إيرانيّات لم يفتهنّ الأوان

إيرانيّات لم يفتهنّ الأوان

31 مايو 2016
تتهيّأ للدراسة (توماس كوهلر/Getty)
+ الخط -
كانت إلهام ترابي (38 عاماً) قد تزوّجت في عمر مبكّر. في ذلك الوقت، تركت مدرستها وتفرّغت لمسؤولياتها الجديدة في البيت. لفترة طويلة، ظلّت تحلم بإكمال دراستها. لا جديد في هذه القصّة، علماً أن كثيرات تركن المدرسة لأسباب عدة رغماً عنهن. لكن ترابي حظيت بفرصة العودة إلى مقاعد الدراسة، بعدما التحقت وغيرها بدروس خاصة للنساء اللواتي اضطررن إلى ترك تعليمهن المدرسي في يوم من الأيام، بإشراف وزارة التربية.

تقول ترابي إنها تتابع تعليم أبنائها عن كثب، من دون أن تكون قادرة على مساعدتهم بسبب اختلاف المناهج التعليمية وصعوبتها. كانت المشاكل الاقتصادية والمعيشية سبباً في تركها الدراسة، فضلاً عن الزواج. حين كانت طفلة، لطالما شعرت أنها عبئ على عائلتها، وقرّرت مساعدتهم بالتخلي عما تحب. مرت أعوام كثيرة قبل أن تفعل ما تحب مجدداً. رغبتها في الدراسة لا ترتبط بمساعدة أبنائها فحسب، بل الحصول على شهادة جامعية أيضاً.
لا تشعر ترابي بالخجل. على العكس، تقول إنها تكون سعيدة حين تخرج من صفّها. تعرف عدداً لا بأس به من النساء اللواتي تركن مقاعد الدراسة في مراحل مختلفة. أبعدتهن الحياة عن مسارهن التعليمي، مشيرة إلى أنهن قادرات على العودة إليه في أي وقت.

غالبية النساء اللواتي يلتحقن بهذه الدروس يرغبن في متابعة تعليم أطفالهن. وكثيرات يقلن إنهن لم يتعلمن اللغة الإنجليزية عندما كن في المدرسة كما يجب، ما دفعهن إلى الالتحاق بمقاعد المدرسة الخاصة بهن لحاجتهن لدروس في اللغة أو غيرها من المواد.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفوف هي إحدى المقترحات المرتبطة بمشروع التعليم عن بعد. منذ ثمانينيات القرن الماضي، اتبعت إيران خططاً عدة هدفت إلى محو الأمية بالكامل في البلاد، وقد نجح الأمر إلى حد ما. إلا أن إنهاء المرحلة الثانوية لم يكن متاحاً بالنسبة لكثيرات، فلم يكن من وزارة التربية والتعليم إلا أن أقرت مشروعاً خاصاً بهن عام 2003، وأصبح هناك صفوف خاصة بهن في عدد من المدارس في بعض المناطق. في هذه الصفوف، لا يدرس مع طالبات أصغر سناً، بل يجتمعن مع أمثالهن، ما يجعلهن أكثر حماسة على التعلم.
عام 2010، انتقلت هذه الصفوف إلى المدارس غير حكومية، وقررت وزارة التربية والتعليم جعل خطتها أشبه بمبادرة اجتماعية تحت رعايتها، وسمحت للمدرّسات الراغبات بتقديم خدماتهن والتطوع للمساعدة في التعليم. قد يعود الأمر لعدم توافر الإمكانيات في الوزارة وقلة عدد المعلمين والمعلمات من الموظفين القادرين على الإشراف على هذه الصفوف، لكنها مهمة جعلت كثيرات ينخرطن في مشروع واحد من جهة، ومنعت تداعيه من جهة ثانية.



تقول إحدى المدرّسات المتطوعات، والتي رفضت ذكر اسمها، إن الفكرة تبلورت بسبب انخفاض المستوى التعليمي لدى شريحة معينة في المجتمع. تغيرت المناهج وباتت أكثر صعوبة. وتوضح أن عدداً من الآباء والأمهات لم يحصلوا على تعليم مناسب، ومنهم من اضطر إلى ترك المدرسة بعد المرحلة الابتدائية، ما أدى إلى تحول الفكرة إلى مشروع حقيقي لمساعدة النساء والأمهات تحديداً.
تضيف لـ "العربي الجديد" أن هذه الصفوف موجودة في جميع المناطق الإيرانية. وعلى الرغم من أنها لم تنتشر بعد، إلا أنها متوفرة وتلبّي الحاجات. تشير إلى أنه في المنطقة التي تدرّس فيها، هناك ثلاثة صفوف، وفي كل صف نحو 15 طالبة. وتوضح أن هذه الصفوف تستقبل نساء من أعمار متوسطة، غالبيتهن متزوجات لا يردن الحصول على فرصة عمل. هن ربات بيوت يسعين للحصول على الشهادة الثانوية التي تخولهن خوض امتحان دخول الجامعة، أو يرغبن في مساعدة أبنائهن، مضيفة أن غالبيتهن تركن مقاعد الدراسة لأسباب اقتصادية غالباً أو بسبب الزواج والإنجاب.

وكانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت أن هناك نحو 1307 مدارس فاعلة في الوقت الحالي، تضم نحو 180 ألف طالبة، وذلك في كل أنحاء إيران، علماً أن هؤلاء النساء يتابعن تعليمهن الإعدادي والثانوي. ولعلّ ارتفاع المستوى التعليمي في المجتمع، وتقدم النساء في التعليم ومجالات العمل، هو ما يدفع أخريات اضطررن إلى ترك مقاعد الدراسة في وقت سابق للعودة إليها، ولو في عمر متقدم. وما يميّز الإيرانيات هو تسلحهن بشهاداتهن الجامعية. ويرى كثيرات أن هذا سلاح يمكنهن من مواجهة الصعاب وتحقيق الأحلام ولو بعد حين.
من يزور إيران يلاحظ ارتفاع نسبة النساء في الجامعات وأماكن العمل. وتشير إحصائيات رسمية إلى أن 60 في المائة من طلاب الجامعات هم من الإناث. وتبلغ نسبة الإيرانيات المتعلمات 83 في المائة. أما نسبة النساء اللواتي أنهين تعليمهن الابتدائي فتقدر نسبتهن بـ 5 في المائة فقط، في مقابل 20 في المائة من الرجال. ويشير مركز الإحصاء الرسمي إلى أن 61 في المائة من النساء اللواتي يبحثن عن فرص عمل مناسبة يحملن شهادات جامعية.
كلّ هذه الأرقام تشير إلى أن كثيرات يرغبن بالتعلّم وتحقيق الأفضل. هذه النسبة بدأت ترتفع بشكل مضطرد منذ تسعينيات القرن الماضي، وصارت النساء أكثر قدرة على تحقيق الأفضل على الرغم من الصعوبات التي قد يواجهنها.

المساهمون