المستشفيات الحكومية.. طبابة على صورة النظام اللبناني

المستشفيات الحكومية.. طبابة على صورة النظام اللبناني

16 اغسطس 2016
هل ينفع اهتمام الأطباء رغم نقص الإمكانيات؟ (راتب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -
سقط طفل لبناني عن شرفة منزله قبيل منتصف الليل، وعانى من نزيف حاد. أمّا أهله، فقد عانوا بدورهم في محاولتهم إدخاله إلى أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة بيروت، بعدما طلبت الإدارة 22 ألف دولار أميركي قبل نقله إلى قسم العمليات الجراحية. وتعدّ المستشفيات الخاصة في لبنان المقصد الأول لمن يحتاج إلى الاستشفاء، نتيجة خدماتها الطبية المتطوّرة بالمقارنة مع المستشفيات الحكومية اللبنانية.

يمنح هذا الواقع المستشفيات الخاصة في بيروت صلاحيات وامتيازات استثنائية حوّلت المريض إلى زبون، يُحدّد وضعه المادي حقّه في الطبابة الملائمة. وتضاهي مباني بعض هذه المستشفيات الخاصة فنادق النجوم الخمس. في واحد منها، بيانو في ردهة الاستقبال يعكس رفاهية الخدمات التي يقدّمها لزبائنه. يُذكر أنّ هذا المستشفى يرفض استقبال المرضى الذين يغطيهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مفضلاً هؤلاء المعتمدين على شركات التأمين الخاصة.

بعيداً عن العاصمة اللبنانية، لا تبدو الصورة أفضل في المناطق. على سبيل المثال، عطّلت الخلافات السياسية تشغيل مستشفيين حيويين في الجنوب اللبناني. الأول مستشفى للحروق موّلته الحكومة التركية في مدينة صيدا، والثاني مستشفى شبعا الحكومي الذي موّلته الإمارات العربية المتحدة. وتشير مصادر "العربي الجديد" إلى أنّ "الخلاف الطائفي والسياسي حول تعيين مجالس إدارة المستشفيَين، حرما الجنوبيّين من فرصة الاستفادة من تقديماتهما الطبية".

وفي محافظة البقاع، يلفت أحد الموظفين الإداريين إلى أنّ "مستشفيات المنطقة لا سيما مستشفيات منطقة بعلبك ليست سوى مستوصفات كبيرة، نتيجة نقص المعدات والتمويل الكافي". ويُفضّل أهالي البلدات البقاعية البعيدة تجاوز المستشفيات الحكومية في المنطقة واللجوء إلى المستشفيات الخاصة في مدينة زحلة (تبعد نحو 75 كليومتراً) على سبيل المثال "لأنّها تقدّم خدمات طبية أفضل".

ضرب القطاع العام

يوضح رئيس لجنة الصحة النيابية السابق، النائب الدكتور إسماعيل سكريّة، أنّ النظام اللبناني يشجّع القطاع الخاص على حساب القطاع العام في مُختلف المجالات، "لذلك نجد أنّ وسائل الإعلام الخاصة أكثر متابعة من الإعلام الرسمي، وأنّ المدارس والمستشفيات الخاصة أكثر تطوّراً من المدارس والمستشفيات الحكومية".

ويقول سكرية لـ"العربي الجديد" إنّ "وزارة الصحة اللبنانية تخلّت عن أهداف تأسيسها الثلاثة وهي: الرعاية والوقاية والتوعية، وتحوّلت إلى مصرف صحي يقدّم 80 في المائة من موازنته لتغطية فاتورة المواطن الصحية التي ينفقها في المستشفيات الخاصة". ويشير إلى أنّ "المواطن اللبناني المُسجّل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يتحمّل نحو 25 في المائة من فاتورته الصحية، فيما لا يُفترض أن يدفع من جيبه الخاص أكثر من خمسة في المائة من هذه الفاتورة". ويعيد ذلك إلى "الهدر والفساد المُستشريين في مؤسسات القطاع العام الصحية. وقد وصل ذلك إلى حدّ طلب إدارات بعض المستشفيات الحكومية من المرضى، تأمين أدوات طبية للعمليات الجراحية من جيبهم الخاص بسبب العجز المالي الذي عانت أو تعاني منه. وتثبت شبهة الفساد مع توجيه المواطنين إلى شركات معيّنة لشراء تلك المعدات". ويتحدّث عن سوابق سُجّلت في مستشفيات خاصة وحكومية من قبيل "حَقن المرضى بالماء وإدراج تلك الحِقن على الفاتورة، على أنّها حقن دواء، بالإضافة إلى بيع الأدوية بالمفرّق بعد تجزئة العبوات".

ويسأل سكرية عن "دور إدارة التفتيش المركزي في مراقبة القطاع الصحي، خصوصاً مع لجوء وزارة الصحة إلى التعاقد مع ثلاث شركات تأمين لتقييم المستشفيات الحكومية. وهو ما يعني إلغاء دور رقابة الدولة على مؤسساتها، لصالح مؤسسات القطاع الخاص أيضاً".

احتجاجات بالزيّ الأبيض

ضرب نقص التمويل بنية المستشفيات الحكومية في لبنان، فتراجعت مستويات الخدمة فيها وانخفضت التقديمات التي يُفترض أن يحصل عليها الممرّضون بصفتهم موظفين في القطاع العام إلى حدودها الدنيا. لا يمرّ أسبوع من دون تسجيل اعتصام أو وقفة احتجاجية للممرضين والعاملين في المستشفيات الحكومية في لبنان، أمام مقار عملهم للمطالبة بتقديم المنح التعليمية وزيادة رواتبهم. وتتوزّع مطالب المعتصمين بين عامة مشتركة وبين خاصة تختلف من مستشفى لآخر. يُذكر أنّ موظّفين كانوا قد شكوا في وقت سابق من شحّ المواد الطبية والأدوية في المستشفيات.

في بيروت، دخل موظفو المستشفى الحكومي الأكبر عامهم الثاني من الاعتصامات والإضرابات التي انطلقت على خلفية عدم دفع وزارة الصحة مخصصات المستشفى "بسبب نقص التمويل". انتهت الأزمة المالية في وزارة الصحة، لكنّ مطالب العاملين لم تتحقق وبقيت الوعود الكلامية التي قدّمتها ثلاث إدارات متعاقبة للمستشفى إلى الموظفين من دون تنفيذ.



في هذا الإطار، يعيد الممرض بسام العاكوم أزمة الممرضين والعاملين إلى عام 1994، "تاريخ انعقاد مؤتمر دعم لبنان (باريس 1)، وسعي النظام اللبناني إلى تطبيق الشروط التي طلبها المانحون الدوليون مقابل دعم لبنان مادياً". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "إعادة هيكلة الدولة وخفض عدد الموظفين فيها من الشروط الأساسية، وكان قرار الدولة إنشاء المؤسسات العامة التابعة لها من دون حصول موظفيها على كل التقديمات المادية والمعنوية التي يحصل عليها موظف القطاع العام المُسجّل في ملاك الوزارات والإدارات العامة في لبنان". ويتابع أنّ الممرضين يحصلون على رواتبهم من الدولة فقط، "ويطالبون بحقهم في ضم خدماتهم للملاك العام (تحويلهم إلى موظفين في الدولة)، وما يتعبه من منح وتقديمات (تعليمية وزيادة رواتب)". وفي حين يؤمن العاكوم وزملاؤه بسياسة "اضغط أكثر تُحصّل أكثر"، يحذّر سكريّة من "الحلول المجتزأة التي تتبناها وزارة الصحة لإسكات المُحتجين لبعض الوقت فقط، مع استمرارها في ممارسة سياسة دعم القطاع الخاص على حساب القطاع العام وموظفيه". ويشير العاكوم إلى أنّ "تصنيف وزارة الصحة لإدارات بعض المستشفيات الحكومية بالجيّدة استناداً على عدم طلبها لمخصصات إضافية أو سُلف، يأتي في وقت يُحرم فيه الموظفون من حقوقهم المادية على الرغم من توفّر الميزانيات لتغطيتها".

تجدر الإشارة إلى أنّ الأحزاب السياسية الطائفية في لبنان تعتمد مبدأ "فرّق تسُد" لإفشال التحركات المطلبية للموظفين عبر اتهامهم بالطائفية أو بالتبعية لأحزاب خصمة. وتمثّل تلك الأحزاب ممراً شبه إلزامي للمواطنين حتى يستفيدوا من تغطية وزارة الصحة لفاتورتهم الاستشفائية عبر الوساطات. إلى ذلك، تُعدّ زيارات نوّاب المناطق لوزير الصحة باباً لزيادة مخصصات مستشفيات "منطقتهم" من ميزانية الوزارة.

مؤامرة ضدّ القطاع العام؟

يرفع مدير مستشفى صور الحكومي في لبنان يدَيه إلى السماء شاكراً، أثناء إعلان وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، عن تحويل المستندات المطلوبة لصرف مخصصات المستشفيات الحكومية من قبل وزارة المال. هذه المستشفيات البالغ عددها 29 مستشفى، من مشاكل إدارية يصفها الوزير بـ"البسيطة". تسعة منها تشكو من تعثّر في دفع رواتب موظفيها، لكنّ الوزير يؤكد أنّ "الأموال قيد الصرف في وزارة المالية والتأخير سببه الروتين الإداري وليس عدم توفّر الأموال أو تأخّر وزارة المالية".

ويتّهم أبو فاعور "بعض من هم في القطاع الخاص بإشاعة معلومات مغلوطة عن سوء أداء أو تعثر المستشفيات الحكومية لأسباب مالية"، مشدداً على أنّ "المستشفيات الحكومية ليست بخير فقط، فهي تسدد مستحقات سابقة للمالية. والوزارة تحسم 20 في المائة من مستحقات المستشفيات لتسديد ديون سابقة عن المستشفيات لها وللموردين". وتشمل الخطة الوزارية التي يتبناها أبو فاعور "تخصيص أسقف مالية محددة ومريحة للمستشفيات لأننا، سابقاً، كنّا نعطي المستشفيات الخاصة على حساب المستشفيات الحكومية". كذلك تشمل الخطة "زيادة نسبة الاستثمار من المخصصات التي ندفعها للقطاع الحكومي".

أمّا بالنسبة إلى المستشفيَين اللذين يتعثّر فتحهما (الحروق وشبعا)، يؤكد أبو فاعور لـ"العربي الجديد" إنجاز "جزء كبير من التحضيرات لفتح المستشفيَين بعد اجتماعات مع بلدية صيدا والسفير الإماراتي. ونحن ننتظر صدور المراسيم اللازمة لتحويل المخصصات من وزارة المال".

دلالات

المساهمون