عصافير القدس

عصافير القدس

24 سبتمبر 2014
المقدسيّون مراقبون طوال الوقت (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

يقطنُ رامي (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر ثماني سنوات، أحد أحياء البلدة القديمة في القدس المحتلة. بيته الصغير الذي بالكاد يتّسع لأفراد العائلة، محاطٌ بمنازل كثيرة استولى عليها المستوطنون. هو وجميع أفراد حيّه مراقبون طوال الوقت. زرع الاحتلال الإسرائيلي الكاميرات في كلّ مكان. يُضاف إلى ذلك انتشار الحراس بين الأزقة لتوفير الحماية للمستوطنين. لكن هؤلاء لا يكتفون بذلك، إذ يعتدون على أهالي البلدة الفلسطينيين في أحيان كثيرة.

لدى رامي ما يقوله عن العصافير. "ليسوا من فئة الطيور التي نستيقظ على زقزقتها صباحاً. هم أولئك الذين يوهمون المعتقل الفلسطيني في سجون الاحتلال بأنهم معتقلون فلسطينيون مثله. يُحشرون في الزنزانة نفسها، ويسألونه عن تهمته وتفاصيل حياته، لاستخدام أقواله وثم إدانته". يضيف، وهو يأكل الحلوى، "في حال تعرضنا للاعتقال، يجب ألا نثق بالعصافير أو نخبرهم بشيء. أمرٌ آخر. يجب عدم الاكتراث لما يقوله المحقق. فحين يخبرك أن في حوزته صوراً لك وأنت ترمي الحجر، أخبره أن هذا ليس أنت. وينتهي الأمر".

خبرة رامي هذه المتعلقة بظروف الاعتقال اكتسبها بعدما اعتقل الاحتلال الإسرائيلي شقيقه سامر (اسم مستعار)، الذي يبلغ من العمر 14 عاماً، مطلع العام الجاري. اتّهم سامر برمي زجاجات حارقة على جنود الاحتلال، وحتى الآن لم يصدر حكم بحقه. لكن من المتوقع أن يُسجن أربعة أشهر على الأقل. يلفت أيضاً إلى أن "شقيقه الذي يبلغ من العمر 10 سنوات فقط، تعرض بدوره للاعتقال بضع ساعات قبل الإفراج عنه".

في قاموس شقيقَي سامر اليوم مصطلحات جديدة اكتسباها بعدما اختبرا الاعتقال. منها "حبس منزلي، لائحة اتهام، محكمة وغيرها". بعض الأطفال الذين لا يعرفون اللغة العبرية أبداً، تعرفوا إلى هذه الكلمات من خلال تجربة الاعتقال التي خاضوها بأنفسهم، أو اختبرها أحد المقربين منهم. هكذا يفرض عليهم الاحتلال تبديل مصطلحاتهم. ضمّ أطفال القدس أموراً كثيرة إلى قاموس طفولتهم، حتى أولئك الذين لم يتجاوزوا العشر سنوات. على سبيل المثال، يدركون الفرق بين المستعربين والمستوطنين والجنود والاستخبارات، وحتى بين أنواع سيارات الاحتلال المختلفة. هذه سيارة لعناصر جهاز الاستخبارات، وتلك لشرطة السير. وذاك جيب عسكري. ولا ينسى الأطفال وجوه من يهدد أمنهم وينكّل بهم. تراهم يحفظون أسماء المحققين ويدخلون في نقاش مع أقرانهم حول المحققين الأكثر سوءاً. الأمر نفسه ينطبق على مراكز الاعتقال. "هل هي المسكوبية أو شرطة البريد، أم القشلة؟".

هكذا خلق واقع المواجهة المستمرة والمباشرة مع جنود الاحتلال وعياً سياسياً مبكراً لدى أطفال المدينة المحتلة. يدرك بعضهم أنه "سلبهم طفولتهم وحمّلهم المسؤولية قبل أن يكونوا أهلاً لها". في المقابل، يرى عدد من أولياء الأمور أن "الوعي المبكر هذا ضروري قبل أن تقع الفأس في الرأس باعتبار أن الجميع مستهدف".

ولا يمكن إغفال الجانب النفسي لدى الطفل المعتقل وأشقائه وأصدقائه، ومدى تأثير ذلك على حياتهم. ويبدو لافتاً لجوء العدد الأكبر من الأطفال إلى "إخفاء مشاعر الخوف، وتقمّص شخصية البطل الذي لا يرهبه بطش الاحتلال، والذي لا تؤثر فيه همجية المحقق والجندي". كما أن البعض يرفضون التحدث إلى أمهاتهم عما حصل معهم في التحقيق، ويفضلون الانعزال والصمت.

وتجدر الإشارة إلى كثرة اعتقال الأطفال في القدس المحتلة في الآونة الأخيرة. وتشير تقديرات محليّة إلى "اعتقال حوالي 250 فلسطينياً ممّن هم دون الثامنة عشرة منذ مطلع يوليو/تموز الماضي، وقد أُفرج عن كثير منهم بكفالات مالية وأحكام بالحبس المنزلي لبضعة أيام".

إسرائيل تُخالف القانون

يُحدّد القانون الإسرائيلي سنّ المسؤولية الجنائية بـ 12 عاماً، مما يعني أنه لا يمكن اعتقال أي طفل دون هذه السن. لكن يبدو أن هذه القوانين موجودة فقط في كتب الحقوقيين وطلاب القانون، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي غالباً ما يخالف القانون، ويعتقل كل من يشعر بأنه قد يهدد أمنه، حتى ولو كان طفلاً لم يتجاوز العاشرة من عمره. ويبدو أن الأطفال اعتادوا الأمر بدورهم.

دلالات