ليبيات يلتحقن بسوق العمل لإعالة أسرهن

ليبيات يلتحقن بسوق العمل لإعالة أسرهن

01 سبتمبر 2019
يطهين الطعام معاً (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تضطرّ نساء ليبيات إلى الالتحاق بسوق العمل من أجل إعالة أسرهن في ظل أزمة السيولة النقدية في البلاد، على الرغم من التقاليد التي لم تعتد خروج المرأة من البيت، وهو ما قد ينعكس إيجاباً على النساء وعائلاتهن والاقتصاد

تشترك زكية. ع وجاراتها الثلاث في إدارة عمل منزلي خاص تروّج له من خلال صفحتها الخاصة على موقع "فيسبوك"، بينما يشترك أولاد الجارات الأربع في خدمة التوصيل إلى المنازل أو المناسبات. وتقول زكية إنها اضطرت إلى البحث عن مصدر رزق آخر، إضافة إلى كونها معلّمة في مدرسة الإشراق في حي أبو سليم، لتوفير السيولة النقدية لأسرتها. تضيف: "زوجي يعمل بسيارته الخاصة لنقل التلاميذ، وأنا أقدّم له العون لإعالة الأسرة"، مشيرة إلى أن "زوجي لا يتقاضى راتبه منذ أربعة أشهر، وراتبي لم يعد يكفي. وفي ظل ظروف العائلات الصعبة، اقترحت على جاراتي العمل في إعداد المرطبات والحلويات المنزلية للمناسبات".




وتُعاني ليبيا نقصاً حاداً في السيولة النقدية منذ عام 2015، في وقت تعزو سلطات البنك المركزي أسباب غياب السيولة إلى انعدام ثقة المواطن في المصارف وإحجامه عن إيداع أمواله فيها، إضافة إلى تردي العامل الأمني الذي أجبر الكثير من فروع المصارف على الإغلاق. كما أن المصرف المركزي يعاني انقساماً في إدارته بين حكومتي طرابلس وشرق البلاد.

وعلى الرغم من البدائل التي طرحها البنك المركزي، والتي باتت جزءاً من حياة المواطن الليبي، كالتعامل بالصكوك المصدقة والبطاقات الإلكترونية، إلا أن معظم المصارف ما زالت، ومنذ عام 2015، تشهد طوابير طويلة أمام فروعها.

وتقول زكية إن البدائل المطروحة حلّت المشكلة جزئياً. لكن الكثير من العائلات تطالب بتوفير سيولة نقدية، مشيرة إلى أن "الاحتياجات اليومية، وعلى الرغم من كونها قليلة، إلا أنها تؤدي إلى تراكم المبالغ المالية".

وتلجأ غالبيّة ربات البيوت إلى مهن أو حرف يدوية مختلفة تمكنهن من إنتاج ما يحتاج إليه المجتمع المحيط، لا سيما المتعلقة بالمناسبات كالأفراح. ويحقق بيعها دخلاً موازياً يغطي جزءاً من دخل العائلة في ظل عدم قدرتها على الاستفادة من حساباتها المصرفية.

وسيلة القماطي، وهي ربة منزل، تعمل برفقة بناتها في إعداد الهدايا والعلب الخاصة بها. زوجها الذي يدير محل قرطاسية وأدوات مكتبية يوفر لها متطلبات عملها كالأوراق السميكة وأشرطة الزينة والغراء والمقصات والأقلام وغيرها. تضيف: "قضيت وقتاً طويلاً برفقة بناتي لتعلّم هذه المهنة عبر الإنترنت". وتوضح أن "معرفة إحدى بناتها بالبيع عبر الإنترنت مكنتها من إدارة عملها بنجاح". وتقول: "نجني أكثر من الموظف، واستطعنا تعويض نقص السيولة الذي عانيناه على مدى أشهر".

وخلال سنوات أزمة السيولة، تناقل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من الصور والفيديوهات التي تظهر نساء يجلسن قرب المصارف في انتظار فتح الأبواب لصرف الرواتب، وسط ازدحام ومشادات كلامية وتدافع".

وتعدّ حادثة وفاة المواطن محمد الشريفي أمام أحد المصارف في مدينة أجدابيا في أغسطس/ آب من العام الماضي، من أشهر حوادث طوابير المصارف. في ذلك اليوم، ترك الناس طوابيرهم وهرعوا لإسعافه بعد إصابته بجلطة.

وسعت العديد من الناشطات إلى إطلاق حملة احتجاج ضد الحكومات لحل أزمة السيولة. وخلال نهاية العام الماضي، أعلنت الناشطة خديجة العمامي عن حملة احتجاج ضد حكومات البلاد. وقالت إنها أطلقت نموذجاً إلكترونياً يسجل فيه كل من يرغب في الانضمام للحملة ورفع دعوى قضائية ضد المصرف المركزي كونه الضامن لفروع المصارف، مؤكدة أنه بلغ عدد منظمي الحملة 1650 شخصاً، إلا أنها باءت بالفشل في ظل التردي السياسي في البلاد.

وتقول زكية: "أعتقد أن أزمتنا أكبر من إمكاناتنا. فقد شهدت خلال وقوفي في أحد طوابير المصارف مسلحي المليشيات المكلفين بترتيب الصفوف وحماية المصارف وهم يهددون الناس بالسلاح"، لافتة إلى أن الهلع والخوف من أسلحة المليشيات وتهديداتهم من أسباب لجوئها للعمل المنزلي.

نادية حراقه الموظفة في قطاع السياحة، حرمت من راتبها منذ إبريل/ نيسان الماضي بسبب نزوحها من منطقة قصر بن غشير (جنوب طرابلس)، والتي تعد ساحة حرب في الوقت الحالي. وتقول إن "المصرف المركزي وفر للنازحين حلولاً عبر السحب من فروع مصارف أخرى، إذ إن مصارفنا في مناطق الحرب مقفلة، لكنه حل زاد من أزمتنا". تضيف أن "الفروع التي استقبلتنا لا تكفي بسبب شدة الازدحام، ما اضطرني للإحجام عن الذهاب إليها. ما من معيل بعد زوجي الذي يعاني أمراضاً تجعله غير قادر على مرافقتي". وبحكم درايتها بوسائل التعليم، لجأت نادية إلى العمل كمدرسة خاصة. وتقول: "اعتدت على تدريس أطفالي واكتسبت بعض المهارات. لذلك، خصصت غرفة في بيتي لاستقبال الأطفال وإعطائهم دروس تقوية صيفية"، مشيرة إلى الاستفادة مالياً من أعمال مرافقة للعملية التعليمية، مثل إعداد كرّاسات الأطفال وتزيينها في مقابل مبالغ مالية وإن كانت قليلة. وتؤكد نادية أنه على الرغم من حصولها على مساعدات من جمعيات خيرية لتوفير بدل للسكن، إلّا أنها تُكافح من أجل توفير المال لأسرتها.




من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية مروى ساطي أن الأزمات المعيشيّة التي دفعت النساء إلى ميدان العمل يمكن أن تكون إيجابية. وتقول إن "المجتمع الليبي محافظ بحكم العادات، وإن تغير نسبياً، وسمح للمرأة بخوض مجالات معينة"، مشيرة إلى أن ذلك يمكن أن يساهم في تغيير الكثير من العادات. وتتحدّث عن جوانب تتعلق باقتحام المرأة مجالات جديدة في ظل استمرار الأزمة، وزيادة شعور بالمسؤولية والتغيير المنتظر لمفهوم ربة البيت السائد في المجتمع". وتقول: "أعتقد أن الأزمة، وإن كان لها جانب سيئ، إلّا أن آثارها يمكن أن يترتب عليها نتائج أخرى، منها اتساع هامش الحرية المالية لدى المرأة واحتكاكها بجوانب جديدة في الحياة". وتشير إلى أن المرأة اضطرت للعمل خارج البيت بسبب الأزمة، وعملت في مكاتب الاستقبال في الشركات الخاصة والعيادات الطبية، ويمكن أن يكون هذا إيجابياً على الرغم من الأزمة.

المساهمون