المعرفة: بين أسلمة العلوم وعلمانيتها

المعرفة: بين أسلمة العلوم وعلمانيتها

15 مارس 2016
(بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2015)
+ الخط -
يهتم كتاب "مستقبل العلوم الاجتماعية في الوطن العربي" لمجموعة باحثين من تحرير: سارى حنفي، نورية بن غبريط -رمعون، مجاهدي مصطفى، بظروف إنتاج المعرفة الاجتماعية وواقع تدريسها وإنتاجها البحثي المؤسسي، ثم يعرج على تمحص قدرتها بإنتاج المعرفة الخاصة بها وبالفكر النقدي لها.

يعرض سعد الدين ابراهيم مرجعياتها في الوطن العربي بالتركيز على غربية المصادر لمنشئها، وتحديدا ولع بعض المؤسسين بعلم الاجتماع الوضعي. في حين يستعرض الهواري عدي الفراغات المعرفية من خلال نموذج محمد عبده واشكال المعرفة عنده، وفحص قدرته على القيام بقطيعة أبستيمية ثم عرض التصورات المختلفة عن مشروع الفشل وتفحص أسباب إخفاقاته، مع فتح التساؤلات عن العلاقة بين المفكر والمجتمع والظروف المنتجة لفكره، وكذلك سبر ثنائية المقدس والدنيوي.

أما أحمد موسى بدوي فيقدم قراءة عن التكوين العلمي في العلوم الاجتماعية في مصر، وبشكل أقل سطوعا على السودان. وتتعرّض لاهاي حسين في الفصل الرابع لتوجهات علم الاجتماع العراقي، موضحة الدور المركزي لعلي الوردي في مأسسة علم الاجتماع العراقي، مشرعة السؤال عن حضور علم اجتماع عراقي، والذي يلتقي بتساؤل سابق لعلي الكنز عن حضور علماء اجتماع وغياب علم اجتماع عربي، بينما يتطرق عبد الله الخليفة عن التكوين العلمي في السعودية حيث يظهر لنا الكاتب عن أثر الثقافة الآنية والمرتبطة بنزعة "الأسلمة" على العلوم الاجتماعية، والتي تصل لحد الادعاء بأصالة هذا التوجه. يقدم لنا كل من مجاهدي مصطفى وفؤاد بنورة تساؤلات مشروعة عن الأنثروبولوجيا في الجزائر من خلال تمحص مهنة الأنثروبولوجي، وكذلك دور الرساميل التكوينية لطلبة المتقدمين بالدراسات الأنثروبولوجية بالجزائر. بدوره يعرض لنا عبد الحكيم الحسبان الخلفيات التاريخية لتشكل البحوث الأنثروبولوجية والسوسيولوجية بالأردن وإشكالياتها وتوصيفها كحالة اغترابية، وكما في حالة العديد من الأقطار يتكشف لنا أن ثمة تنامياً لنزعة "أسلمة العلوم" والتي يمكن رؤيتها كموضة أشبه بطفرة للتماهي مع الخطاب السائد، وتعبيرا عن الأزمة المتصاعدة بين صانعي الأفكار وتعميمها.

يتناول ساري حنفي ماهية الإنتاج المعرفي السوسيولوجى الفلسطيني، وأثر الاهتمام الكوني المعولم بفلسطين على انتشار ظاهرة الأبحاث الممولة والمشروطة وشبه المشروطة، ومحاولة إعادة بناء القضايا البحثية المجتمعية وفقا لرؤى المانحين والممولين، وكما يقول "نشوء فئة خبراء منهم تهتم بالبحوث السوسيولوجية كونها أداة إنمائية لإدارة الأزمة الاجتماعية ولكن دون الانخراط في بحوث نقدية ". وتجدر الإشارة هنا إلى أنه يمكن لنا الاتفاق معه إزاء هذا التشخيص، ولكن يجب الانتباه أيضا إلى أن ثمة أعمالاً تنتمي لجيل جديد من الباحثين الفلسطينيين الذين يقدمون قراءات نقدية؛ دون الادعاء بأنهم يشكلون مدرسة متكاملة.

يقدم لنا حسن رمعون رؤية أخرى عن العلوم الاجتماعية من منظور مؤسساتي عن الإصلاحات البيداغوجية واستحداث التخصصات وأزمة النماذج في الجزائر. ويتناول بالدراسة كل من الجيلالي المستاري ونورية بن غبريط - رمعون دراسة مجلة إنسانيات حيث يفتح النقاش حول ثنائية الكتابة باللغتين العربية والفرنسية، وتظهر المقاربة أن ثمة تنامياً للكتابات باللغة العربية مقاربة مع الماضي، مع ملاحظة سيطرة المحلي على مواضيعها؛ مما يثير السؤال القديم المتجدد عن انعزال علماء الاجتماع العرب في فضاءات جغرافية محلية. هذا الكتاب يفتح الحوار حول علموية العلوم الاجتماعية عبر تمحيص موضوعاتها؛ مرورا بالمنهجيات وأدواتها التفسيرية وكذلك ثنائيات المعرفة والأيديولوجيا، تأصيل العلوم واغترابها وإن لم تتطرق لها بشكل واضح.

تكمن أهمية الكتاب بقدرته على إعادة فتح النقاش عن التساؤلات القديمة المتجددة حول القطع الأبسيتمولجي المعرفي بمنطق باشلار وعلم اجتماع المعرفة، ومحاولته تقديم قراءة نقدية عن العلوم الاجتماعية في الوطن العربي والمساهمة في تطويرها وتزويدها بقراءات تحليلية وتفسيرية.

(أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت)

المساهمون