مدخل غير طائفي لقراءة الحرب في سورية

مدخل غير طائفي لقراءة الحرب في سورية

12 أكتوبر 2015
+ الخط -
من الصعب تصور كتاب يمكن أن يكون دليلا نظريا لفهم إغوائيات اعتبار الحرب في سورية حرباً طائفية، أكثر من كتاب عالم الاجتماع الأميركي، روجرز بروبيكر، "الإثنية بدون مجموعات" (Ethnicity without groups, 2004) الذي نبهنا إلى أن إضفاء الماهية على الصراعات من خلال خلق مجموعات إثنية ليس إلا وهما يمنعنا من فهم آليات تشكل الصراعات وتغيراتها من خلال تحالفات تتجاوز المجموعة.

يبين لنا بروبيكر كيف أصبح مفهوم الهوية مفهوما مركزيا بدءاً من كتاب إريك إيركسون، "أزمة الهوية". ولكن إيركسون كان قد طبقه على الأفراد، ومع الوقت أصبح محل نقاش للمجموعات، التي أخذت معنىً صلبا لدى المدرسة الماهياتية، ومعنى ناعما لدى المدارس البنائية. بالنسبة لبروبيكر، لا يمكن فهم المجموعة بدون تحديد كيفية التصنيف وفهم الذات والمكان الاجتماعي والقواسم المشتركة والترابط. ويبين خطر عدم الأخذ بعين الاعتبار هذه المفاهيم من خلال تقديمه تحليلا في الفصل الثاني من الكتاب للدراسات الاختزالية لقبيلة النوير (Nuer) التي تعيش في أواسط شرقي أفريقيا، التي أهملت تعقيدات التزاوج والتهجين الثقافي لتخلق تصنيفاً هوياتيّاً صلباً للنوير ككل الذي يمنع الاعتراف بهويات متعددة لهم.

على ضوء هذا الكتاب، كيف يمكن فهم ما يحصل الآن في سورية؟

بدأت الثورة السورية في مارس/ آذار 2011 باعتبارها انتفاضة سلمية قامت بها جموع غفيرة مطالبةً بمطالب جد كلاسيكية لأية انتفاضة، تضع المطلب الديمقراطي كمطلب حياتي أساسي لتنظيم العلاقة بين الدولة والفرد والمجتمع بعد هيمنة نظام حاكم "جملكي"، حيث ورث بشار الأسد عن أبيه الجمهورية وحكما بالحديد والنار والاستخدام الممنهج للتعذيب لنصف قرن بمساعدة حفنة من أبناء العائلة، والمستفيدين من طبقة الأغنياء الجدد، التي تشكلت، إضافة الى "علوية سياسية" (على حد تعبير صادق جلال العظم) حيث استحوذ علويون على أغلب المناصب الحساسة منذ نصف قرن.

وبسرعة تم تطييفها من قبل النظام، عندما قام بحملة دعائية ونشر بوسترات في كل أنحاء سورية، مدنها وريفها، مكتوب عليها "لا للطائفية" أي أن النظام الحاكم يرى في معارضيه "مجموعة سنية" تريد أن تطيح بالنظام. وبعد القمع الدموي للمظاهرات السلمية، تعسكرت الانتفاضة السورية.

وبتعسكرها، دخل البعد الإقليمي ليلعب دورا رائدا في دعم طرفي الصراع. وأصبح الكثير من الطرفين (المعارضة والموالاة) يتحدثون عن الصراع بوعي أو بدون وعي على أنه "حرب أهلية" أو "حرب طائفية" أي أنه حرب بين مجموعتين، كل واحدة لها حدود صلبة مربوطة بالانتماء الطائفي. وبدأت تتحدث كل مجموعة عن صعوبة التعايش مع المجموعة الأخرى. وبالتالي تم إنكار البعد السياسي في الانتفاضة. وفيما يلي بعض مظاهر هذا الإنكار.

بدأت العديد من وسائل الإعلام تستخدم صفة طائفة الشخص قبل ذكر اسمه، فمثلا "العلوي بشار الأسد" أو "الدرزي فلان" أو المليشيا الشيعية حزب الله، كل ذلك هو محاولة لطمس معالم طبيعة الصراع في سورية وهو بين دكتاتورية متحالفة مع طبقات اجتماعية تتجاوز حدود أية طائفة، وبين انتفاضة شعبية لها مطالب شرعية حسب الأعراف العالمية المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

فحزب الله يقاتل مع النظام السوري ليس لأنه حزب "شيعي" يتحالف "طبيعياً" مع "العلويين"، بل لأن موضوع الديمقراطية ليس على أجندته، وحتى لو استخدم حزب الله شعارات مثل "لن تسبى زينب مرتين" أو "الحرب ضد التكفيريين" فهذا ليس إلا بروبوغاندا دينية لتعبئة جموع تحركها المشاعر الدينية. وعلى الرغم من وجود هيئات سياسية ممثلة لجموع عبرت بوضوح عن مطالبها السياسية وبموضوع الديمقراطية (الائتلاف الوطني السوري، هيئة التنسيق السورية، وغيرها) إلا أن حزب الله لا يريد أن يرى في جموع السوريين المحاربين للنظام إلا "داعش" والتكفيريين.

إن كان النظام وحلفاؤه قد بادروا إلى تطييف الانتفاضة السورية، فبكل أسف وقعت بعض أطياف المعارضة في هذا الفخ من خلال الانتقال من استخدام خطاب ديني (وهنا إسلام سني) كأداة للتعبئة، إلى خطاب يحمل معاني إقصائية للآخر، ومتطرفٍ، مقارنة بالخطاب الإخواني المصري وحزب النهضة في تونس.

(أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية في بيروت)

المساهمون