بانيولي فيرونا.. قاهر يوفي بلاتيني ونابولي مارادونا

بانيولي فيرونا.. قاهر يوفي بلاتيني ونابولي مارادونا

04 ابريل 2015
+ الخط -

هيلاس فيرونا، بطل قديم للكالتشو في حقبة الثمانينيات، فريق قبل أن يخوض المغامرة الكبيرة ويتحدى عمالقة التكتيك في بلاد كرة القدم التي تحولت فيها اللعبة في سنوات سابقة إلى جنة حقيقية حصدت عقول وقلوب الجميع. ومن بين أبطال قدامى وتاريخيين في سماء اللعبة، زاحم فريق فيرونا الكبار، وحصل على نصيبه من قمة المجد في موسم عُرف تاريخياً بأنه من المعجزات الكروية في ملاعب السيريا آ.

عاش دييجو مارادونا أيامه الخوالي مع فخر الجنوب نابولي، وسطر الساحر بلاتيني أجمل اللوحات مع السيدة العجوز، وأخذ أريجو ساكي المستديرة إلى عالم آخر حينما آمن بالمساحات في اللعبة وصنع أسلوباً كروياً جديداً، مع الكتيبة الألمانية في إنتر حيث البطولات الممزوجة بسحر الدفاع على طريقة هيريرا، وكل هذا تم على أرض إيطالية، في أقوى دوريات اللعبة خلال فترات سابقة.

لكن كل هذه الفرق العملاقة في جانب، وإنجاز هيلاس في جانب آخر، لأن هذا الفريق تحدى الصخور الصلبة، واجتاز كل الصعوبات في سبيل وصوله إلى لقب الدوري موسم 1985، تحت قيادة المدرب أوزفالدو بانيولي، الرجل الذي قاد فيرونا إلى أغلى بطولة على الإطلاق، لتكون هي الشمعة المضيئة في سجلات النادي على مر تاريخه حتى الآن.

الشيوعي
استمرت إيطاليا في إنتاج المدربين الكبار، من بين هؤلاء بانيولي، المدرب الذي ولد في إحدى ضواحي ميلان، ومال دائماً إلى صف الجماهير، إلى درجة حديث بعضهم عنه بأنه رجل شيوعي التفكير، ومن أجل هذا السبب، لم يختره بيرلسكوني لتولي تدريب فريق ميلان. وجاء بحليق الرأس أريجو ساكي، وهذه القصة تم ذكرها في أكثر من مصدر إيطالي، مثل كتاب "الفوز بأي ثمن" الذي ركز على تاريخ معظم المدربين في بلاد الباستا.

لعب أوزفالدو في مركز الوسط خلال فترة الخمسينيات والستينيات، ودخل مجال التدريب من تحت الصفر، لأنه قاد فريق تشيزينا إلى دوري الكبار، لتلتقطه سريعاً عين رئيس فيرونا سيليستينو جيدوتي، ويبدأ مع الفريق الصغير رحلة الجنون، من الدرجة الثانية في منتصف السبعينيات إلى قمة الدوري الإيطالي في منتصف الثمانينيات، وكأن المعجزات لم تنته في إيطاليا.

أسس بانيولي فريقاً دفاعياً بامتياز، يعرف كيف يُغلق كافة المناطق نحو مرماه، ومن ثم يضرب الخصم بالمرتدات القاتلة. الدفاع جزء لا يتجزأ من التراث الكروي الإيطالي، وفيرونا الثمانينيات نجح في إيقاف أشهر نجمين في تاريخ تلك المرحلة، مارادونا في الجنوب، وبلاتيني في تورينو، ليستحق الفريق الصغير المديح لأنه وصل إلى مبتغاه بعد هزيمة الأسود في عقر دارها.

تواضع بانيولي كان محل تقدير من الجميع، واقترابه الدائم من الطبقات الكادحة في إيطاليا جعله رياضياً محسوباً على اليسار السياسي، وكان يتحدث بأسلوب عميق بعض الشيء مع لاعبيه، لذلك أطلقت عليه الصحافة لقب "شوبنهاور" نسبة إلى الفيلسوف الألماني الشهير. وبعد نجاحاته مع فيرونا، حصل على فرص مع جنوى ثم إنتر قبل اعتزاله التدريب مطلع التسعينيات، حينما خرج أمام الملأ وأكد أن الكرة الحديثة لم تعد تناسبه، لذلك فضّل الابتعاد.

كرة المال القديمة
فاز دورتموند على ريال مدريد في 2013 بفريق ميزانيته 29 مليون جنيه إسترليني فقط، وحتى بعد ابتعاده عن النهائيات الأوروبية خلال العام الماضي، وصل الفريق إلى نهائي الكأس وحقق نجاحاً قوياً هذا الموسم في الشامبيونز، وحقق أتليتكو مدريد أكبر مفاجأة كروية بالموسم الماضي، وخطف قلب لا ليجا من فم العمالقة برشلونة وريال مدريد، لكن هناك حدثاً كروياً قديماً لا يقل أهمية، يخص فريق هيلاس هيرونا وموسم 1984-1985.

بأقل تكاليف ممكنة، نافس فيرونا أباطرة الكالتشو، وباع بعض الأسماء في تشكيلته كالبرازيلي ديرسو من أجل التعاقد مع أسماء أخرى. وكانت تجربة هيلاس أول محاولة حقيقية لتنفيذ فكرة "كرة المال"، صحيح أن الأموال سابقاً لم تكن بهذا الزخم، لكن حقاً الكالتشو كان لقباً صعب المراس، ويضم فرقاً تساوي منتخبات بل تفوقهم قدرة وعبقرية.

كرة القدم الإيطالية عالم ساخر، اللعب النظيف أمر نادر الحدوث، هذا الأمر ليس ناتجاً عن موقف أو اثنين، ولكن يعود إلى رؤية مسبقة تكمن في دهاليز مختلف المؤسسات بالبلد، لذلك حدثت شبهة تلاعب ومراهنات في أوائل الثمانينيات، وتمت معاقبة مجموعات مختلفة وطالت المشكلة أندية ميلان ولاتسيو، مما جعل المسؤولين يفكرون في حلول سريعة وفورية، بدأت بفكرة الاختيارات العشوائية للحكام، ومزيد من الرقابة على المباريات، وكانت النتائج مذهلة ومبهرة بالنسبة للفرق البعيدة، وعلى رأسها فيرونا.

نجوم فيرونا
تعاقد نابولي مع الأسطورة مارادونا ليأتي إلى الجنوب ويُنذر بعصر جديد، أما إنتر ميلان فاتجه إلى الألمان واشترى كارل هاينز رومينيجه، ليصنع فريقاً قوياً رفقة ألتوبيلي وزينجا والبقية، أما يوفنتوس فظل مرشحاً قوياً في ظل تواجد اللاعب الأفضل في القارة العجوز، ميشيل بلاتيني، مع حضور حقيقي ولافت لفريق تورينو، وتواجد الميلان في دائرة الضوء كعادته، وفي ظل هذا التنافس الشديد، كان البطل فريقاً آخر تماماً، وسحب فيرونا البساط من الجميع.

امتاز هيلاس بالجماعية المطلقة، لكن يجب الإشارة إلى لاعبين فعلا الكثير خلال تتويج الكالتشو، الأول هو المدافع الألماني الرهيب هانز بيتر بريجيل، والثاني هو المهاجم الدنماركي لارسن إلكاير، ويعتبر الثنائي واجهة حقيقية داخل الملعب لأفكار المدرب بانيولي، لأن فيرونا أغلق دفاعاته أمام الجميع، وفشل معظم الفرق في اختراق خطهم الخلفي، مع شهرتهم في القتل البارد لكل المنافسين، بتسجيل أهداف خاطفة في الأوقات الصعبة من عمر المباريات.

لم يحصل فيرونا على الدوري من باب الصدفة، لأن النادي وصل إلى نهائي كأس إيطاليا خلال عامي 83 - 84، بالإضافة إلى وجوده ضمن قائمة الأربعة الكبار قبل فترات بسيطة من تتويجه بالبطولة، لذلك صعد هيلاس السلم خطوة فخطوة، ونفذ الانقلاب الناعم على المرشحين للفوز باللقب، عن طريق الصفقات الذكية والروح الجماعية، مع استغلال تعثر الخصوم في ماراثون طويل، حافظ خلاله رفاق بانيولي على طاقتهم من البداية للنهاية.

مشوار طويل
وضعت قرعة البطولة فيرونا ونابولي وجهاً لوجه في المباراة الأولى، الكل في انتظار دييجو مارادونا، لكن كان للمدافع بريجيل رأي آخر، راقب الأرجنتيني ومنعه من تلقي أي كرة، وسجل أول أهداف اللقاء الذي انتهى بفوز فريقه بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف، ليضع هيلاس قدمه على الصدارة منذ الأسبوع الأول، خصوصاً بعد تعثر كل منافسه، إما بالتعادل أو الهزيمة.

لم يُهزم فيرونا في هذا الموسم خلال أول 14 مباراة، لدرجة أنه تلقى الهزيمة الأولى في شهر يناير/كانون الثاني أمام أفيلينو بهدفين مقابل هدف، رغم أنه وقع في طريق فرق قوية كيوفنتوس، فيورنتينا، إنتر، روما، في مواجهات مصيرية على التوالي، ليُنهي المرحلة الأولى متصدراً للبطولة برصيد 22 نقطة أمام إنتر، وتورينو، وسامبدوريا، وروما، وميلان، ويوفنتوس، ونابولي.

فشلت فرق يوفنتوس، وإنتر، ونابولي، في تحقيق أي فوز على فيرونا طوال الموسم، وكانت هذه النتائج بمثابة كلمة السر في تتويج فريق بانيولي بالبطولة، لأنه ظهر بصورة البطل أمام الأبطال ولم يهابهم أبداً، لذلك استمر في طريقه نحو الصدارة حتى الأسابيع الأخيرة، وفاز بالكالتشو في الأسبوع الأخير بفارق كبير عن أقرب منافسيه، أربع نقاط عن تورينو، وخمسة عن الإنتر، لتعلنها الصحافة مدوية، أخيراً ترك "السكوديتو" معاقل الأباطرة، وذهب إلى الصغار، ذهب إلى مدينة فيرونا.

سر التفوق
كل لاعب يعرف المطلوب منه، هذه هي خلطة بانيولي السحرية نحو المجد، فالمدرب غريب الأطوار نقل خبراته التكتيكية إلى نجوم الفريق، وكان هذا هو السر الحقيقي وراء ظهور فيرونا بشكل قوي في كافة المباريات الكبيرة، التي تحتاج إلى حضور ذهني مضاعف، وقدرة واضحة على التكيّف مع مختلف الخطط خلال التسعين دقيقة، لذلك لعب هيلاس بأكثر من مسمى، 3-5-2، 4-3-3، و 4-4-2، والفضل يعود إلى شخصية المدرب وترجمة اللاعبين.

البقاء في الخلف مع شكل متحد، ترك الكرة للمنافس مع إبعاده تماماً عن مناطق المرمى، من دون ضغط عالٍ، لأن فيرونا أراد استفزاز خصومه وجعلهم يقتربون أكثر، ومع قطع الكرة يتم ضربهم سريعاً، بتمريرات قليلة لكنها فعالة ومؤثرة، وبالتالي اختار بانيولي أسلوب دفاع المنطقة مع استراتيجية المرتدات القائمة على رد فعل قوي ومفاجئ.

البعض سيقول إن سبب تفوق فيرونا هو انخفاض مستوى منافسيه، وفريق آخر سيؤكد أن النزاهة التحكيمية لعبت دوراً كبيراً في لحظات التتويج، بالإضافة إلى اتفاق الجميع على براعة فريق بانيولي وعمقه التكتيكي، وفي كل الأحوال، يعتبر سكوديتو 85 بمثابة المعجزة الكروية رفيعة المقام في سماء الكرة الإيطالية، ومهما كانت المبررات والأسرار، فإننا كنا أمام حالة فريدة لا تتكرر كثيراً.

المساهمون