الحجر المنزلي يضع العالم أمام أكبر تحدٍ نفسي

الحجر المنزلي يضع العالم أمام أكبر تحدٍ نفسي

17 ابريل 2020
آثار نفسية مدمّرة وسلبيّة للحجر المنزلي (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
"العالم اليوم أمام أكبر اختبار نفسي على الإطلاق، في ظلّ وجود نحو 2.6 مليار شخص يعيشون في حالة من العزلة والحجر المنزلي، نتيجة تفشّي فيروس كورونا". هذه الأزمة الصحيّة ستظهر تداعياتها النفسيّة على العديد من السكّان بعد مرور ما يقارب الثلاثة إلى ستة أشهر، من انتهاء فترة الحجر. هذا ما بيّنه تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان: "الإغلاق هو أكبر تجربة نفسية للعالم... وسندفع الثمن".

وبحسب التقرير، فإنّ سكّان العالم سيواجهون العديد من المشاكل النفسيّة المتعلّقة بالغضب، القلق، وغيرها، بسبب عزلهم في المنازل. وأشار إلى أنه لا يمكن الخروج من هذه الحالة النفسية إلّا من خلال اهتمام السلطات المحلّية بالدّعم النفسي للسكّان خلال الأزمات، وليس الاكتفاء بمعالجتها بعد الكوارث.

في منتصف التسعينيات، كانت فرنسا من أوائل الدول في العالم التي تبنّت نهجًا ثوريًا لمراقبة الآثار النفسية على المواطنين في أعقاب الهجمات والكوارث الإرهابية، فقد عمدت إلى إنشاء وحدات ميدانيّة للعلاج النفسي، أو خليّة طبية لأطباء نفسيين، إلى جانب بناء المستشفيات الميدانية والمراكز الصحية.

وقد لجأت فرنسا قبل 20 عاماً، إلى اعتماد هذه الوحدات النفسيّة، إلى جانب المستشفيات الميدانية، بحيث ينتقل المريض أو المصاب من وحدة العلاج الطبّي إلى وحدة العلاج النفسي، وخاصّة أنّ الهجمات الإرهابية في حينها أثّرت على نفسيّة المرضى.

أمّا اليوم ومع انتشار وباء كورونا حول العالم، تسعى الدول إلى الإسراع في بناء المستشفيات الميدانية، لكنها لا تسعى إلى بناء وحدات للدعم النفسي، لمعالجة الآثار المدمّرة للجائحة على الناس، سواء كان من خلال العزل المنزلي، أو من خلال فقدان الأحبّة، الأمر الذي يُنذر بكارثة نفسية بعد انتهاء فترة العزل.

التأثير النفسي

 في أواخر فبراير/ شباط 2020، وقبل أن تفرض الدول الأوروبية أشكالًا مختلفة من عمليات الإغلاق، نشرت مجلة The Lancet الطبية مراجعة لـ24 دراسة توثّق التأثير النفسي للحجر الصحي.

ووفق تقرير نشرته المجلة تحت عنوان: "الأثر النفسي للحجر الصحي وكيفية الحدّ منه"، فإنّ الأبحاث تؤكّد الآثار النفسية المدمّرة والسلبية، بما في ذلك أعراض الإجهاد بعد الصدمة والارتباك والغضب، للعزل المنزلي. وستزداد حدّة الضغوطات كلّما طالت فترة الحجر الصحّي، والمخاوف من العدوى والإحباط والملل، وعدم كفاية الإمدادات والخسارة المالية.

واقترح الباحثون، للحدّ من الآثار السلبية على الصحّة النفسية، ضرورة قيام الأطباء وخبراء الصحة والمسؤولين ببعض الخطوات العملية لتخفيف آثار الحجر، منها مناقشة فكرة العزل مع الجمهور، وتقديم أسباب منطقية واضحة للحجر الصحي بالإضافة إلى معلومات حول البروتوكولات وعدم إطالة فترة الحجر بشكل غير منطقي، وتوفير الضروريات (العامة والطبية).

ووفق المجلة، فإنه من المرجح أن يصاب الأشخاص الذين تمّ عزلهم بمجموعة واسعة من أعراض الإجهاد والاضطراب النفسي، بما في ذلك انخفاض المزاج والأرق والضغط والقلق والغضب والإرهاق العاطفي والاكتئاب والتوتر.

ففي الصين على سبيل المثال، تمّ بالفعل الإبلاغ عن هذه الآثار في الأوراق البحثيّة الأولى حول الإغلاق، ولم تتمّ المعالجة النفسية المرجوة.

كما تشير أبحاث مجلة The lancet الطبية، إلى أنّه في الحالات التي تمّ فيها عزل الوالدين مع الأطفال، فإنّ ما لا يقلّ عن 28% من الآباء المعزولين يعانون من "اضطراب الصحّة العقلية المرتبط بالصدمات"، كما تبيّن أنّ نحو 10% من موظّفي المستشفى المعزولين يعانون من "أعراض اكتئاب عالية". وجدت دراسة حول الآثار طويلة المدى لحجر العاملين في مجال الرعاية الصحية، أنّ العاملين في بعض المستشفيات تجنّبوا الاتصال الوثيق مع المرضى، عن طريق عدم الحضور للعمل، بعد انتهاء وباء سارس عام 2003، ما يشير إلى إمكانية تكرار السيناريو مع كورونا.

ووفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، لم يتمكّن الكثير من الموظفين، والعاملين في مجال الرعاية الصحية في فترات الأزمات، من العودة إلى العمل بسبب الخوف وارتفاع نسب الغضب واليأس.

ارتفاع نسب الغضب

أجرى منتدى الاقتصاد العالمي، قبل فترة الإغلاق مباشرة، مسحاً مرجعياً لعيّنة من السكّان البلجيكيين، تراوح أعمارهم بين 18 و65 عاماً. وتبيّن بنتيجة المسح أنّ 32% من السكّان يتمتّعون بمرونة عالية وصحّة نفسية جيدة، ولا يعانون من أيّ عوارض للغضب والقلق بسبب الفيروس، فيما نحو 15% أشاروا إلى خوفهم من الفيروس. بعد مرور أسبوعين من الإغلاق، تبدّلت النسب المئوية، حيث انخفضت نسبة السكّان الذين يتمتّعون بمرونة وصحّة نفسية إلى 25%، وارتفعت نسبة القلق إلى 23%.

ووفق المنتدى، فإنّ الفئات المعرّضة لمشاكل في الصحّة النفسيّة على المدى الطويل، هم العاملون في مجال الرعاية الصحية، الذين هم على خطّ المواجهة، والشباب تحت سن 30 والأطفال، والمسنّون، الذين هم الأكثر عرضة للخطر بسبب الفيروس.

الحلول ممكنة؟

ماذا يمكن للحكومات والمنظمات غير الحكومية فعله لتخفيف آثار هذه الكارثة النفسية التي ستعصف بسكان العالم؟

يشير تقرير المنتدى إلى أنّ هناك إجماعاً واسعاً بين الأكاديميين حول ضرورة إيلاء الاهتمام للرعاية النفسية بعد الكوارث والحوادث الكبرى، إضافة إلى ضرورة إنشاء وحدات للمعالجة النفسية خلال فترة الأزمات، وتنفيذ الإجراءات التالية:

- التأكد من وجود مساعدات نفسية فعّالة وسريعة تلبّي احتياجات مجموعات كبيرة من السكّان المتضررين.

- تثقيف الناس حول الأثر النفسي المتوقّع وردود الفعل تجاه الصدمة.

- إطلاق موقع إلكتروني محدّد لمعالجة القضايا النفسية والاجتماعية، إذ تمّ أخيراً، على سبيل المثال، إطلاق تطبيق Everyone OK في بلجيكا، لتقديم المساعدة للسكّان المتضرّرين.

المساهمون