لأجل هذا أحببنا إيطاليا‎

لأجل هذا أحببنا إيطاليا‎

28 مارس 2015
+ الخط -

تهيأت كعادتي دائماً عندما أشرع في كتابة موضوع معين أو حتى عندما أغوص بأفكاري في كتابة مقالة تخص كرة القدم وبحورها وأنهارها، ولكنني اليوم وجدت نفسي عاجزا ومترددا وبأي الأحرف وبأي الكلمات سأبدأ.. أقولها وكلي صدق وخوف من مداعبة إبهامي للوحة مفاتيح هاتفي، تاهت تلك الكلمات والعبارات التي كانت تجول في خاطري وأحببت أن أترجمها كتابة يقرأها كل من دخل ليقرأ ماذا أكتب.. أريد أن أوصل لكم عبارة دائما يرددها عقلي، عبارة تحوي كلمات مبعثرة، ولكن عقلي يعرف مقصدها تماما.. كلمات كـ "كرة قدم - أجمل - إيطاليا".. بودّي أن أرتبها وأكتبها هنا، بودي أن أكتب "إن أجمل ما في كرة القدم هي إيطاليا".. لكن خفت أن تكون الكلمات لا توازي ما في عقلي من حب وتقدير لرياضة هذا البلد، ولأن كرة القدم الإيطالية ودوريها ونجومها ومدربيها يعنون لي ولغيري الكثير، فقد ترددت كثيرا في كتابتها.

هكذا هي إيطاليا، وهكذا ستظل كما أحبها محبوها.. بلد الأناقة والجمال والفن والتاريخ الكروي العظيم.. هي جنة من جنان الدنيا لكل من أراد المتعة والسحر والماضي الجميل.. هي تلك البلد التي أنجبت غاليليو وتورشيلي وماركوني ودافنشي، هي من أنجبت الملوك والقياصرة، هي من أنجبت النجوم والأباطرة، ليكونوا فيما بعد أساطير نحكي قصصهم في كل بقاع الدنيا وفي أي زمان نشاء.. لكن حالهم الرياضية الماضية تبدلت وسنواتهم العظيمة تحولت، فكأنما اليوم تشاهد حبيبا لك يحتضر، ولا تقدر على مداواة جراحه وتخفيف أحزانه، تكتفي بالبكاء فقط على أطلاله وتذكر أيامه لعلها ترجع وتعود.. فرق عظيمة تهاوت وأخرى أفلست، مافيا تلاعبت بالبلد كيفما أرادت، ومواهب جميلة لم تجد المأوى المناسب فرحلت.. أزمات حلت على إيطاليا ودوريها جعلت منه جحيما لا يطاق بعدما كان جنة لا تجد المتعة والإبداع إلا فيه.

حينما يود المتابع أن يقرأ عن حال إيطاليا رياضيا الآن، فتجده لا يشاهد إلا المشاكل والكوارث والأزمات والإفلاس.. كبرى الصحف ليس عندها إلا تقليب الأوراق القديمة المتعفنة وإعادة تدويرها وصياغتها مرة أخرى.. "كالتشوبولي - مودجي - موراتي - ريكوبا وجوازات سفر - وكلمات أخرى أسوأ" وتشاهد الصفحة الأخرى فلا تجد إلا اتهامات الأندية للاتحاد، وأخرى تقرأ فيها مشاكل الأولتراس مع الأندية، وتقلب صفحة أخرى لعلك تشاهد شيئا يفرح القلب فلا تشاهد إلا أخبارا أسوأ من سابقتها، بيرلسكوني مثلا كيف يساوم على ميلان وبارما كيف أفلس حتى تم شراؤه بيورو واحد فقط.. كل أخبار إيطاليا أصبحت مشاكل وكوارث، فكيف يريدون النهوض مرة أخرى، وهم لم يسعوا إلى ذلك، ولم يصدر من مسؤوليهم حتى خيط أمل يتمسك به المحبون.

بعيدا عن كل هذه المآسي والأحزان التي أظن أنها ستدوم طويلا، سيظل من أحب إيطاليا ودوريها ونجومها متمسكا بحبه لمن أحب.. لأن نظرته الأولى لكرة القدم وقعت على كرة إيطاليا، يوم أن كانت جنة، فأسرته بكل ما فيها من جمال وأناقة وإبداع، فسيظل يحن لتلك الذكريات على أمل أن تعود وعلى يقين لديه بأن لا شيء سواها سيعادل ما رآه منها في سنوات عزها.. فلأجل ذلك أحب المحبون إيطاليا، بكل ما فيها وسيبقى الكالتشيو ذكراهم الرياضية الأجمل، ارتبطوا به في صغرهم، وجاهدوا أنفسهم ليتسنى لهم مشاهدة مبارياته الباهظة الثمن فترة دراستهم، فكانت مباراة للكالتشيو تعني لهم وجبة كروية دسمة ينتظرونها لأيام قبل أن يعيشوا دقائقها لحظة بلحظة.. فلهذا هم أحبوا وسيحبوا هذا الدوري وتلك البلد مهما حصل.

سيظل جمهور الكالتشيو حاضرا بأحزانه وأطلاله وآماله من تحت ركام إيطاليا وكرتها المدمرة.. أُخذ منها كل ما كانت تملك إلا تاريخها الذي سيبقى شامخا قويا لمن أحبها.. سينتظرون حاضرا ينهض بهم من جديد، فإيطاليا يلزمها طي صفحة الأمس الحزينة وبكل ما فيها من مشاكل وفضائح وبدء صفحة أخرى يملؤها العمل والإخلاص والأمل.. ثورة حقيقية تعيد النقاط على حروف الكالتشيو المتبعثرة وترجع مياه الآزوري النقية لمجاريها العظيمة.

المساهمون