أميركا... تجارة بالبشر بعد 153 عاماً من تحرير العبيد

أميركا... تجارة بالبشر بعد 153 عاماً من تحرير العبيد

سهى أبو شقرا

avata
سهى أبو شقرا
19 يونيو 2018
+ الخط -

قبل 153 عاماً أدرج الإعلان الرسمي لتحرير "العبيد" في الدستور الأميركي، وبالتحديد يوم 19 يونيو/ حزيران 1865. وعلى مدى أكثر من 400 عام منذ بدء استقدام "العبيد" إلى القارة الأميركية حتى اليوم، تغيرت العبودية في الشكل. من كان يُجبر على الإبحار إلى أميركا مقيداً بالسلاسل، صار يدخلها تهريباً وتسللاً وتزويراً وتتحكم به سوق العبودية السوداء.

العبودية القديمة المعروفة بتجارة الرقيق، صارت عبودية حديثة تسمى الاتجار بالبشر. ومثلما كان تشغيل "العبيد" الأفارقة بالسخرة والاستغلال طوال أربعة قرون في الزراعة أولاً ثم الحرف، المحرك الأساس لعجلة الاقتصاد وتطويره في الولايات المتحدة، فإن تجارة البشر تدرّ أرباحاً تقدر بنحو 150 مليار دولار أميركي سنوياً، بحسب منظمة العمل الدولية عام 2016، وتبلغ حصة الولايات المتحدة منها نحو 5 في المائة، وفق تقدير وزارة الخارجية الأميركية، التي ينتقد خبراء وأكاديميون عدم دقتها.

تاريخ العبودية في الولايات الأميركية يختلف سرده وتناوله باختلاف وجهات النظر، فالسلطة تصوره على أنه حقبة وانتهت، وأن جلب "العبيد" من أفريقيا لم يكن عكس مصلحتهم بالمطلق، بل أنقذ الأفارقة من مصير بائس. وإن استملاك البشر والتعذيب والإعدام والبيع والشراء لم تكن بدافع التمييز والعنصرية، وإنما حتمتها المرحلة التاريخية.

وجهة النظر المقابلة، يشير إليها الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الأميركية الأفريقية في جامعة جورجيا، مايكل سيمانغا، بالقول: "هناك سببان لعدم الحديث عن العبودية في الولايات المتحدة: الأول لأنه موضوع يجعلنا نواجه بشاعة تاريخنا، ويجبرنا على الالتزام بتغييرات هيكلية مرتبطة بالممارسات التمييزية، من نظام التعليم غير المتكافئ، والعمالة غير المتساوية، والإسكان غير المتكافئ، ونحن لسنا جاهزين لذلك".

ويوضح أن "العبودية جرح أميركا المفتوح المسكوت عنه، ومقابل ذلك ترسخ نظام الطبقات الذي يحافظ على تفوق البيض الزائف ودونية السود". ويلفت إلى أن تناول العبودية "يتطلب منا أن نتبنى رواية أميركية مختلفة تماماً، ولسنا مستعدين لترك القصة القديمة". ويضيف "أميركا أرض خصبة للأسطورة والتحريف. تحاول تعليم تلاميذ المدارس أن (العبيد) هم مجرد عمال مهاجرين، يعملون لدى أصحاب المزارع مقابل الحصول على مكان للعيش فيه. إن الاغتصاب والتعذيب والتشويه وسوء التغذية والقتل ومنع (العبيد) بالقانون من تعلم القراءة والكتابة كل هذه مجرد مضايقات بسيطة".

تجارة "العبيد"(Ghetty) 

ونظراً لعدم وجود أي تعليم حول العبودية في المدارس العامة الأميركية، لا يفتح نقاش بشأن أضخم سرقة سكانية من أفريقيا، أو المساوئ التي ارتكبها الأميركيون حيال الأفارقة على مرّ الأجيال.

تاريخ العبودية

بدأت العبودية في أميركا في عام 1619، عندما جلبت سفينة هولندية 20 عبداً أفريقياً إلى مستعمرة جيمستاون البريطانية في ولاية فرجينيا. ويذكر أن الأشخاص العشرين كانوا قد خطفوا أساساً لتشغيلهم بالإجبار، وباعهم الخاطفون وخاضوا رحلة عبر الأطلسي استمرت نحو 13 أسبوعاً، كانوا مقيدين خلالها في السفينة. ويعتقد أنهم من مناطق أنغولا الحديثة ومناطق ساحلية في الكونغو.



وطوال القرنين السابع عشر والثامن عشر اعتمد المستوطنون الأوروبيون على "العبيد" الأفارقة كونهم يدّاً عاملة رخيصة ووفيرة، خصوصاً بالزراعة. وقدر بعض المؤرخين أنه بين 6 إلى 7 ملايين عبد استوردهم الأوروبيون إلى العالم الجديد خلال القرن الثامن عشر وحده.

كانت حياة "العبيد" مقيدة بالكامل، بسلوكهم وحركتهم، وكانوا ممنوعين من تعلم القراءة والكتابة وفق القانون. وكانت النساء مباحات لملاكهن، كما أنهم شجعوا زواج "العبيد" لكي يكثر عددهم، لكنهم لم يترددوا عادة في تقسيم العائلات ببيع أفراد منها.

وركز ملاك "العبيد" على تدعيم التسلسل الهرمي الصارم بين "العبيد" لإبقائهم منقسمين، وتقليص فرص تألبهم وتعاضدهم ضد مالكهم. في تاريخ تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي (1525 - 1866) نقل 12.5 مليون أفريقي إلى العالم الجديد، نجا 10.7 ملايين منهم.

 

الاتجار بالبشر التسمية المقابلة لتجارة الرق(تويتر) 

التمرد على العبودية

حدثت تمردات للعبيد داخل نظام الرق في بدايات القرن التاسع عشر، لكن القليل منها كان ناجحًا. وكانت ثورة "العبيد" الأكثر رعباً في النفوس هي التي قادها نات تيرنر في فيرجينيا، في أغسطس/ آب 1831. ولكن المقاومة المسلحة من البيض والمليشيات الحكومية وقتها تمكنت من قمع التمرد بعد يومين.

وساهمت حركات التمرد في تشديد القوانين ضد "العبيد" لمنع تجمعهم وتعليمهم، وخوفاً من توسع الحركة المعارضة نحو ولايات أخرى. وسعى مؤيدو العبودية إلى نشر أفكار بين الناس من قبيل أن السود هم بربريون في الأصل يحتاجون إلى مؤسسة مثل العبودية لتأديبهم.

لكن القمع المتزايد للسود في الجنوب زاد من قوة الحركات المناهضة للاستعباد في الشمال بين الأعوام 1830 إلى 1860. ونشطت حركة تهريب "العبيد" من المزارع الجنوبية إلى الشمال عبر شبكة من المنازل الآمنة سميت مجازاً باسم "السكك الحديدية تحت الأرض". وعلى الرغم من اختلاف التقديرات، يرجح المؤرخون تمكن ما بين 40 ألفاً إلى 100 ألف من "العبيد" من الوصول إلى الحرية.




وبعد صدور إعلان إنهاء العبودية عبر التعديل الثالث عشر للدستور الأميركي يوم 19 يونيو/حزيران 1865، وتبنيه رسمياً في 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، ظل وضع السود في جنوب ما بعد الحرب الأهلية محفوفاً بالمخاطر، ظل نحو 3.4 ملايين شخص من السود يعيشون العبودية رغم إنهائها.

 

أما التعديلات اللاحقة للدستور التي أعطت "العبيد" السابقين حقوق المواطنة و"الحماية المتساوية" في التعديل الرابع عشر، والحق في التصويت في التعديل الخامس عشر، لكن أحكام الدستور غالبًا ما انتهكت وتجاهلتها السلطات. لذلك لم يتغير حال هؤلاء بحسب نص القانون، وإنما استمرت ممارسات التمييز والعنصرية حتى يومنا هذا.


العبودية الحديثة في الولايات المتحدة

 
أربعة قرون مرّت على تجارة الرق، لكن عجلة الاستعباد لا تزال تدور وتسحب معها أكثر الناس ضعفاً وفقراً وتهميشاً، لتشغيلهم في سوق سوداء تكبلهم وتجعلهم "عبيداً" لدى مشغليهم. تجارة البشر هو عنوان الرق الحديث الذي تسعى الحكومات لتغطيته وعدم الاعتراف بحجمه الحقيقي لأسباب عدة.

وينتقد الأكاديميون والخبراء الأميركيون الأرقام المضللة والمزيفة التي تصدرها مراكز الأبحاث المموّلة من الجهات الحكومية، وتلك التي تعلنها المصادر الرسمية في الولايات الأميركية كافة.

ويؤكد هؤلاء أن تقديرات مؤشر العبودية العالمية لمؤسسة Walk Free عام 2013 بوجود نحو 63 ألف شخص مستعبد في الولايات المتحدة ليست صحيحة. وكذلك الأمر بالنسبة لأرقام مركز الموارد الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر (NHTRC) في عام 2015، عن تلقي 5444 بلاغاً عن حالات الاتجار بالبشر شملت المصانع، والعمل المنزلي، والزراعة، والبيع المتنقل، والمطاعم، والمراكز الصحية والتجميلية، إضافة إلى الاتجار بالجنس بمختلف الوسائل.

العبودية تتحكم بحياة ملايين البشر(تويتر) 



ومقابل ما أعلنته وزارة العدل الأميركية عن تعرض نحو 300 ألف طفل أميركي كل عام لخطر التشغيل بالجنس التجاري، قدر مكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2010 أن أكثر من 100 ألف امرأة وطفل يقعون ضحية الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة.

وقدّر عالم الاجتماع في جامعة سان دييغو، شيلدون زهانغ، وجود "38458 ضحية من ضحايا انتهاكات الاتجار بالبشر في مقاطعة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا وحدها عام 2015"، مشيراً إلى أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة يصل إلى نحو مليونين و472 ألف شخص بين المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين فقط".

ويعتبر المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين (NCMEC) أن "طفلاً من كل 5 أطفال من أصل 11800 مدرج لدى المركز عام 2015 هم على الأرجح ضحايا الاتجار بالجنس".

ذات صلة

الصورة

مجتمع

تعهّدت السلطات الهندية، السبت، باتخاذ إجراءات بعد أن أمرت معلمة مدرسة ابتدائية تلاميذها بالتناوب على صفع زميل مسلم لهم، وأثارت لقطات الحادث غضباً على الإنترنت.
الصورة

مجتمع

أمرت محكمة تركية في مدينة إسطنبول بسجن سائق أجرة تركي لتسببه في مقتل المواطن المغربي جمال دومان (57 عاماً).
الصورة
حفل وأطفال في جمعية قرية المحبة والسلام في لبنان (فيسبوك)

مجتمع

تتوالى الانتهاكات التي يقع ضحيتها أطفال في لبنان، في ظلّ انعدام الرقابة الجدية على عمل المؤسسات والجمعيات، وهشاشة نظام الحماية الاجتماعية. ولعلّ أحدث الانتهاكات فضيحة الاتّجار بالبشر، القصّر تحديداً، والتحرّش الجنسي كذلك بجمعية "قرية المحبة والسلام".
الصورة

منوعات

يشتكي فنانون سود مما وصفوه بـ"عنصرية" الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ أشاروا إلى أن البرامج المستندة إلى هذه التقنيات تعرض أصحاب البشرة السوداء بصور نمطية مسيئة أو تشوه أشكالهم.