قصص القتل صنيعة طائرات النظام

قصص القتل صنيعة طائرات النظام

29 نوفمبر 2014
قد تستهدفهم طائرات النظام في أية لحظة (فرانس برس)
+ الخط -

قصص اللجوء السوري كثيرة ومتشابهة. أحداثها عبارة عن تشرّد وجوع وعطش وبرد وذل. لكن قبل كل ذلك، هناك الموت الذي قادهم إلى هذا المصير. صار اللجوء خياراً وحيداً وأخيراً، وربما أهون الشرين. بات نادر (7 سنوات) طفلاً لاجئاً. ترك حي السكري في مدينة حلب قبل نحو شهرين، لينتقل إلى الإقامة عند خاله في مدينة أنطاكيا، جنوبي تركيا. كانت الفترة الأولى في مدرسته الجديدة صعبة جداً. لا يعرف أحداً فيها. خسر أصدقاءه. لكن كل هذا ليس مهماً. هناك ما هو أكثر صعوبة. فنادر هو أحد ضحايا قصص الموت، بعدما فقد جميع أفراد عائلته بسبب البراميل المتفجرة، التي استهدفت حيهم السكني.

حالُ نادر هو حال عشرات آلاف السوريّين، الذين فقدوا أهلهم أو أقاربهم، نتيجة قصف طائرات النظام السوري الأحياء السكنية في المدن والبلدات، التي خرجت عن سيطرته لصالح قوات المعارضة. القصفُ لم يطل منطقة دون أخرى، بل استهدف مدناً كثيرة على نحو عشوائي. من حلب أكبر مدن البلاد في الشمال، إلى مدن دوما ودرعا (جنوب البلاد)، وليس انتهاء بمدن حمص وسراقب وبنش في ريف إدلب، وغيرها.

مجازر

القصف العشوائي للأحياء السكنية في المدن والبلدات، الخارجة عن سيطرة النظام، أدى إلى مقتل آلاف السوريين حتى الآن، أثناء تواجدهم في بيوتهم أو مدارسهم أو الأسواق التجارية. تحوّل هؤلاء إلى أرقام لـ "مجازر" صُنّفت كبيرة، بحسب عدد القتلى. بدا النظام مصراً على استهداف المدنيين. طائراته ترمي حممها فوق التجمعات السكنية والمراكز الحيوية.

في بداية شهر مايو/أيار الماضي، استهدفت طائرات النظام سوقي الخضرة والألبسة في حي الهلّك شمالي مدينة حلب بست قنابل برميلية، ما أدى، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إلى مقتل 76 شخصاً، بينهم 23 طفلاً و7 نساء، بالإضافة إلى جرح ما لا يقل عن سبعين آخرين.

وكانت الشبكة السورية قد وثقت مقتل 949 مواطناً خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان فقط، نتيجة القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة، سقط أكثر من نصفهم في حلب وحدها. وكان للأطفال والنساء حصة كبيرة من هذا الموت، بنسبة فاقت 40 في المائة. ويحكي الناشط، براء العربيني، لـ "العربي الجديد"، عن طبيعة القصف الذي يستهدف مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية، التي تسيطر عليها المعارضة السورية منذ أكثر من عامين. يقول: "تقصف طائرات النظام المدن والبلدات بشكل شبه يومي، ما يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى. وكثيراً ما يؤدي القصف إلى حدوث مجازر، على غرار مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً في مدينة عربين في العاشر من الشهر الجاري، نتيجة استهداف الطائرات سوقاً شعبياً مكتظاً بالباعة والزبائن وقت الظهيرة".

يتابع براء: "كثيرة هي المجازر، التي تشهدها منطقة غوطة دمشق بسبب القصف، خصوصاً مدن دوما وكفربطنا وحمورية وحرستا وزملكا، وهي ناتجة بمعظمها عن استهداف طائرات النظام الأسواق والمرافق الحيوية كالمدارس والأفران".

وتجدر الإشارة إلى أنه خلال عشرة أيام فقط من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أدى قصف طائرات النظام مدينة دوما وحدها إلى سقوط أكثر من مائة وخمسين قتيلاً.

هرب

لم يترك القصف المستمر والعشوائي للأحياء السكنية في المدن والبلدات، التي تسيطر عليها المعارضة السورية في جميع مناطق البلاد، من درعا جنوباً إلى حلب شمالاً، خياراً للأهالي إلا مغادرة بيوتهم. لم يرغبوا في ملاقاة مصيرهم بالموت الذي لاقاه أقاربهم وجيرانهم.
وباتت مدن كثيرة شبه فارغة من سكانها بفعل القصف المستمر من قبل قوات النظام. ويوضح عضو المجلس المحلي في داريا (أكبر مدن غوطة دمشق الغربية)، وائل عبد العزيز، أن "استهداف طائرات النظام السوري أحياء مدينة داريا السكنية أدى إلى مقتل المئات من سكانها. ومع زيادة وتيرة القصف بالبراميل المتفجرة على أحياء المدينة، أجبر من تبقى من سكانها على النزوح نحو بلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا القريبتين، وبلدتي جديدة عرطوز والكسوة في غوطة دمشق الغربية. وتعد جميع هذه المناطق أكثر هدوءاً من مدينة داريا، ولا تتعرض للقصف اليومي".

يتابع وائل: "لم يتبقّ في مدينة داريا إلا عدد بسيط من سكانها، لا يتجاوز 5 آلاف، ممن آثروا البقاء في المدينة، التي تسيطر عليها قوات المعارضة، خصوصاً أنها ما زالت تدافع عن المدينة، وتتصدى لهجمات قوات النظام شبه اليومية عليها". هكذا تصطادُ طائرات النظام مواطنيها يوماً بعد يوم.