطة، فيمدها بالكتب ويقر مناهجها ويرعى الامتحانات، فيما تستمر حكومة النظام في دفع رواتب المعلمين في عدد منها أملاً في استعادة السيطرة على المنطقة. 

تقول هالة، وهي معلمة في إحدى مدارس الائتلاف هذه في ريف إدلب: "التعليم هنا جيد مقارنة ببعض المناطق التي لا يتواجد بها مدارس.
هناك صعوبات كبيرة وحالة ضياع إداري، لا نعرف ممن نتلقى التوجيهات ومن المسؤول عن التزويد بالكتب واحتياجات المدرسة، فتارة تأتي من هيئة التنسيق ومرة من الائتلاف والتعليمات من مديرة تربية الحكومة المؤقتة فيما يتلقى العديد من المدرسين رواتبهم من النظام، بشرط مراجعة مراكز تابعة له، وأحياناً لا نجد من يزودنا بأي شيء وتصبح كل الأمور فوضوية". وتضيف: "هناك تدخلات من الفصائل العسكرية المسيطرة على المنطقة، التي تسخر دوريات لمراقبة المدارس وفرض شروطها لتستمر بالعمل". 

أما محمد أمين، الذي يدير إحدى المدارس في ريف حلب، فيشتكي من نقص أعداد المعلمين في المنطقة، ويقول إنها ليست كافية لتلبية الاحتياجات التعليمية للمدارس، "نعتمد على طالب اللغة العربية لتدريس الرياضيات وهكذا، لا خيار أمامنا". ويضيف أن "الخوف من القصف دفع إلى إقامة مدارس في منشآت تحت الأرض، أو بيوت سكنية حتى لا يتم اكتشافها". 

مساجد ومدارس 
المساجد في مناطق المعارضة هي أيضاً من أبرز البدائل التي نجمت عن توقف المدارس، يقوم الشيخ عبد الرحمن بعقد حلقات تعليمية لأطفال من أعمار مختلفة، يقصدون المسجد الكائن في حريتان، بريف حلب. يقول: "لم أكن يوماً معلماً. كنت أدرّس تجويد القرآن فقط. الطلاب هنا لا يذهبون للمدرسة، فتوجهوا إلى المسجد ليتعلموا القراءة والكتابة". العديد من هذه المساجد تستثني الفتيات من دروسها، بسبب عدم وجود معلمات لهن، وتقتصر هذا الدروس على اللغة العربية وعلوم الدين والرياضيات في حال وجود أستاذ متطوع. 

ودفعت مبادرات المجتمع المدني في سبيل سد شيء من فجوة التعليم في هذه المدارس، وافتتحت معاهد تعليمية أو دروساً في بعض المنازل لأطفال الحي ليقوم بتدريسهم متطوعون. عبد الغفار، الذي ترك جامعته في سنته الأخيرة، يستقبل مع أخته صفاء أطفال الجيران لتدريسهم المناهج في منزلهم. يقول: "تطوعنا بداية لتدريس خمسة أطفال، وباتوا اليوم 29 طفلاً، بعضهم لم يمسك قلماً منذ ثلاث سنوات، ومتأخر عمّن هم في مثل سنه كثيراً. نقدم حلاً مؤقتاً لهم، لا ذنب لهم في أن يعيشوا جاهلين". 

من جهته، يشير المتخصص التربوي، حمزة الحسن، إلى أن "تداعيات تراجع العملية التعليمية في سورية كارثية، يتعرض الأطفال الذين لا يرتادون المدرسة إلى الكثير من الانتهاكات الموثقة. بعضهم تم تجنيده فكرياً وجسدياً وبات مشروع متطرف مستقبلي، آخرون يتم استغلالهم في سوق العمل بقصد أو بغير قصد وهم مشروع جاهلين لا يتقنون أكثر من المهنة أو التسول، إلا أن المشكلة لا تكمن فقط عند من لا يرتادون المدرسة، هناك مؤشرات على تراجع قدرة المدارس عن تقديم مستوى التعليم المطلوب للأطفال. معظم هؤلاء سيكونون أمام مستقبل مجهول، الأربع سنوات الماضية تبشر بجيل غير مؤهل بشكل جيد علمياً في سورية مستقبلاً". 

اقرأ أيضا:"يورك".. بناء التعليم العالي وعود تبحث "التطبيق"

المساهمون