هكذا يواجه سكان طرابلس أزمة المياه

هكذا يواجه سكان طرابلس أزمة المياه

04 ديسمبر 2017
مياه النهر الصناعي لم تعد تصل (بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -
أزمة المياه عبء جديد على كاهل المواطن الليبي يضاف إلى أزمات الكهرباء والسيولة النقدية. هي أزمات يومية ترافق سكان العاصمة طرابلس الذين لجأوا في مواجهة هذه الأزمة الجديدة إلى حفر الآبار لحلّ المشكلة

العام الماضي، عمدت مجموعات مسلحة إلى قطع المياه عن مدن الشمال الليبي، بما فيها العاصمة طرابلس، عبر تخريب وتهديد أجهزة تنظيم النهر الصناعي، المزود الرئيس والوحيد بالمياه لتلك المدن، والهدف من وراء ذلك ليّ ذراع سلطات البلاد وحثها على تحقيق مطالب تلك المجموعات المختلفة.

مؤخراً، أعلنت إدارة النهر الصناعي أنّ مجموعة مسلحة هددت بنسف مولدات الكهرباء وتخريب الآبار إذا لم يجرِ وقف إمدادات المياه عن تلك المدن التي تسيطر عليها حكومة الوفاق، مؤكدة أنّ المياه لن ترجع إلاّ إذا استجابت السلطات لطلب هؤلاء المسلحين بإطلاق سراح أحد قادتهم المعتقل لديها في طرابلس منذ أكثر من شهرين.

يقول إسماعيل، وهو مالك أحد حفارات الآبار، إنّه حفر ثلاث آبار خلال هذا الأسبوع، مؤكداً أنّ الطلب يتزايد على حفّاره وعلى حفارات غيره ممن يزاولون المهنة نفسها. وهو ما يشير إلى أنّ الطلب الكبير على الحفر من قبل سكان العاصمة دليل على بحثهم عن بدائل لإمدادات النهر الصناعي.

وعن أسعار وعمق الآبار المحفورة، يقول إسماعيل لـ"العربي الجديد" إنّ متوسط العمق هو ثلاثون متراً، ويتراوح سعر حفر البئر الواحدة ما بين ستة آلاف دينار ليبي وتسعة آلاف (سعر الدولار الأميركي الرسمي هو 1.40 دينار ليبي).

اللافت في حديث إسماعيل أنّ الطلب على حفر الآبار لا يقتصر على سكان المنازل والأحياء المترفة فقط، بل يؤكد أنّ سكان العمارات الشعبية هم أيضاً اتجهوا للاشتراك في حفر آبار جماعية بعمق أكبر، لمواجهة انقطاع المياه، إذ إنّهم أكثر شرائح المدينة تضرراً.

المعتصم بلحاج، عضو في لجنة الأزمة التابعة للمجلس البلدي لطرابلس، يؤكد أنّ سلطات المدينة المحلية عاجزة تماماً عن إيجاد حلّ لمشكلة المياه المتكررة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "خططاً نوقشت من أجل العمل على إنشاء محطة للتحلية، لكنّها تحتاج إلى دعم مالي كبير لا يملكه المجلس". يتابع أنّ جهود المجلس البلدي في الأزمات الماضية انحصرت في توفير سيارات لنقل المياه إلى الأحياء الأكثر تضرراً، ولم تكن هذه النقليات تكفي. يؤكد بلحاج أنّ وساطات اجتماعية تسعى للتفاوض مع المسلحين من أجل إعادة ضخ المياه، لكنّه يستدرك: "يبدو أنّ المواطنين الذين اتجهوا إلى حفر الآبار لم تعد لديهم الثقة في الحلول مع هؤلاء المسلحين التي تبدو كأنّها مؤقتة، فما إن تحلّ القضية حتى ترجع من جديد".

بالرغم من إشارة بلحاج إلى عدم قانونية أعمال الحفر العشوائي التي يقوم بها المواطنون حالياً من دون الحصول على ترخيص، فهي تضر بمنسوب المياه الجوفية، فإنّ سعد البهلول، وهو أحد مسؤولي هيئة المياه والصرف الصحي في العاصمة، يلفت إلى خطر آخر قد يواجه المواطن على المديين المتوسط والبعيد، ويتمثل في عدم صلاحية مياه الآبار للشرب أو للاستعمال المنزلي حتى. يقول البهلول لـ "العربي الجديد" إنّ سعي الحكومات السابقة، خلال عقد التسعينيات، إلى جر المياه من الجنوب إلى مدن الشمال كان سببه الأول عدم صلاحية المياه الجوفية في هذه المدن، لا سيما طرابلس، للاستهلاك. يتابع: "الدراسات التي نملكها تؤكد وجود جراثيم وميكروبات في مياه طرابلس ومدن الجوار ستسبب أمراضاً على المديين المتوسط والبعيد، من أبرزها حمى التيفوئيد والكوليرا والأمراض الجلدية والباطنية". يشير إلى أنّ "الحفر في مناطق غير صالحة يتسبب في تسرب المياه عبر الأسطح المحفورة إلى آبار أخرى قد تكون مياهها صالحة للاستخدام، لكنّ النتائج المؤكدة أنّ مياه طرابلس بحسب المواصفات الدولية والمحلية غير صالحة للاستخدام على الإطلاق، ويوجد لدينا نشرات سابقة تؤكد ذلك". يتابع البهلول أنّ نسب التلوث بسبب الزيوت والمخلفات الصناعية كبيرة على المياه السطحية التي يلجأ إليها المواطن الآن.

في المقابل، يردّ بوعجيلة، وهو أحد سكان عمارات حي النصر وسط العاصمة طرابلس: "لكلام هؤلاء المسؤولين اعتبار لدينا، لكن هل يمكننا سؤالهم عن الحلّ المقترح؟". يؤكد أنّه لجأ وجيرانه إلى الاشتراك في حفر بئر لتغذية مبناهم السكني بالمياه، بسبب تكرر انقطاع المياه لمدة تصل إلى ثلاثة أسابيع في كلّ مرة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المواطن يبدو واثقاً من فشل كلّ حكومات البلاد، وبالتالي عليه أن يبحث عن حلّ بمفرده لمواجهة مشاكله اليومية... سئمنا الانتظار، فلا حلول لمشاكل غلاء الأسعار، ولا لشح السيولة ولا الكهرباء. يجب علينا أن نواجه الحياة بمفردنا، وكأنّ لا وجود لهذه الحكومات"، ويختم بالقول: "أغلبنا مثقف ومتعلم ويعرف أنّ مياه الآبار غير صحية، لكن لا حلّ لدينا، ولا نملك إلاّ الدعاء بأن يحمي الله أطفالنا".