معاناة الركبان تتفاقم وسط الحصار

معاناة الركبان تتفاقم وسط الحصار

12 يونيو 2019
خلف ذلك الشريط الشائك نحو 29 ألف نازح (Getty)
+ الخط -

مرّ عيد الفطر على مخيّم الركبان مثلما مرّت أيام شهر رمضان قبله، كأيّ يوم آخر. النازحون السوريون فيه لم يفكّروا في أيّ من المظاهر التي عهدوها في بلداتهم ومدنهم قبل تهجيرهم منها. وتتكرّر تفاصيل يومياتهم ذاتها.

يمضي آلاف المدنيين في مخيّم الركبان، على الحدود السورية الأردنية، في محاولاتهم للصمود في وجه ضغوط النظام السوري والروس وكذلك المجتمع الدولي الصامت عن سياسة الحصار والتجويع. هؤلاء لا يرغبون في العودة إلى مناطق النظام والعيش تحت سطوته. إبراهيم العسال من النازحين السوريين الذين لجأوا إلى ذلك المخيّم، لا يتردد في التحدّث إلى "العربي الجديد" من أمام غرف من الطين تؤويه وإلى جانبه ابنه محمد الذي لم يكمل عامه التاسع بعد. يخبر وهو يتصبب عرقاً تحت الشمس الحارقة، أنّه عاد من السوق قبل قليل بعدما تجوّل فيه مرّات عدّة. يضيف: "كنت آمل بأن أجلب معي بعض الخضروات التي حُرمنا منها لأسابيع، لكنّني صُعقت بأسعارها المرتفعة. سعر الكيلوغرام الواحد من أيّ صنف لا يقلّ عن 900 ليرة سورية (نحو 1.6 دولار أميركي)". ويتابع أنّه "هناك، رحت أحسب كم ربطة خبز (كيس يحوي عدد من الأرغفة) يمكنني أن أشتري بمثل ثمن كيلوغرام واحد من الخيار أو الطماطم أو غيرهما. فوجدت أنّني قد أحصل على أربع ربطات من الخبز، أي ما يكفينا على مدى أربعة أيام. في النهاية، عدلت عن الأمر واشتريت ربطة خبز وعدت أدراجي".

ويقول العسال إنّ "وجبة هذا اليوم هي ذاتها التي نتناولها منذ أيام... برغل مطبوخ مع ربّ البندورة (معجون الطماطم). ليس بمقدوري توفير أكثر من ذلك". ويوضح أنّه يعيش وعائلته المؤلفة من أربعة أفراد على "المعونة المادية" التي يرسلها له أخوه اللاجئ إلى إحدى الدول الأوروبية. ويشير العسال إلى أنّه "عندما لجأنا إلى المخيّم، كان محمد بالكاد يمشي خطوات عدّة. وهو لم يتذوّق بعد فرحة العيد، فلا ساحة للعيد في المخيّم ولا مراجيح ولا حلويات. كذلك لم أتمكّن من شراء جلابية جديدة له بالمناسبة مثلما وعدته، لكنّني صنعت له كرة جديدة من أكياس النايلون والخرق البالية".




من جهتها، تخبر أمّ خالد "العربي الجديد" كيف أنّها أسرعت لتخبر زوجها أنّ ثمّة خضروات وصلت إلى سوق المخيّم. تضيف: "تفقّد ما تبقى في جيبه من نقود، فوجد ثلاثة آلاف ليرة (نحو 5.7 دولارات)، وتوّجهنا إلى السوق. والده كان قد وعده بأن يرسل له المال قريباً، ورحنا نتحدّث في طريقنا عن ما نريد شراءه... بعضاً من البطاطا والطماطم والخيار والفاصولياء والباذنجان، من دون أن ننسى التفاح للأطفال. هم ذكّرونا به ونحن نهمّ بالخروج". وتتابع أمّ خالد: "شعرنا بفرحة غريبة ونحن ننظر إلى الخضروات والفواكه في السوق، فقد مللنا البرغل والأرزّ. جمعنا ما نريده ولم ننسَ التفاح. لكنّنا انتظرنا معرفة مجموع حسابنا لنرى كم كيلوغراماً من التفاح نجلب. راح البائع يزين ما عبأناه في الأكياس ويسجّل الأسعار على ورقة أمامه، قبل أن يتوجّه إلينا قائلاً: اعطيني حبّة بطاطا صغيرة ليصير الحساب سبعة آلاف ليرة (نحو 13.5 دولاراً)". تتوقّف أمّ خالد قليلاً قبل أن تقول: "كم تمنّينا لو تنشقّ الأرض وتبتلعنا. وقرّرنا أن نخبر الأولاد أنّنا لم نجد تفاحاً ولا حتى خضروات، ثمّ اغتنمنا انشغال البائع فتركنا الأكياس وعدنا أدراجنا".

أمّا أمّ شاهر محمد، فتقول لـ"العربي الجديد": "لا أريد خضروات ولا فواكه. أريد فقط علبة حليب لطفلي، فأنا لم أعد قادرة على إرضاعه طبيعياً. حليبي جفّ بسبب التغذية السيئة". تضيف: "أخشى اليوم أن أفقد ولدي، فهو يخسر قليلاً من وزنه في كلّ يوم"، متسائلة ودموعها تنهمر: "ما ذنب هذا الطفل حتى يجوع؟".

في السياق، يقول الناشط في مخيّم الركبان، عمر الحمصي، لـ"العربي الجديد" إنّ "المواد الغذائية تصل إلينا عبر بعض المهرّبين، إنّما بأسعار مرتفعة جداً. وهذا الأمر ينطبق على الخضروات والطحين والسكر وغيرها". يضيف: "أستغرب كيف يشتري أشخاص أوضاعهم المادية مقبولة نصف كيلوغرام من هذا النوع ونصفاً آخر من نوع ثانٍ لعائلة مؤلّفة من 10 أشخاص مثلاً"، لافتاً إلى أنّ "سكّان المخيّم يتمنّون لو أنّ تلك الخضروات لم تأتِ".

ويوضح الحمصي أنّه "في خلال شهر رمضان الذي انقضى، كانت وجبة الإفطار لدى أهل المخيّم بمعظمهم، تتكوّن من الأرزّ أو البرغل مع المرقة، وقلّة منهم كانت تشتري الخضر مرّة أو مرّتَين في الأسبوع بحسب قدرتها المالية. أمّا اللحم، فلم تستضفه موائد معظم النازحين في رمضان، لا سيّما أنّ سعر الكيلوغرام الواحد منه 4500 ليرة (نحو 8.7 دولارات)". ويشير إلى أنّ "الناس يفاضلون في خلال تسوّقهم بين ما يشترونه. فبدلاً من أن يشتروا كيلوغرام الطماطم بـ 900 ليرة (نحو 1.6 دولار) مثلاً، يختارون ربّ البندورة وسعر الكيلوغرام الواحد منه 800 ليرة (نحو 1.5 دولار) يكفيهم لتحضير المرقة على مدى ثلاثة أيام".




من جهة أخرى، يؤكد الحمصي أنّه "لم يُسجّل أيّ خروج جماعي من المخيّم منذ نحو ثلاثة أسابيع، بل ثمّة حالات فردية فقط. أمّا الباقون في المخيّم فيأملون فتح طريق إلى الشمال أو إدخال المواد الغذائية بأسعار منطقية". تجدر الإشارة إلى أنّ الأمم المتحدة كانت قد قدّرت في آخر تقاريرها عدد المدنيين الباقين في مخيّم الركبان بنحو 29 ألف شخص.