"نابولي- بينيتيز".. خيال مفقود لفريق مجتهد

"نابولي- بينيتيز".. خيال مفقود لفريق مجتهد

20 ديسمبر 2014
+ الخط -

ثلاثة أهداف خلال أقل من 45 دقيقة، كل الطرق تؤدي إلى تتويج ميلان بدوري الأبطال، الجميع يستعد ويتبقى شوط واحد لإتمام المهمة على أكمل وجه، وردّ الخصم كان بين الشوطين بتغييرات فنية وتعديلات جوهرية على خطة اللعب، نزول الألماني ديدي هامان بدلاً من فينان، واللعب بثلاثي خلفي أمام هجوم الميلان مع صعود البديل إلى مركز الارتكاز من أجل إعطاء الحرية إلى ألونسو في المنتصف والدفع بجيرارد كلاعب وسط هجومي صريح ومهاجم متأخر عند الحاجة، لينفجر ليفربول ويسجل ثلاثة أهداف ويفوز بضربات الجزاء في النهاية.

انتبه من فضلك أنت في حضرة نهائي إسطنبول التاريخي، أشهر مباراة في تاريخ دوري أبطال أوروبا، ومنذ ذلك التوقيت، قدم الإسباني رافائيل بينيتيز نفسه كأحد المدربين المختصين بالشأن التكتيكي والقدرة على قلب أورقة المباريات من خلال مفتاح التغييرات على طريقة العبارة الشهيرة، الشوط الأول للاعبين أما الثاني فللمدربين، وعلى رأسهم رافا.

الجنوب الإيطالي

نابولي مدينة الفقراء ووطن الباحثين عن متعة أبدية بعيداً عن قوالب النظام وقيود القوانين، لذلك عُرف عن سكانها مشاعرهم السلبية تجاه أهل العاصمة وكرههم الشديد لسكان الأحياء الراقية في مدينة ميلانو، أما ناديها فاشتهر بجنون عشاقه وتعصب جماهيره، وبالطبع الأمر يجب أن يقترن بالنجم الأعظم في القرن العشرين، دييجو أرماندو مارادونا، الأسطورة التي قادت فريق الجنوب إلى المجد من أوسع أبوابه خلال فترات العز في ثمانينات القرن العشرين.

نابولي ليست إيطاليا، هكذا قال دييجو ليرد عليه دراويش ناديه بتشجيعه على حساب بلدهم إيطاليا في كأس العالم 1990. غضب، جنون، عشق، غرام، فوضى، وشغف، مفاهيم ارتبطت بتجربة الموج الأزرق في ملاعب الكالشيو. رحل مارادونا ورحلت معه المتعة بعيداً عن الجنوب، حتى جاء جيل جديد بقيادة مثلث الرعب، كافاني، هامسيك، ولافيتزي مع المدرب والتر ماتزاري، واقترب الفريق شيئاً فشيئاً من منصات التتويج، لكن بقي اللقب في حالة مستعصية خلال الجولات الأخيرة.

وبعد بيع نجمي الكرة اللاتينية كافاني ولافيتزي، ورحيل المدير الفني للفريق إلى ميلانو، ظن معظم المتابعين أن تجربة نابولي انتهت، لكن الإدارة قررت استمرار المشروع مع صلاحيات أكبر وخبرات أدق، لذلك استعانت بخبرات التكتيكي الإسباني رافا بينيتيز، وسمحت له بميزانية مفتوحة تعاقد على أثرها مع أكثر من لاعب وبمبالغ خيالية، كهيجوايين وكاليخون وبقية الأسماء، وانتظر الجميع نتائج لامعة، لكن هذا لم يحدث، على الأقل حتى وقت كتابة هذه السطور.

النظام غاية
التكتيك عبارة عن مسافة، مساحة، فراغ، أرض، قل ما تشاء، المهم أن تدور في فلك الـ Spaces وأعظم المدربين في تاريخ اللعبة، هم من آمنوا بفكرة التحكم في المستطيل سواء بالكرة أو بدونها. حينما تقوم بتقديم لاعب للأمام، يجب أن تقوم بتحريك لاعب آخر للخلف، وحينما تضع لاعباً على الرواق الأيمن، من اللازم أن تقابله بلاعب آخر في الرواق الآخر، الأول يهاجم والثاني يقطع بالعرض دفاعياً، للتغطية العكسية، وهكذا.

ملعب كرة القدم بمثابة رقعة الشطرنج، هل يقوم لاعب الشطرنج بتحريك قطعة دون تفكير؟ هل تحريك القطعة دون عمل حساب الخصم يعتبر نجاحاً؟ هل اللعبة تعتبر خاصة بالفعل فقط؟ أو حتى رد الفعل فقط؟ بكل تأكيد كل هذه الإجابات ستكون لا.

رافا بينيتيز من هذه النوعية التي تعشق وضع كافة التصورات قبل أي مباراة، ويتبع دائماً نظرياته الكروية مع اقتناع كامل بأن النظام التكتيكي يجب أن يعمل وفق رؤية المدير الفني فقط دون تدخل من اللاعبين، لذلك يقدس المدير الفني التكتيك إلى أقصي درجة ممكنة، ولا يحب النجم الأوحد ويؤكد دائماً على وحدة النظام داخل أي فريق.

ومن 3-5-2 التي لعب بها نابولي في آخر مواسم ماتزاري، الذي أعطى حرية كاملة للنجوم الكبار في الحركة بالكرة وبدونها، حتى أصبح فريقاً إيطالياً بدرجة ناد لاتيني قادم من أميركا الجنوبية، إلى 4-2-3-1 الإسبانية، الخطة التي يستخدمها رافا أينما حل، خصوصاً بعد أن أعطته التفوق خلال سنواته الأولى مع فالنسيا.

رباعي دفاعي صريح، ثنائي بالعمق وثنائي بالأطراف، مع محوري ارتكاز في المنتصف، لاعب يقطع الكرات وآخر يمرر، والكل يعمل من أجل ملأ الفراغ بين الوسط والدفاع وغلق المنطقة الحمراء تماماً، أما العمل الهجومي فيكون من نصيب ثنائي الأطراف، جناح يلعب على الخط وآخر ينطلق في العمق، بالتعاون مع صانع لعب بالمركز 10 ومهاجم متحرك في كل ركن بالثلث الهجومي الأخير، ولا يُغيّر بينيتيز طريقته إلا في أضيق الأمور.

"دونت ميكس"
"عشقت مارادونا أكثر من زوجتي، لا أخجل من هذه الحقيقة بل أفتخر بها على طول الأيام، لم أحبه بسبب البطولات فقط، ولا حتى طريقة تسجيله للأهداف، بل لأنه كان قريباً منا، يُشبهنا في صخبه، احتفاله، عصبيته، خروجه عن النص، وربما تعاطيه للمخدر"، يتحدث أحد مشجعي نابولي عن حبه الشديد لمارادونا، ورغم أن هذه التصريحات تعتبر خاصة بفكر المدرجات إلا أنها تعكس إلى حد كبير طبيعة الأمور داخل نابولي، المدينة والفريق.

وبالتالي كانت طريقة اللعب الحر والميل إلى استخدام المهارات مناسبة جداً للفريق الجنوبي، وقدم نابولي نفسه كمنافس حقيقي على لقب السيريا آ بعد يوفنتوس، وحينما تمت الاستعانة بخبرات رافا، حدث العكس لأن طبيعة النادي كوحدة ولاعبين وجمهور تختلف كثيراً عن طباع بينيتيز، المدرب الذي يرتدي النظارات الطبية ويحسب كل صغيرة وكبيرة بالورقة والقلم.

وحتى بعد قدوم أسماء إختارها المدرب بنفسه للاستفادة من قدراتها، افتقر نابولي إلى الخيال داخل الملعب، وفقد بوصلته التي جعلته يبتعد عن أجواء المنافسة، فالفريق في العادة كان يبتعد بخطوة عن يوفنتوس، وظهر روما على الخط كأحد الأندية التي تقدم كرة سريعة ومختلفة، مما ساعد كتيبة المدرب رودي جارسيا على خطف المركز الثاني خلف السيدة العجوز، وبدلاً من اللعب على المركز الأول، أصبح كل هم نابولي بينيتيز المحافظة على المركز الثالث.

ماراثون
الدوري في أي بلد بالعالم لا يساوي سباق 100 متر بل بطولة أشبه بالماراثون، لذلك يحتاج إلى الاستمرارية ومحاولة الإتيان بالجديد والتطور الدائم للمرور قبل المنافسين، ورافا بينيتيز رغم كل خبراته السابقة إلا أنه مدير فني يجيد أكثر في مباريات الكؤوس، تلك المواجهات التي تعتمد على فوارق الأهداف ونتائج الذهاب والعودة، لذلك كانت آخر بطولة دوري له سنة 2004 مع فريق فالنسيا الإسباني، وبعدها تخصص في الكؤوس المحلية والأوروبية والعالمية.

وهذا الأمر لا يعيب رافا أبداً، ومن الممكن القول بأنه تسلم فرقاً بعيدة كل البعد عن الفوز ببطولة صعبة كالدوري المحلي، لكن بينيتيز لم يقدم نفسه من الأساس كمنافس مع نابولي، لأن الفريق يبتعد بفوارق شاسعة عن فريقي يوفنتوس وروما، بسبب عوامل التضاد والتباعد بين طبيعة الفريق الجنوبي وأساليب المدير الفني الفنية والتقنية، لذلك يبدو الأمر وكأنه تلاق مستحيل بين أمرين مختلفين.

لذلك أصبحت تجربة "نابولي-بينيتيز" مهددة بالفشل، نتيجة افتقاد الطابع الفوضوي المحبب للفريق، مع افتقاد تكتيك المدرب للخيال الذي يُحّوله من مصطلح الفريق الجيد الصعب هزيمته إلى الفريق المميز الطامح إلى الفوز في كل الأوقات، وتحول نابولي مع رافا إلى فريق يسهل توقع طريقة لعبه وأسلوب أدائه.

مجرد أسئلة
ألبيول مدافع جيد لكنه مميز؟ هيجوايين هداف مستمر لكنه رجل المباريات الكبيرة؟ جارجانو ارتكاز لا غبار عليه لكنه من طينة أباطرة المنتصف؟ أسئلة من السهل معرفة إجابتها، لأن المصير في النهاية سيكون لا، لأن هؤلاء اللاعبون من الممكن أن يجعلوك تفوز بمباراة، لكن من الصعب بل المستحيل وصولهم إلى بطولة، إذن وما ذنب المدرب؟ ذنبه الوحيد أنه من اختارهم، ليس كلهم في المطلق لكن أغلبهم.

وحينما يصبح كاليخون نجم نابولي الأول، على الرغم من وجود أسماء بقيمة إينسيني وميرتينس، فهذه الملاحظة أيضاً جديرة بالاهتمام، ليس تقليلاً من قدرات ومجهود اللاعب الإسباني، ولكن لأن الثنائي الآخر يتمتع بمهارات وفرديات غير عادية، لكن دون إستغلال حقيقي من جانب الكادر الفني، وعلى الرغم من كونها تفاصيل صغيرة إلا أن جمعها في النهاية يقودنا إلى نهاية منطقية للغاية، مكونة من كلمات واضحة، نابولي رافا مجرد فريق مجتهد.

وحتى وإن فاز نابولي ببطولات مقبلة، فستكون على مستوى الكؤوس المحلية في نسق بعيد تماماً عن ركب جماعية روما وهيبة السيدة العجوز، الثنائي الأقرب لملء فراغ الكبرياء الإيطالية خلال الفترة الحالية.

المساهمون