استهداف الأماكن العامة يقلق الأفغان

استهداف الأماكن العامة يقلق الأفغان

09 يوليو 2017
بُعيد تفجير هرات في يونيو الماضي (هوشانغ هاشمي/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أنّ استراتيجية الحرب في أفغانستان تغيّرت في الأسابيع الأخيرة بحسب ما أكدت الحكومة الأفغانية على لسان أكثر من مسؤول، وذلك مع تعدد الجهات المنفذة لأعمال العنف. فالتفجيرات الأخيرة بمعظمها لا تتبناها أيّ من الجهات، فيما راحت حركة طالبان تستنكر عمليات راح ضحيّتها مدنيون.

وسط القلق، راحت وسائل إعلام أفغانية تطرح تساؤلات كثيرة حول الجهة المنفذة. إذا لم تكن حركة طالبان مسؤولة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتبنى بعضها فقط، فمن هو صانع تلك الهجمات وما هدفها. الحكومة الأفغانية ليس في يدها أيّ أدلة ملموسة سوى اتهام بعض الجهات والإشارة إلى أنّها من صنع أعداء البلاد بهدف إرباك الأمن والنظام.

بغضّ النظر عن الجهات التي تنفّذ تلك العمليات، فهي تلقي بظلالها القاتمة على حياة المواطنين وتخلّف آثاراً نفسية سلبية لدى الأفغان عموماً وسكان العاصمة كابول خصوصاً. يُذكر أنّ وسائل الإعلام الأفغانية ما زالت تبثّ قصص عشرات المفقودين من جرّاء الهجمات الأخيرة التي شهدتها العاصمة وبعض المدن خلال شهر رمضان المنصرم. وتلك القصص المرعبة لها تأثير بليغ على الشباب، خصوصاً أولئك الذين يستطيعون الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي. فأهالي المفقودين تنشر استغاثاتهم ومناشداتهم للحكومة بهدف التعاون معها لمعرفة مصير أبنائهم.

يعبّر محمد أويس (18 عاماً) عن استيائه، قائلاً: "بصراحة أكره أفغانستان بعد الهجمات الأخيرة. نحن عشنا في الحرب وفي أجواء من التوتر والعنف، لكنّ الموجة الأخيرة من الهجمات الإرهابية التي ضربت الأماكن العامة وأماكن العبادة والتجمعات الدينية وكذلك تلك التي وقعت داخل الأحياء السكنية، أثارت الرعب في قلوبناً جميعاً. يضيف: "كلما سمعت دويّ انفجار ولو بسبب أسطوانة الغاز، فأنا أرتجف ظناً منّي بأنّ حادثة وقعت". ويشير أويس إلى أنّه لم يكن يتأثر بمثل هذه التفجيرات وأعمال العنف قبل أن يشهد تفجير حافلة تقلّ موظفي شركة روشن للاتصالات خلال الشهر الماضي بالقرب من منزله. ويسأل أويس عن "جدوى إذاعة قصص المفقودين وضحايا الهجمات الأخيرة، في حين أنّنا نعلم جميعاً أنّهم لقوا حتفهم"؟




ليس الشباب وحدهم الذين تأثّروا بموجة العنف الجديدة، فكثيرون يخافون التوجّه إلى الأماكن العامة. يقول محمد حسين (55عاماً) إنّه "لم نكن نتوقع أن يستهدفنا عدوّنا داخل المساجد وفي الأسواق ويقتل أطفالنا ونساءنا بهذه الطريقة. من العيب أن يتعرّض الواحد للأبرياء أو يستهدف إنساناً داخل مسجد أثناء العبادة. لكنّ اليوم تغيّرت الأمور، وأصبح كلّ شيء ممكناً. بالتالي من المفضّل ملازمة بيوتنا". ويلقي حسين "جزءاً كبيراً من اللوم على القوات الدولية والأميركية في أفغانستان. لماذا أخذ هؤلاء القواعد في بلادنا ما داموا لا يستطيعون فعل شيء لنا. كذلك تتحمّل الحكومة الأفغانية الملامة لأنّها إن عجزت عن تأمين الأمن لمواطنيها فعليها أن تستقيل وتترك المجال لغيرها. ما يهمنا هو الأمن وكل شيء دون ذلك من دون أهمية".

وتعيش شرائح المجتمع الأفغاني كلها حالة من الخوف والقلق نتيجة استهداف الأماكن العامة وأماكن العبادة التي راح ضحيتها فقط في شهر رمضان أكثر من 200 قتيل جلّهم من المدنيين، ومن بينهم نساء وأطفال. ويقول الطبيب المتخصص في الأمراض النفسية الدكتور محمد حيات إنّ "الأفغان يعيشون تحت وطأة الحرب منذ عقود، لكنّ هذا اللون الجديد يؤثّر على كل المواطنين. الجميع في حالة نفسية سيئة". ويلفت إلى أنّ "الأفغان كانوا يخشون قبل فترة من تدهور الحالة الأمنية، لكنّ الحرب كانت بين الحكومة والجماعات المسلحة. أمّا اليوم وقد طاولت موجة العنف الأماكن العامة والتجمعات الدينية، فإنّ لذلك تأثيراً نفسياً أكبر على المواطنين". يضيف حيات أنّ "الشباب هم أكثر المتأثرين بهذه الظاهرة لأنّهم يفكّرون بالمستقبل أكثر بالمقارنة مع الأطفال وكبار السنّ، وبالتالي يتأثرون جميعهم". ويتابع أنّ "كثيرين يقصدونني وهم يشكون من آلام حادة. وعند الكشف، نجد أنّ جلّ هؤلاء يعانون من مشكلات نفسية".

ثمّة شباب لا يخشون على حياتهم فحسب بل هم قلقون على مستقبل البلاد، وهذا يؤثّر عليهم أكثر. وهؤلاء هم خصوصاً الذين عاشوا فترة من الزمن في الغربة، في باكستان وإيران على سبيل المثال. هؤلاء يرغبون في مستقبل لهم في بلادهم. محمد عثمان من هؤلاء وهو يحمل شهادة ماجستير في العلوم السياسية من إحدى جامعات باكستان. يقول: "قد لا نخاف من الموت بقدر ما نخاف على بلادنا. كلّما أتوجّه إلى الفراش ليلاً، أفكر في مستقبل بلادي وماذا سيحدث لها إن بقيت الأمور على هذا المنوال. أفكر في مستقبل بلادنا حتى أصاب بصداع شديد، وأعجز أحياناً عن النوم طوال الليل". ويشير عثمان إلى أنّ "الأمل في الحياة يريح المرء. لكنّنا بدأنا نفقد الأمل، بالتالي نفقد الراحة. ولا أدري كيف تتحسن الأمور".

هكذا يمكن القول إنّ فئات الشعب الأفغاني كلها تتأثّر بالأوضاع القائمة، لا سيّما من الرجل والنساء والأطفال وكبار السنّ، من جرّاء استهداف الأماكن العامة وأماكن العبادة.