إيران المخمليّة.. سيارات أجنبية فاخرة في شوارع طهران

إيران المخمليّة.. سيارات أجنبية فاخرة في شوارع طهران

23 أكتوبر 2014
السيارات الأجنبيّة الفارهة تجوب شوارع طهران (فرانس برس)
+ الخط -
باتت السيارات الأجنبية الفاخرة تجوب شوارع طهران بشكل طبيعي، وبعدد يتزايد يوماً بعد يوم رغم أسعارها المرتفعة. ورغم أن الحظر الغربي أثّر سلبا على العديد من العائلات الإيرانية، وجعل نحو 31 في المائة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، لكن في المقابل يجوب اليوم شوارع العاصمة عدد كبير من السيارات الأجنبية الفاخرة والتي تحوّل ركوبها بين الشباب الإيراني إلى ظاهرة تشدّ الأنظار.

أصبح ركوب هذا النوع من السيارات ينم عن رفاهية يعيشها البعض، والظاهرة تشد الشباب الإيراني لقيادة تلك السيارات داخل الأحياء الفاخرة التي تقع في شمال وغرب العاصمة. والمثير أن معظم تلك السيارات الفاخرة ليست ملكاً لهؤلاء، فالعدد المحدود من السيارات الذي يدخل السوق الإيرانية، وأسعارها المرتفعة التي لا تتناسب وقدرة عدد كبير من الإيرانيين، وخاصة الشباب، كل هذا لا يمنع البعض من استئجار السيارات الفاخرة واستخدامها للاستعراض. لكن في المقابل، فإن الظاهرة دقت ناقوس الخطر، ونبّهت الحكومة إلى بعض المهرّبين، وإلى بعض التجار الذين "يضرّون" بالسيارات المنتجة المحلية.

ويخطر تساؤل ببال كل غريب يدخل طهران عن كيفية وصول هذه الموديلات من السيارات إلى البلاد القابعة تحت الحظر، بينما في العادة يلجأ الإيرانيون إلى أنواع من السيارات التي تصنع محلياً، وتباع بأسعار جيدة رغم ارتفاعها مؤخرا، إلا أنها لا زالت تؤمن للمواطن الإيراني وسيلة نقل جيدة نسبياً، ويمكنه أن يسدد أقساطها باللجوء للقروض المصرفية عادة.
العقوبات الغربية لم تستهدف قطاع السيارات بحد ذاته، ولكنها منعت تصدير أي قطع ثقيلة تعتبر ذات استخدام مزدوج، خوفا من الاستفادة منها في مجالات عسكرية أو نووية، وهو ما أوقف إدخال قطع غيار السيارات الأجنبية إلى إيران، مما دمّر صناعة وتجارة رائجة، حيث كانت شركات محلية تقوم بتجميع تلك السيارات سابقا في الداخل وتبيعها للمواطنين.

ورغم تأثر استيراد السيارات الأجنبية لمدة طويلة بسبب حظر آخر على قطاعات مالية منعت التحويلات المصرفية إلى البلاد، ولكن تم تجاوز الأزمة والتغلب عليها باستخدام حسابات لأفراد وشركات خاصة. فهؤلاء يسافرون إلى الخارج ويتولون إدخال السيارات الأجنبية إلى البلاد، بتعرفة جمركية عالية، حيث تباع في السوق الإيرانية بشكل طبيعي، رغم كل الموانع التي فرضتها العقوبات. لكن يبقى استيراد السيارات الأميركية هو الأصعب في إيران، بسبب تشدد المسؤولين الحكوميين أنفسهم تجاه الأمر، إلا أن سيارات ألمانية وسويدية ويابانية وإيطالية بموديلات حديثة باتت منتشرة في شوارع كثير من المدن.

وفي الوقت الذي تأثر فيه قطاع تصنيع السيارات محليا بقوة، بسبب عدم دخول قطع الغيار، ومع عدم مراعاة المقاييس الفنية ومعايير السلامة في السيارات المصنعة محليا، كالسيارات من نوع "برايد" و"سايبا" و"بيجو"، إضافة إلى أسعارها التي ارتفعت خلال السنتين الأخيرتين، يجد الإيراني نفسه أمام خيار صعب، فما الذي يمنعه من شراء سيارة أجنبية بالتقسيط رغم سعرها المرتفع مقارنة ببقية البلدان، بدلا من شراء سيارة محلية غير متقنة الصنع أو توفر له وسائل الأمان؟
هذا الأمر حرّض على إدخال المزيد من السيارات الأجنبية عبر أفراد وبرضا الحكومة، مما يسمح بعد ذلك بدخول سيارات أكثر فخامة، سيصبح وجودها في شوارع طهران مع الوقت أمراً طبيعياً.

في ذات السياق، يشير مركز الجمارك الرسمي في إيران إلى دخول 34 ألف سيارة أجنبية بقيمة 650 مليون دولار، خلال الأشهر الأولى من العام الجاري فقط. هذه الأرقام جعلت بعض المسؤولين يتنبهون مؤخرا لأمر آخر، حيث تدرس الحكومة التشديد على الموردين الذين يستغلون هذه الظروف، بعدما باتت تجارتهم تعقد الوضع أكثر، وتؤثر سلبا على الصناعة المحلية. بل إن زيادة الطلب باتت تساهم في رفع أسعار السيارات المحلية والأجنبية على حد سواء، وهو ما ينعكس على كل الأمور المعيشية الأخرى، ويؤثر سلبا على مواطني الطبقة الفقيرة والمتوسطة.

بعض المحافظين ركزوا على نقطة أخرى، هي أن التجار الإيرانيين وبعض أفراد المجتمع الإيراني بإقبالهم هذا، الذي بات يشجع على تجارة السيارات، يفيدون الطرف الغربي، ويشترون سياراته، ويعودون عليه بفوائد، مقابل أنه يتعامل معهم بطريقة عدائية، ويفرض الحظر على بلادهم ويهدد مختلف القطاعات فيها.
فجأة أصبحت المعادلة سيفا ذا حدين: أحدهما هو انتشار الترف الظاهري رغم الوضع الاقتصادي المتردّي، والآخر هو التبعات السلبية على الاقتصاد والمجتمع في آن واحد.
وقال النائب في البرلمان نادر قاضي بور إن فتح المجال أمام هذه السيارات المستوردة من الخارج إلى هذا الحد، هو إهانة كبيرة للبلاد، فزادت موجة الاعتراضات، إلى أن بدأت الحكومة بتطبيق إجراءات حقيقية. وأعلن وزير الاقتصاد علي طيب نيا أنه تم منع إدخال أي سيارات تبلغ سعة محركها أكثر من 2500 سي سي، مشيرا إلى أن وجود أي سيارات من هذا النوع سيكون غير قانوني في البلاد.

ونشطت قوى الأمن في البلاد أيضا، فكشفت أوراقا أخرى، إذ أعلنت الشرطة الإيرانية مؤخرا عن القبض على عصابة في أصفهان وسط البلاد تقوم بتهريب السيارات من الخارج وتدخلها للبلاد على أنها سيارات ستعبر فقط من الأراضي الإيرانية، ومن ثم تؤمن غطاء لبيعها.
ولم توجه الاتهامات لهم فقط بالتهريب، وإنما ببيع هذه السيارات التي يندر وجودها في إيران بأسعار خيالية، حيث تبلغ أسعار كل سيارة منها ما يقارب نصف مليون دولار، بينما سعرها الحقيقي أقل من هذا بكثير.
وقال رئيس الشرطة في أصفهان عبد الرضا أقا خاني لوكالة أنباء "مهر" الإيرانية، إنه كان لدى هذه العصابة أربع وعشرون سيارة تنوي إدخالها وبيعها بذات الطريقة قبل القبض عليها.
كل هذه المعلومات تفيد بأن خلف الظاهرة أبعادا أخرى. فهذا العدد الكبير لا ينم عن رفاهية يعيشها المجتمع الإيراني، بقدر ما يظهر وجود مشكلات أخرى، فليس كل من ركب هذه السيارات يعني أنه صاحبها. ولكن الظاهرة التي ساقت الشباب نحو هذا النوع من السيارات، ازدادت بشكل كبير، مما أدى إلى ضغوط أخرى تتحملها إيران حكومة وشعبا، بينها ضغوط اقتصادية وأخرى أمنية، إلى جانب الضغوط الاجتماعية.