رولا العمرو عادت إلى الحياة أستاذة في الجامعة ورسامة

رولا العمرو عادت إلى الحياة أستاذة في الجامعة ورسامة

20 ديسمبر 2014
في تلك الليلة، تخطاها الموت (ليندا المعايعة)
+ الخط -
الرائد رولا العمرو (34 عاماً) لم تنس ولن تنسى ليلة التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2005. في تلك الليلة، ماتت وعادت إلى الحياة من جديد. الفرق الوحيد أنها صارت عاجزة عن المشي. كانت تحضر حفل زفاف في فندق "الراديسون ساس"، أحد فنادق عمّان التي طالتها سلسلة التفجيرات الإرهابية التي نفذها انتحاريون ينتمون إلى تنظيم "القاعدة". تجدر الإشارة إلى أنه بعد فترة، تم بيع هذا الفندق وصار اسمه "لاندمارك".

تذكر العمرو أن "حفل الزفاف كان جميلاً وأنيقاً. كان الحضور في غاية السعادة. فجأة انتهى كل ذلك، وعمت الفوضى. كان الناس يصرخون وقد تملكهم الخوف". كان الانفجار عنيفاً. حتى اليوم، ما زالت تسمع صدى الدويّ في أذنيها كلّما استذكرت اللحظة. فقوة الانفجار أدت إلى سقوط سقف القاعة على الحاضرين.

بعد الانفجار بساعتين، نُقلت الجثث إلى المستشفيات القريبة للتعرف عليها. بينها، كان هناك جثة مشوهة اختفت ملامحها تماماً. غير أن هوية عسكرية في الحقيبة التي نُقلت مع الجثة، جعلت هاتف عائلة العمرو يرنّ. كان المتصل جهاز الأمن العام الذي أبلغ ذويها أن ابنتهم قتلت في الانفجار، وعليهم الحضور إلى المشرحة للتعرف عليها.

كانت لحظة قاسية على العائلة. ذهب والدها إلى المشرحة بعدما أوكل لأفراد العائلة مهام التحضير للعزاء. تقول العمرو: "عندما حدث الانفجار، وعمّت الفوضى وتدافع الناس، قذفت قوة الانفجار حقيبتي التي كنت أضع فيها هويتي العسكرية نحو فتاة أخرى، كان نصيبها الموت مشوّهة. وحدث الخطأ. لكنني اليوم على قيد الحياة". تشعر الممرضة في الخدمات الطبية الملكية بالسعادة بعدما كتبت لها حياة جديدة، على الرغم من جلوسها على كرسي متحرك منذ ذلك اليوم.

في تلك الليلة، تخطاها الموت. لكن استقرت ثلاث شظايا في جسدها النحيل، وتحديداً في دماغها وظهرها، ما أدى إلى إصابتها بالشلل. لكن الموت اختار ابنة خالتها لينا، التي كانت تبلغ تسعة أعوام من العمر في ذلك الوقت. ما زال الأمر يسبّب الألم لها. تقول: "أخذت ابنة خالتي معي إلى حفل الزفاف. لو كنت أعلم ما سيحدث لما اصطحبتها معي". تتابع بحزن: "لحظة وقوع الانفجار، لم تكن لينا قريبة مني، وعلمت بعدها أنها ماتت".

تلك الليلة، وقبل أن تغيب العمرو عن الوعي، تحسّست جسدها وعرفت أنها لم تمت. ثم غابت عن الوعي ونقلت إلى المستشفى. هناك خضعت لصعقة كهربائية أنعشت قلبها الذي كان متوقفاً. بعدها، وبينما كانت عائلتها تضع اللمسات الأخيرة على تجهيزات الدفن والعزاء، رنّ هاتف منزلهم مرة أخرى، وكان جهاز الأمن العام هو المتصل أيضاً. قال العنصر: "نعتذر، فابنتكم ما زالت على قيد الحياة"، وطلب منهم الحضور إلى المستشفى للاطمئنان عليها.
عمّ الفرح بيت العائلة. ابنتهم لم تمت. لكنهم حزنوا كثيراً حين عرفوا بوضعها الصحي. فقد خاضت رحلة علاج مكثفة استمرت عامين. خلال هذه الفترة، وُضِع جهازٌ للتنفس في رقبتها. كان الأطباء في ذلك الوقت يقولون إن "شفاءها يحتاج إلى معجزة".

حدثت المعجزة وشفيت العمرو، لكنها بقيت أسيرة الكرسي المتحرك الذي أصبح رفيقها الدائم. تقول: "أنا محظوظة بغض النظر عن إصابتي. ما زلت قادرة على التفكير". كانت إصابتها ومعاناتها حافزاً بالنسبة لها. بعد عامين، التحقت بالجامعة مجدداً وحصلت على شهادة ماجستير في التمريض، وتخصّصت في إصابات النخاع الشوكي والشلل الرباعي. انطلقت في مشوار جديد في الحياة، حوّلها من ممرضة في الخدمات الطبية الملكية إلى أستاذة في كلية الأميرة منى للتمريض، وعضواً بالهيئة الخيرة للمصابين العسكرية، وعضواً بالجمعية الأردنية للعناية بإصابات النخاع الشوكي.

دعم عائلتها وأصدقائها، ووقوفهم إلى جانبها، ساعدها كثيراً خلال رحلة علاجها. حتى أن أصدقاءها أنشأوا صفحة على "فيسبوك" لدعمها. أما أولئك الذين يعيشون خارج الأردن، فأرسلوا لها المال لمساعدتها وتحفيزها على الاستمرار في العلاج، بالإضافة إلى الهدايا.
تعيش العمرو اليوم حياة مختلفة. تخرج من منزلها مستعينة بكرسيها المتحرك الذي ألفته. تجلس عليه بعدما تساعدها والدتها على ارتداء ملابسها العسكرية، وتضع على كتفيها رتبتها العسكرية.

بعد إتمام عملها، تتفرغ العمرو لهواية الرسم، وقد أنجزت لوحات عدة تستذكر من خلالها التفجير "الكارثي" كما تسميه. سعت جاهدة لتنظيم معرض للوحاتها في الفندق نفسه، لكن طلبها قوبل بالرفض، الأمر الذي يشعرها بحزن. تتابع: "أعتقد أنه يجب الحديث عن هذه الذكرى الأليمة باستمرار، وإظهار مدى بشاعتها كي لا تتكرر".

المساهمون