أصوات نسائيّة

أصوات نسائيّة

25 مايو 2016
تستعدّ للإدلاء بصوتها (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -

عرفت عن قرية معركة الواقعة في جنوب لبنان حين كنت لا أزال طالبة في الجامعة اللبنانية. أخبرنا عنها أحد الزملاء الذي كان يدرس علم النفس حينها. كوّنت فكرة عن القرية. بطبيعة الحال، جنحت إلى تنميط الصورة قليلاً أو ربّما كثيراً. في التفاصيل، رأيت نساءً محجبات داخل منازلهنّ لا يبارحنها، ورجالاً متدينين ومتشددين لا يسلّمون باليد. رأيت صغيرات يتزوّجن، وشابات يُحرمن من التعليم والسفر والعمل لمجرّد أنّ هذه الفرص هي خارج القرية أو محيطها.

بعد مرور سبع سنوات، دُعيت من قبل إحدى الجمعيات النسائية الناشطة في القرية للمشاركة في ورشة تدريب حول "الجندر". حين سمعت عن القرية التي ستعقد فيها الورشة، تراجعت، ولم أكن أعرف من أين أبدأ. لكنني تفاجأت، حين دخلت القاعة وتحدّثت قليلاً مع النساء قبل البدء بأعمال الورشة. شعرت بالخجل من نفسي بسبب الصورة النمطيّة التي تملّكتني طويلاً.

خلال الورشة، تعرّفت إلى نساء أربعينيات وشابات عشرينيات وعاملات وناشطات وطالبات جامعيات. هؤلاء لم يكنّ في حاجة إلى ورشة تدريب عن الجندر. لم يكنّ في حاجة إلى من يخبرهنّ عن حقوقهنّ التي كنّ يعرفنها بل يمارسنها. هذه المرة، لم يتحوّل الانطباع إلى صورة نمطية أخرى، إذ لا تحصل النساء جميعهنّ على حقوقهن، وما زالت "المنظومة البطريركية" قوية وفاعلة.

بعد مرور سنوات على التعرّف على هذه القرية للمرّة الأولى، وفي وقت ما زلنا في منظّمات المجتمع المدني النسائي نبحث عن سبل لدعم النساء وتشجيعهنّ على المشاركة السياسية والفاعلة في مواقع صنع القرار في الحيّز العام وحشد التمويل وإعداد الدراسات وتقييم الاحتياجات ورصد التحديات، قررت مجموعة من نساء تلك القرية الجنوبية الترشح للانتخابات البلدية والاختيارية. خبر ترشيح هؤلاء النساء، ومحاولة ترشيح أخريات قبيل الانتخابات، ولّد لديّ شعوراً عميقاً بالاحترام والتقدير. اتخذت هؤلاء النساء قراراً ونفّذنه بجرأة للوقوف في وجه العقلية الذكورية السائدة أولاً، وفي وجه المحدلة السياسية والحزبية المسيطرة في القرية ثانياً. أكثر من ذلك، اختارت مرشحتان عدم الانضمام إلى اللائحة التي حاولت النساء تركيبها في القرية، واختارتا الترشح كمستقلتين.

قبل 14 عاماً على اكتشاف قرية معركة، لم أكن أعرف أنني سوف أحصل على حقوقي السياسية قبل الانتخابات الحاليّة وأنني سوف أمارسها في هذه القرية بالتحديد، اليوم بعد كلّ هذه السنين. كلّ الاحترام للمرشحتين. صوتي الأوّل لكما.

* ناشطة نسوية

المساهمون