مجهولو النسب في الأردن ينتظرون أمهاتهم بـ"الدليل"

مجهولو النسب في الأردن ينتظرون أمهاتهم بـ"الدليل"

20 سبتمبر 2014
لو كانت أمي لا تريدني ما تركت الرسالة (AFP)
+ الخط -

أرام، اسم مستعار، لفتاة أردنية ( 20 عاماً)، عاشت معظم حياتها في دار لرعاية الأطفال الذين لا أهل لهم، لكن قصة أرام مختلفة، حيث عادت والدتها للبحث عنها بعد سنوات من التخلص منها.

كانت أرام في الثالثة من عمرها عندما أودعها خالها دار الرعاية، لتتمكن أمها الأرملة حديثاً، من الزواج مجددا، استجابة لضغوط العائلة، ولم يعرف من تاريخها في الدار غير اسمها الأول الذي ترك معها عند إيداعها.

تزوجت الأم، وعاشت الطفلة في دار الرعاية تعاني من إحساسها الدائم بأن لها عائلة، حسب ما قالت لـ"العربي الجديد". وبعد إقامتها لثلاث سنوات في الدار بدأت والدتها رحلة البحث عنها.

طافت الأم على كثير من دور الرعاية ومراكز إيواء الأيتام، في تحد لامتناع شقيقها عن الكشف عن مكان الدار التي أودعت فيها أرام.

رحلة البحث انتهت بعثور الأم على ابنتها، بعدما قادها الاسم "الدليل" إلى مكان وجودها، وتطابق مع تاريخ إيداعها في الدار.

"شعرت بالفرحة عندما قابلت أمي ثانية"، تقول أرام عن اللحظة التي رأت فيها أمها من جديد. وتتابع:" توقعت أنها جاءت لتأخذني معها، لكن ذلك لم يحدث لأن زوجها كان يرفض وجودي. زارتني أمي وكان على يديها طفل هو شقيقي من زوجها الجديد، ثار سؤال في داخلي: لماذا أنا هنا في الدار وهو مع أمي؟ كنت أحلم أنني سأغادر الدار، لكنها تركتني من جديد وغادرت رغم بكائي وتوسلاتي لها، ليتها لم تأت ولم تجدني".

واصلت أرام حياتها بمفردها وانتقلت بعد تخرجها من دار الرعاية في سن الثامنة عشرة للعيش في منزل رعاية مخصص لليافعات.

وعن حياة رفيقاتها في دور الرعاية، تقول: "ينتظرن الحصول على ملفهن عند بلوغهن سن الرشد، وكذا العلامات التي تركت معهن يوم التخلي عنهن ليبدأن رحلة البحث عن عائلاتهن. أغلبهن لم يفقدن أمل اللقاء، لكنه لقاء لم يتحقق للغالبية العظمى" كما تقول أرام.

ويعيش مجهولو النسب في الأردن ومنتفعو دور الرعاية، ممن تخلت أمهاتهم عنهم، حلم اللقاء بهن مجددا، خاصة من يمتلكون الدليل الذي يمكنهم من البحث عن أمهاتهم عند بلوغهم سن الرشد (18 عاماً)، أو تعرّف أمهاتهم عليهم في حال قرّرن العودة بعد زمن للبحث عن أبنائهن.

و"الدليل" هو العلامة التي تتركها الأمهات مع أطفالهن لحظة التخلي عنهم، سواء بإلقائهم على قارعة الطريق، أو قرب مكبات النفايات، وأمام المساجد والكنائس، وفي بعض الحالات بالقرب من دور الرعاية التي تصبح بيوتهم المستقبلية.

وتوثّق سجلات وزارة التنمية الاجتماعية، العديد من العلامات التي تركت مع الأطفال ليسهل التعرف عليهم في المستقبل. ففي بعض الحالات كانت العلامة حرق في أحد مواضع جسد الطفل، أو سوار يحمل اسم الطفل، وفي حالات أخرى كانت العلامة رسالة غضب على الواقع، أو اعتذار من الطفل ليقرأها عندما يكبر.

وتنصّ قوانين وزارة التنمية الأردنية على أن يحصل مجهول النسب أو المودع في دار الرعاية، على العلامة أو "الدليل" عندما يبلغ سن الثامنة عشرة، وهو السن الذي يخوّله الحصول على ملفّه الذي يحمل تفاصيل حياته بما فيها مكان العثور عليه وتاريخ وصوله إلى الدار.

ورغم وجود "العلامة" فإن سجلات الوزارة لم تسجل سوى عدد محدود من العائدات للبحث عن أبنائهن.

ويبلغ عدد من يتم ايداعهم دور الرعاية 72 حالة سنوياً، وفقاً لإحصائيات وزارة التنمية الاجتماعية، ويتوزعون بين "اللقطاء"، ومجهولي النسب، وأبناء السفاح، ومعروفي الأم مجهولي الأب.

يقول الناطق باسم الوزارة فواز الرطروط لـ"العربي الجديد" إن "من أغرب العلامات التي وجدت مع لقطاء، رسالة قالت فيها الأم احتفظوا يا حكومة بالطفل حتى يتحسن وضعي وأحضر لآخذه"، غير أنه يشير إلى تراجع ظاهرة وجود علامة مع اللقطاء الجدد.

مجهول النسب، علاء الطيبي، الذي يرأس اليوم جمعية "أنا إنسان" للدفاع عن حقوق مجهولي النسب، لازال يأمل بعد 25 عاماً في لقاء والدته من خلال العلامة التي تركتها معه، والتي حصل عليها عند بلوغه الثامنة عشرة.

يقول، وهو الذي عُثر عليه حديث ولادة بالقرب من إحدى الكنائس، إن العلامة كانت رسالة نصها "ليس بيدي إلا تركك وقد تخلى عنك والدك ولا أستطيع تحمل العيش معك في ظل هذا المجتمع وعاداته وسأبقى قريبة منك أراك ولا تراني، لك الله يا أغلى ما أملك".

يقول الطيبي: "لو كانت أمي لا تريدني لما تركت الرسالة معي". وهذا ما يجعله واثقا من كونها موجودة وأنه سيجدها يوما.

دلالات

المساهمون