محاكم قبلية في باكستان

محاكم قبلية في باكستان

27 اغسطس 2017
اجتماع قبلي في باكستان (كريم أولاه/ فرانس برس)
+ الخط -
الفساد الموجود في المحاكم الباكستانية يدفع مواطنين إلى اللجوء إلى المحاكم القبلية المعروفة بنفوذها في المناطق النائية. ورغم أنّ هذه المحاكم تمتاز بسرعة إصدار الأحكام وتنفيذها، إلّا أنّ معظمها يخالف القوانين الباكستانية والشريعة الإسلامية. ويُنظر سكان المدن إليها بعدائية.

وشهدت البلاد تحرّكات رفضاً لتلك المحاكم، من دون أية نتيجة. ومن حين إلى آخر، يطالب ناشطون الحكومة باتخاذ خطوات فاعلة ضد المحاكم القبلية، من دون أن تلقى صدىً أيضاً.

ومن القضايا التي بتّت فيها المحاكم القبلية مؤخراً، تزويج فتاة لم يتجاوز عمرها 20 عاماً من شخص يتجاوز عمره السبعين عاماً. وفي التفاصيل، أنّه في منطقة "تشك" في مقاطعة وهاري في إقليم البنجاب، تزوج نجل فلاح يدعى محمد من ابنة فلاح آخر يدعى ذو الفقار من دون رضا الأسرتين، وفرا من القرية خوفاً من العقاب. وسجل والد الفتاة الدعوى في المحكمة القبلية المعروفة في إقليم البنجاب بـ "بنجايت"، ولدى القبائل البشتونية بـ "الجرغة".

وبعد جلسة طويلة، حكمت المحكمة بأن يزوج محمد ابنته من رجل تجاوز السبعين عاماً. وتنفيذاً لقرار المحكمة، عقد قران الرجل بالشابة قبل أن تفر إلى مركز للشرطة وتسلم نفسها. وقالت الفتاة أمام الصحافيين في مركز الشرطة إن والدها وأقاربها استدعوها إلى جلسة قبلية، وعقدوا قرانها غصباً عنها. ورغم تأكيد الشرطة سعيها لاعقتال الجناة، إلا أنه نظراً لما يجري في تلك المناطق، يبدو أن هذه الفتاة ستقبل قرار المحكمة عاجلاً أم آجلاً. ويقول الناشط الاجتماعي عظيم بارو إنّ ما تفعله الشرطة الباكستانية، وما تدعيه الحكومة المحلية، هي مجرد أفعال روتينية لا تسمن أو تغني عن جوع، لأن أحكام المحاكم القبلية مقبولة لدى القبائل، وقد أصبحت الفتاة زوجة الرجل بعد موافقة عائلتها. من هنا، فإنّ الفتاة مخيّرة بين الرضوخ إلى حكم القبائل أو تُقتل على يدها.

ويشدّد عظيم على ضرورة القضاء على هذه المحاكم، لأنّ العادات القبلية والنظام القبلي يعدّ عقبة في وجه تحسين أحوال أفراد القبائل، خصوصاً في مجال التعليم. كذلك، باتت القبائل في قبضة زعمائها، الذين يرغبون في الحفاظ على مصالحهم فقط. وسبقت قضية الفتاة قضية أخرى أثارت ضجة في باكستان. وبحسب تقرير الشرطة، فإنّ شخصاً في مدينة مظفر أباد، اعتدى جنسياً على طفلة عمرها 12 عاماً ثم تركها. ولما ذهبت الطفلة إلى المنزل، أخبرت أشقائها وأقاربها بالأمر، فطلبوا عقد اجتماع قبلي "بنجايت". فصدر الحكم بأن يعتدي أحد أفراد أسرة الضحية على فتاة من أسرة الجاني. وعمد أحد أقارب الطلفة إلى خطف شقيقة الجاني والاعتداء عليها.

بعدها، سجل كلّ طرف الدعوى في مركز للشرطة ضد الآخر، واعتقلت عدداً من الأفراد قبل أن تفرج عنهم في اليوم التالي.

الشرطة من طرفها اعتقلت بعض الأفراد من الطرفين لكنها أفرجت عنهم بعد يوم واحد.
وفي قصة أخرى، حكمت المحكمة القبلية بتزويج فتاة عمرها 14 عاماً من رجل يبلغ 45 عاماً، بعدما اعتدى شقيقها جنسياً على زوجة الرجل. وبعدما علم الزوج بالاعتداء، دعا إلى اجتماع قبلي في بيته في مدينة شيشه وطني في إقليم السند، وتقرر أن يتزوج شقيقة الجاني وعمرها 14 عاماً. وحصل الأمر برضا الطرفين.

والمشكلة الرئيسية هي مشاركة الشرطة والسلطات المحلية في مثل هذه القضايا وحصولها على المال لتقف إلى جانب القبائل، علماً أن البعض يعترض على مثل هذه الأحكام، والتي تؤثّر على أشخاص كثيرين.

إلى ذلك، يشير الناشط عظيم بارو إلى أن المشكلة الرئيسية هي رضا القبائل وتأييد الشرطة للجناة بهدف الحصول على المال. لذلك، عادة ما لا يرفع الضحايا أصواتهم لأنهم يعرفون أنه لا فائدة من ذلك. وفي حال أرادت الشرطة الوقوف في وجه هذه المحاكم والأشخاص المساهمين في هذا الظلم، لتغيرت أمور كثيرة. من جهة أخرى، يحمّل بارو الحكومة ووسائل الإعلام والناشطين في المجتمع المدني المسؤولية، لافتاً إلى أن المصالح الشخصية تدفعهم إلى القبول بما يحصل، بدلاً من السعي إلى الوصول إلى حلّ نهائي لهذه المشكلة التي دمّرت وتدمر حياة كثيرين ما زالوا في مقتبل العمر.

الكلمة للجماعات المسلحة
يقول الناشط الإجتماعي عظيم بارو، إن المشكلة لا تقتصر على "جرائم وقرارات المحاكم القبلية في إقليمي البنجاب والسند الباكستانيين"، بل إن الشكلة تتفاقم في المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي، حيث يعد دور المحاكم ثانوياً. وبسبب نفوذ الجماعات المسلحة في تلك المناطق ونزوح سكانها، ضعف دور القبائل.