ساري حنفي: علماء الاجتماع العرب سيخرجون من القوقعة

ساري حنفي: علماء الاجتماع العرب سيخرجون من القوقعة

01 أكتوبر 2014
يؤمن بأهمية المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية لإسرائيل (حسين بيضون)
+ الخط -

قبل حوالي شهرين، انتخب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، ساري حنفي، نائباً لرئيس "الجمعية الدولية لعلم الاجتماع" لمدة أربع سنوات.

بدأت رحلة حنفي، المتخصص في سوسيولوجيا الهجرة واللاجئين والسوسيولوجيا السياسية والعدالة الانتقالية، لربط العالم العربي بالفضاء العالمي. التقته "العربي الجديد"، وتحدثت معه عن واقع هذا العلم في العالم العربي، وأهمية المنصب الذي تولّاه، وانعكاسه على مجتمعاتنا.

ما أهمية تولّيك منصب نائب رئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع، وتأثير ذلك على العالم العربي؟

يفتقد العالم العربي لأي فضاء إقليمي. من هنا تأتي أهمية ربطه بالعالم. سأعمل على دعم الاندماج الإقليمي ليصبح لدينا مجموعات علمية اجتماعية ناشطة في العالم العربي على صلة بالعالم. وكوني أتولى هذا المنصب المهم، أستطيع تحقيق ذلك. فإخراج الباحث الإعلامي من قوقعته شرط لتطوير البحث العلمي الذي لا ينجح إلا ضمن المجموعة.

كيف تُعرّف علم الاجتماع؟

يدرس علم الاجتماع علاقة وسلوك الناس والأفراد ضمن المجموعات التي تحيط بهم كالأصدقاء والعائلة والجموعات الإثنية، وخصوصاً علاقتهم بالسلطات الأبوية (كالحكومة مثلاً). ويعمل على نجدة الضعيف وتقديم الحلول شرط الابتعاد عن التنظير.

ما هي المشاكل التي يعاني منها الإنتاج المعرفي ـ الاجتماعي في العالم العربي؟

هناك ثلاث مشاكل رئيسية. الأولى تتمثل في فئة علماء الاجتماع الذين لا يهتمون بإنتاج المعرفة المحلية، ويكتفون بإنتاج المعرفة العالمية تحت شعار "أنشر عالمياً وأندثر محليّاً". على عكس الثانية التي تهتم بإنتاج المعرفة المحلية، وهي فئة محدودة، لا يرتبط إنتاجها بتطور علم الاجتماع وترابطه بالقضايا الاجتماعية حول العالم. وهو أمر غير مفيد. أما الفئة الثالثة، فتنتج معرفة ليست محلية ولا عالمية، وتكتفي بالخطاب التبسيطي، وهو لا يختلف عن الخطاب الصحافي الذي يهتم بالتحليل السريع والضروري (كوارث وحوادث سريعة).

هل هناك خصائص للباحث الاجتماعي الناجح؟

يجب عدم حصر دور أو عمل الباحث ضمن أطر محددة. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الباحث مهتماً بمسألة ترفيه الأطفال السوريين اللاجئين. لكن تبدأ المشكلة إذا كان هناك أكثر من 50 باحثاً يعملون في الإطار نفسه أو يلعبون الدور نفسه، فيما ظواهر كثيرة أخرى تحتاج إلى علاج. ويتمثل العامل الثاني في نظرته النقدية للظواهر التي يعالجها.

ما هي مشاكل البحث الاجتماعي في العالم العربي؟

هناك مشكلة في كيفية عمل الباحث الاجتماعي في ظل غياب التفكير الخلاق والمبدع (Critical thinking) في العالم العربي. مشكلة أُخرى تتعلق بالمجموعات الأيديولوجية التي لم تقتنع تاريخيّاً بعلم الاجتماع، وخصوصاً الجماعات الدينية كالمشايخ وخطباء المساجد الذين يعمدون إلى تشريح المجتمع من دون الاستناد إلى أدوات علم الاجتماع. وهذه مشكلة اجتماعية. هكذا ساهمت الدولة والجماعات الأيديولوجية في إلغاء شرعية علم الاجتماع، علماً أن هذا العلم ولد في أجواء مناهضة "للأكليروس" الديني. أما المشكلة الثالثة، فتتمثل في غياب تمويل مشاريع البحث الاجتماعي.

كيف يمكن أن ينعكس التمويل على عمل الباحث الاجتماعي؟

يمكن للتمويل أن يؤثر على توجهات البحث، علماً أن التوجهات لا تتأثر بعامل التمويل وحده.

ما هي المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها العالم العربي؟

تختلف المشاكل الاجتماعية من بلد إلى آخر. فلكلّ منطقة جغرافية خصوصيتها. على سبيل المثال، تقدم الدراسات نظرة موحدة لجماعة الإخوان المسلمين في كل من مصر والأردن وفلسطين والسعودية... لكن يجب الاهتمام بسياق وخصوصيّة كل بلد.

في لبنان، هناك مشكلة الطائفية. ويتهدد الخطر البلاد في ظل استمرار النزاع الطائفي والمذهبي على حاله. أما في مصر، فلم يفكر أحد في الأسباب الرئيسية التي أدت إلى قيام الثورة والعمل على إنتاج نظام اقتصادي جديد غير الذي كان في زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك. وهنا جوهر المشكلة الاقتصادية السياسية في المجتمع، بمعنى أن الشعب لم يطلب الحرية بشكل مجرد، بل حين وجد أن من يحيط به فاسد. لكن رغم المشاكل التي تعاني منها مصر، لا تزال كلمة الشعب المصري مسموعة والثورة مستمرة.

أما في اليمن، فقد خرجت النساء من فقاعاتهن، وواجهن الخط السلفي المعارض لانفتاحهن. بات من الصعب قمع مطالب وحقوق النساء من أزواجهن. وفي هذه الحالة، نجح الحراك الاجتماعي في تحقيق هدفه بفضل الحراك الديناميكي الداخلي.

متى يكون الحراك الاجتماعي خطراً؟

كلمة خطير في هذا السياق تعني الانتقال من ثورة كان العامل الأساسي فيها الحراك الداخلي ليصبح العامل الأساسي فيها خارجي، أي لعبة جيوبوليتكية لم يعد المواطن طرفاً فيها.

كيف يمكن وصف أزمة اللاجئين في لبنان؟

هناكَ هجمة فظيعة على النازح السوري في لبنان، بحجّة الانتقام من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". على سبيل المثال، فإن قرار وزير التربية، إلياس بو صعب، منْع الطلاب السوريين من التعلّم في المدارس الرسمية خطير جداً، علماً أن كثيراً من المدارس الحكومية فارغة. حتى أنه في بعض المناطق، أنقذ الطلاب السوريون بعض المدارس من الإغلاق. تصرفات تبعث رسائل إلى النازحين بأن الحل يكمن في الانضمام إلى "داعش"، وهذا أمر خطير.

ثم إن هناك أسئلة كثيرة لا بد من طرحها. من يقف إلى جانب هؤلاء السوريين؟ هل تعب المانحون؟ عندما يتركز الفقر في مناطق معينة، يصبح لدينا أزمة. الناس في المخيمات الفلسطينية محاصرون داخل سجون كبيرة. تدرك الدولة المشكلة ولا تعالجها. سبب كاف لتفجير أزمة، تداعياتها على المجتمع اللبناني.

كيف تخدم الجمعية الدولية لعلم الاجتماع القضية الفلسطينية؟

أعمل بصمت على توحيد المقاطعة العربية لإسرائيل، انطلاقاً من كوني من مؤسسي حركة المقاطعة. وأؤمن أن ورقة المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية هي إحدى أهم الأوراق لإضعاف الإسرائيلي.

المساهمون