التعليم العالي في بريطانيا بين تفاؤل وتشاؤم

التعليم العالي في بريطانيا بين تفاؤل وتشاؤم

12 مارس 2018
احتجاج طالبي سابق في لندن (عامر غزال/ Getty)
+ الخط -

نظام الرسوم الحالي الذي تنهجه جامعات بريطانيا يخرّج طلاباً مثقلين بالديون على خلفية الأقساط الباهظة، الأمر الذي يثير تحفّظات بعض المعنيين. وفي السياق، أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، في 19 فبراير/ شباط الماضي، أنّ ثمّة مراجعة واسعة النطاق سوف تشمل التعليم الجامعي في البلاد.

والمراجعة التي تحدّثت عنها ماي والمتوقّع صدورها في بداية عام 2019، تهدف إلى إعادة النظر في كيفية مساهمة الطلاب المستقبليين في تكاليف دراستهم وقيمة مساهمتهم وشروطها ومدّتها، في حين استبعدت ماي فكرة الانتقال إلى نظام مموّل من دافعي الضرائب بالكامل، ولا سيّما أنّها ترى أنّ الجامعات اليوم تُموَّل بطريقة أفضل بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل جيل. وأشارت إلى أنّ الإصلاحات الأخيرة قسّمت كلفة التعليم العالي بطريقة عادلة بين دافعي الضرائب والطلاب، ومكّنت الحكومة من رفع الحدّ الأقصى لعدد الأماكن المتاحة. لكنّ ماي عبّرت عن خيبة أملها من غياب سوق تنافسية للتعليم العالي، مع عدم توفّر رسوم دراسية متغيّرة وفق الكلفة والجودة والمدّة الزمنية للدورات الدراسية.

كيف يصل الطلاب الآتون من مجتمعات محرومة إلى التعليم الجامعي، خصوصاً مع إلغاء المنح التي كانت تخصص للطلاب الأكثر فقراً والتي تساعدهم كذلك في تكاليف المواصلات والكتب والمراجع؟ سؤال تجيب عنه جيما غولدمان، من المكتب الإعلامي في وزارة التعليم، فتقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "جرى إلغاء الحد الأقصى لعدد الطلاب وتقليل الحواجز أمام دخول الطلاب إلى الجامعات، وثمّة عدد كبير من الطلاب المحرومين الذين يتابعون دراساتهم الجامعية". تضيف أنّ "المراجعة (التي أعلنت عنها تيريزا ماي) هي أوسع من مسائل الرسوم"، مع العلم أنّ الطلاب قلقون حقاً بشأن القيمة مقابل المال. وتابعت أنّه "سوف يُنظَر في كيفية إصلاح النظام بأكمله ليصبح أكثر عدلاً. ومن الممكن أن يشمل ذلك النظر في احتمال الحاجة إلى الحدّ من قيمة الرسوم التي تفرضها بعض الجامعات".

وفي ما يتعلّق بالرسوم المتغيّرة، تقول غولدمان إنّ "هدف المراجعة الرئيسي هو الوصول إلى الجامعة والانتساب إليها. ونحن نريد الذهاب أبعد من ذلك وجعل بلوغ النظام أسهل وليس العكس. لذلك سوف يصار إلى النظر بعناية إلى تسوية أوضاع الطلاب المحرومين كجزء من أيّ مقترحات تتناول تغيير الرسوم. ويصحّ النظر في الأمر، خصوصاً أنّ الغالبية العظمى من الجامعات تفرض الحدّ الأقصى من الرسوم".


وتشير غولدمان إلى أنّ "وزير التعليم داميان هيندز كان قد صرّح بأنّ نظام التعليم لمرحلة ما بعد الثامنة عشرة يتمتع بنقاط قوة وسمعة عالمية رائعة، وبأنّ جامعات بريطانيا تضمّ عدداً كبيراً من الطلاب المحرومين". وتكمل أنّ هيندز "تحدّث كذلك عن الأثر الذي قد تتركه الرسوم المختلفة للمقرّرات الدراسية على خيارات الطلاب، إذ قد تنخفض كلفة بعضها وترتفع أخرى. وشدّد على ضرورة التوازن بين الدراسة الأكاديمية والتعليم التقني بهدف ضمان خيارات حقيقية للشباب، مع منح أرباب العمل إمكانية الوصول إلى قوة عاملة ذات مهارات عالية".

في المقابل، ينظر البروفسور بيتر سكوت، وهو باحث ومشارك في برنامج بحوث المشاركة في التعليم العالي العالمي، إلى المراجعة بتفاؤل أقلّ، ويرى أنّ "ثمّة من يرى في مراجعة تيريزا ماي لتمويل التعليم العالي انتصاراً للمعارضين على الرسوم العالية". لكنّه يأسف لأنّ "مراجعة التمويل والهجوم شبه الشعبي على الرواتب العالية هما أوسع من الهجوم على التعليم العالي، جنباً إلى جنب مع إساءة استخدام استراتيجية المنع". وهل المراجعة هي بمثابة هجوم على التعليم العالي وإساءة لاستخدام استراتيجية الوقاية؟ يجيب سكوت "العربي الجديد"، بأنّ "النقطتَين منفصلتان. وحين تناولت قضية استراتيجية المنع في مقالي عن التعليم العالي في صحيفة ذي غارديان، إنّما قصدت سوء استخدامها وتركيزها لغاية اللحظة على مجموعات من المسلمين عوضاً عن المجموعات اليمينية المتطرّفة، التي تتساوى في خطورتها في الواقع". ويلفت إلى أنّه "من منطلق إيماني بحرية التعبير، أجد صعوبة في مفهوم التعصّب غير العنيف".


وعن التعليم العالي، يقول سكوت إنّ "الجامعات تتعرض لهجوم ويُلقى اللوم عليها في أمور فُرضت عليها من قبيل رسوم عالية وقروض طلاب وغيرها". وعند سؤاله عمّا إذا كانت المراجعة تهدف بالفعل إلى توفير نظام يمكّن الجميع من الوصول إليه وإلى إتاحة فرص متكافئة حتى للفئات المحرومة، يجيب بأنّ "هذا هو خط الحكومة الرسمي. لكنّ رئيسة الوزراء حكمت بعدم إلغاء الرسوم الدراسية وفرض مبلغ تسعة آلاف جنيه إسترليني (نحو 12 ألفاً و500 دولار أميركي) سنوياً على التعليم العالي، ما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى الدراسة الجامعية وجعلها في متناول الجميع. وخير مثال على ذلك، تراجع عدد الطلاب بدوام جزئي، على الرغم من أنّ الدراسة على هذا النحو قد تكون أسهل بالنسبة إلى الأشخاص الذين يأتون من خلفيات اجتماعية محرومة". ويرى سكوت أنّ "نقطة المراجعة الأخيرة قد تخلص إلى أنّ التعليم العالي باللغة الإنكليزية مكلف للغاية. فهذا أغلى نظام تعليم عالي في العالم بما في ذلك المتوفّر في الولايات المتحدة الأميركية، ولا بدّ من أن تدرك ماي ذلك كونها عضواً بارزاً في مجلس الوزراء ومسؤولة عن هذه الحالة المؤسفة". ويبدو سكوت متشائماً في ما يخصّ "احتمال تخفيض الرسوم في أكسبريدج أو غيرها من جامعات مجموعة راسل في ظل هذه الحكومة، بل إنّ الرسوم قد ترتفع".

المساهمون