لاجئات يهربنَ من الحرب والرجل

لاجئات يهربنَ من الحرب والرجل

29 مايو 2016
تُحفظ للمرأة والطفل حقوقهما في المجتمع الجديد (الأناضول)
+ الخط -
تكثر أخيراً قصص انفصال أزواج من المهاجرين تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات إلكترونية أنشأها لاجئون وصلواً حديثاً إلى أوروبا، فيما يتداولها كذلك مهاجرون داخل مخيمات اللجوء ومراكز الاستقبال في هولندا.
بعض أحداث تلك القصص جرت بهدوء كامل وباتفاق بين طرفَي العلاقة الزوجية المنهارة. أما بعض آخر منها، فحدث وسط ضجيج وتدخّل اجتماعي وآخر من قبل الشرطة الهولندية. إلى ذلك، تضخّمت قصص كثيرة تداولتها الألسنة، الأمر الذي أساء إلى سمعة المعنيين والمعنيات. تجدر الإشارة إلى أنّ النميمة الاجتماعية غالباً ما تسجّل بين المهاجرين طالبي اللجوء في المخيمات، إذ سبق واعتاد عليها هؤلاء في مجتمعاتهم الأصلية، خصوصاً عندما ترتبط بخلافات زوجية.

مريم (اسم مستعار) طلبت فصل ملفها الخاص باللجوء عن ملف زوجها، وقد أرادت الانفصال عنه. تقول: "اتفقت مع والد ابني على كل شيء تقريباً. المياه بيننا لم تعد تجري في أودية الود منذ سنوات، ولديّ أسباب كثيرة تدفعني إلى طلب الانفصال. ليس ضرورياً أن يعرفها الناس ولا أن أذكر تفاصيلها". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "لولا اندلاع الحرب في سورية وخوفي على ابني وحياته وتعليمه، لما خرجت من البلاد". هي كانت تبلي حسناً في تدبّر شؤون عيشها، ومستقبل ابنها كان محلّ توافق دائم بينها وبين زوجها السابق وهو كذلك لغاية اليوم. وتوضح أنّها تسعى إلى السكن عند حصولها على الإقامة، على مقربة من محل سكن والد ابنها، "حتى لا تنقطع العلاقة بين الأب وابنه".

وتتابع مريم التي وصلت إلى هولندا من خلال لمّ الشمل الأسري: "برأيك، ما هو السبب الذي يدفع بامرأة جاءت من مجتمع محافظ نوعاً ما يعيب المطلقة، إلى طلب الطلاق والانفصال عن زوجها والسير بمعاملة اللجوء بملف منفصل عن ملفه؟". وتجيب نفسها: "لا بدّ من أن تكون الأسباب قوية، تعود إلى ما قبل هولندا وربما إلى ما قبل السنوات الصعبة التي تعيشها سورية أخيراً".

بينما يحاول الزوجان التحفّظ عن تفاصيل مشاكلهما، تماماً كما تفعل مريم، يصل الأمر بالمنتقدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في مخيمات اللجوء ومراكز الاستقبال إلى حدّ التأليف. من شأن ذلك أن يزيد الضغوط على المعنيّين، لا سيما المعنيّات. الزوجات هنّ الأكثر استهدافاً، إذ يُعتبرن - بدءاً من مجتمعاتهنّ الأصليّة - الطرف الأضعف، لا بل الذي يُمكن استضعافه. هكذا، تعاني "المستهدفة" في المخيّم أو المركز، من إحراج كبير.

في حالات كثيرة، يحصل الانفصال على خلفيّة علاقة متوترة في الأساس. قد تكون العلاقة أصيبت بانتكاسات بالغة نتيجة ذكورية المجتمع في المجتمعات الأصلية، الذي يمنح الزوج/الرجل سلطة مطلقة في تولي شؤون زوجته وأسرته وبيته. بالتالي، فإنّ الانتقال المفاجئ من "الاضطهاد" إلى "مساحة مع مظلة قانونية شاملة" يمنح ويحفظ للمرأة والطفل حقوقهما، لا بدّ من أن يجعل الزوجة تعي الفارق بين المجتمعَين وبين ما كانت تعيشه والمتاح أمامها. لا يمكن لأحد الإنكار أنّ المرأة في المجتمعات الشرقيّة عموماً، مجبرة إلى حدّ كبير على العيش في ظلّ الرجل، الذي قد يكون زوجاً مستبداً أو عنيفاً، وسط قصور وتواطؤ قانوني وثقافة اجتماعية تسلبها حقوقها وتمسح ملامحها. بالتالي، منذ لحظاتها الأولى في بلد اللجوء، تشعر بأنّها غير مهدّدة وبأنّ ثمّة باباً مفتوحاً أمامها للانطلاق والتخلّص من القيود التي تحمّلتها طويلاً. يُذكر أنّ نساءً كثيرات فكّرن بالأمر ملياً، حتى قبل الاستحصال على تأشيرة دخول.



في هذا السياق، فإنّ السؤال الأوّل الذي تطرحه السلطات على الزوجة الوافدة من خلال بند لمّ الشمل، هو إن كانت ترغب في فصل ملفها عن ملف زوجها، وذلك بحضور مترجم محلّف يوضح لها حقوقها القانونية والاقتصادية والاجتماعية المساوية تقريباً لما يحصل عليه اللاجئ الذكر. في حال ردّت بالإيجاب، فإنّها تُنقل بعيداً عن زوجها، ويُطلب منه عدم التعرّض لها في حين تحتفظ هي بحقّ الحضانة. وفي واحدة من حالات طلب الانفصال، تعرّضت امرأة إلى ضرب مبرح من قبل زوجها حين اختلفا على تفصيل بينهما. هذا ما كان يحدث عادة في بلدهما الأصلي، عندما لم تكن توافقه على أمر ما. لكن في هولندا، لا يمكن لذلك أن يمرّ من دون تبعات، فتدخّلت الشرطة وأوقفت الزوج واقتادته إلى خارج المخيّم، فيما نقلت الزوجة وابنتهما إلى مخيّم آخر.

تجدر الإشارة إلى أنّ سلوك الزوج أثناء انتظاره في هولندا تنفيذ قرار لمّ شمل أسرته، يلعب دوره أيضاً. أزواج كثيرون لا يجدون ضيراً في التعرّف إلى امرأة - في أوروبا - غير الزوجة التي تنتظر طويلاً لمّ الشمل وحدها أو مع الأبناء. وغالباً، تكتشف الزوجة ذلك، فتردّ في أوّل فرصة سانحة، طالبة الانفصال. في هولندا وأوروبا عموماً، بإمكانها فعل ذلك، وتكون وطأته الاجتماعية والعائلية أخفّ.

ليس الانفصال بين زوجَين مهاجرَين ظاهرة تستجدّ في بلدان اللجوء، لا بل هو موجود دائماً وفي البلدان الأصلية. الانفصال هو مجرّد نتيجة لواقع العلاقة بين زوجَين وثقافتهما وشخصيّة كل منهما، بعيداً عن المكان. لكنّه قد يبدو جلياً، في حال الانتقال المفاجئ والقسري أحياناً كثيرة، من ثقافةٍ أم إلى غربة ذات ثقافة مختلفة.

المساهمون