إنزو فرانشيسكولي..أستاذ زيدان في السحر الكروي

إنزو فرانشيسكولي..أستاذ زيدان في السحر الكروي

01 اغسطس 2014
زيدان وإنزو فرانشيسكولي (Getty)
+ الخط -

"أحببت كرة القدم وعشت أجمل لحظات عمري داخل الملاعب، لا يهمني كم بطولة حصلت عليها، ولا يفرق معي تقدير الكبار أو الاهتمام الإعلامي، يكفيني نظرة السعادة التي ألمحها في عين رجل بسيط يعيش حياته جامعاً قوت يومه، في شوارع بوينوس أيرس، ويأتي من بعيد لكي يصافحني، وكلمات التقدير التي أسمعها من صغار وكبار المشجعين في أراضي الجنوب الفرنسي في مارسيليا، هذه اللحظات هي ما يجعلني أشعر بالفخر تجاه مشواري مع كرة القدم. إنها لعبة الشعوب، وأجمل لحظة في مسيرة أي لاعب حينما يوقن أنه لاعب الجماهير، ونجم الطبقات المنسية القابعين خلف المرمى". هكذا يتحدث عن مساره الرياضي.

وكما يقول الأديب العالمي، باولو كويلو، السر ليس في بداية أو نهاية الرحلة، بل في جمال وقيمة المشوار، لذلك فإن مكانة النجم الذي سنتحدث عنه اكتسبها من دائرة رحلته مع الساحرة المستديرة، إنه الأوروجواياني الساحر، إنزو فرانشيسكولي، مارادونا السيلستي وأسطورة الركن البعيد من سجلات اللعبة، واللاعب الذي اختاره الجوهرة السوداء، بيليه، ضمن أفضل 125 لاعباً لمسوا الكرة، ويكفي القول إن إنزو هو القدوة والمثل الأعلى لابن الصحراء، زين الدين زيدان.

مشوار طويل

بدأ فرانشيسكولي مسيرته مع كرة القدم في مسقط رأسه، أوروجواي، مع نادي مونتيفيدو وانديريز، وسرعان ما ذاع صيته في الملاعب اللاتينية بعد قيادته الفريق الصغير لمناطحة كبار القارة. أبهر اللاعب الصغير كافة المتابعين بأدائه الراقي ومهارته الفائقة، لا يكتفي بصناعة الأهداف بل يسجلها أيضاً، مع جمعه بين المهارة اللاتينية والذكاء الأوروبي في اللعب، لذلك قام المختصون باللعبة في أوروجواي بتسميته "قائد الأوركسترا الكروية رفيعة المقام".

ومن الأوروجواي إلى الأرجنتين، حيث صناعة المجد الحقيقي على جنبات ملعب المونيمونتال، خطف الريفربليت فرانشيسكولي، لتبدأ أجمل قصة حب بين الفنان والقطب الكروي المعروف. حصل فرانشيسكولي مع الفريق على بطولة الدوري المحلي، ونال بطولة كوبا أميركا في مناسبتين مع منتخب بلاده، ليجمع بين المتعة والإبداع، ويحصل على جائزة أفضل لاعب في أميركا الجنوبية سنة 1984، ليصبح أشهر لاعبي البلاد على الإطلاق خلال تلك الحقبة.

وعلى طريقة الشباب في بلادنا العربية، قرر النجم اللاتيني الهجرة وكسر العزلة لينطلق من أميركا اللاتينية إلى القارة العجوز، ويلعب عدة سنوات في أوروبا بين فرنسا وإيطاليا. تألق إنزو مع راسينج باريس، النادي الذي ضاع مع انتشار المال في فرنسا وأوروبا وسقط إلى درجات أقل بسبب المشاكل الاقتصادية الكبيرة، ثم عاش سنة عظيمة مع مارسيليا ليقود الفريق نحو بطولة الدوري المحلي، بعد تقديمه أداء مثاليّاً وتأثيره الكامل على الكرة في المنطقة الفرنسية.

وبطبيعة الحال، ككل لاعب كرة القدم متألق في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، يجب أن يحترف في إيطاليا، الجنة القديمة لكرة القدم، التي أسرت قلوب وعقول جميع نجوم اللعبة، لذلك لعب مع كالياري ونجحا معاً في مناطحة عمالقة الكالتشو، والتأهل إلى كأس الاتحاد الأوروبي، ليأخذ خطوة أكبر ويذهب إلى تورينو، الفريق العريق بطل كأس إيطاليا وقتها، لكنه لم يتألق بالشكل الكافي وسجل ثلاثة أهداف فقط خلال موسم كامل، ليقرر وبصفة نهائية العودة إلى بيته القديم، ريفربليت والتخلي عن المغامرة الأوروبية.

وكما بدأ كبيراً أنهى مسيرته الكروية بشكل رائع للغاية، ثلاث سنوات من ذهب، حصل مع الفريق الأرجنتيني على كل شيء ممكن، البطولة المحلية، وكأس الليبرتادوريس، والكوبا أميركا مع المنتخب. وعلى الصعيد الفردي، فاز بأفضل لاعب في الأرجنتين ثم أفضل لاعب في أميركا اللاتينية مرة أخرى، ليُعلن قراره الصعب في نهاية عام 1997، ويعتزل اللعبة في قمة عطائه.

الرقم 10

يعتبر إنزو أشهر لاعب كبير غير معروف في التاريخ، نجم لم يحصل على حقه، ولم يُعرف بالشكل الذي يستحقه، رغم أنه قدم كرة قدم مختلفة، وكان بمثابة النابغة الذي سبق عصره ولعب بأسلوب أصبح موضة السنوات الحالية. هو لاعب الوسط المهاجم، الذي يصنع الأهداف ويسجلها، ماهر يجيد التمرير القصير، والكرات الطولية. يعرف كيف يضع المهاجم أمام الشباك، ولا يكتف بذلك بل يتوغل بين الدفاعات ويراوغ الجميع دون رحمة.

كان اللاعب هو صانع الألعاب اللاتيني المثالي، يلعب في العمق لكنه متحرك، تجده على الأطراف وداخل منطقة الجزاء. لاعب لن يتكرر كثيراً وأسلوبه أصبح غير موجود بكثرة في الفترة الأخيرة، هو الـ Big Man أي اللاعب الذي يتواجد أكثر في الثلث الهجومي الأخير أو النصف الثاني من الملعب، ويلعب خلفه دائماً لاعب وسط دفاعي صريح من أجل التغطية العكسية بعرض الملعب.

طريقة 4-4-2 كانت المسيطرة في ذلك الوقت، بعض الفرق تلعب بلاعبي ارتكاز وأمامهما جناحان، وفرق أخرى تعتمد على لاعب جناح وآخر صانع لعب صريح. فرنسا، إيطاليا، هولندا، البرتغال، رباعي المربع الذهبي في يورو 2000 لعبوا جميعاً بنوعية هجومية من صناع اللعب، الذين لا يعودون كثيراً إلى الخلف، وإنزو فرانشيسكولي لديه القماشة التكتيكية نفسها، مع حنكة أكبر في المراوغة واللمسات الساحرة.

زيدان عاشق فرانشيسكولي الأول

عندما تسأل معظم الناس عن إنزو، نجم الأوروجواي، سيقولون لك، أليس هو ذاك اللاعب الذي أعجب به زين الدين زيدان؟ لن يقولوا لك أكثر من ذلك، وذلك لأننا كعادتنا نحب فقط أن نأخذ الظاهر، نعشق المظاهر ومن هواة الانطباع الأول. هو فعلاً القدوة والمثل الأعلى لزيدان، لكنه ليس هذا فقط، بل هو أحد أساطير كرة القدم، وواحد من أعظم نجوم أميركا اللاتينية على مر التاريخ، كما عرفنا من خلال تاريخه ومشواره وطريقة لعبه.

قام زيزو بتسمية ابنه الصغير، إنزو زيدان، تقديرا لأسطورة الكرة الأوروجواياني، وحينما سئل اللاعب الفرنسي حول أمنياته تجاه نجله، أكد بأنه يأمل في مشاهدة الناشئ على خطى نجم كرة القدم في أوروجواي، إنزو فرانشيسكولي، اللاعب الذي تأثر به زيدان كثيراً أثناء فترة الاحتراف في باريس ومارسيليا.

حصل إنزو على بطولة الدوري المحلي مع مارسيليا، وكان وقتها زيدان لاعبا شابا في صفوف نادي كان، وهنا بدأت علاقة الإعجاب بين النجمين، المهارة والتمرير المتقن، صناعة الهدف وتسجيله، إتقان الكرات الثابتة، التركيز أكثر على الشق الهجومي، القيادة داخل الملعب، كلها أمور جمعت بين القائد اللاتيني والنجم الفرنسي ذي الأصول العربية، ومن فرنسا إلى إيطاليا، أيضاً جاء التشابه، فرانشيسكولي إلى كالياري وزيدان إلى يوفنتوس.

ويختم زيزو مقابلة رائعة أجريت معه بعد اعتزاله بكلمة خاصة عن قدوته، إنزو فرانشيسكولي:"لقد لعبت في مختلف أنحاء العالم، شاهدت عمالقة ومبدعين، تنافست مع أساطير المستديرة، لكن لم أر أبداً نجما بقيمة إنزو ومهارته وقدراته. إنه النموذج الحقيقي لكلمة السهل الممتنع في كرة القدم"..

دلالات

المساهمون