بيصارة وحلزون في شتاء المغرب

بيصارة وحلزون في شتاء المغرب

02 ديسمبر 2016
مأكولات تقاوم البرد (العربي الجديد)
+ الخط -
المأكولات الشعبية الشتوية في المغرب لا تؤمّن لبائعيها فقط بعض الرزق الممنوع عنهم صيفاً، بل الدفء للزبائن أيضاً

ما إن يحلّ فصل الشتاء وطقسه البارد على المغاربة، حتى تنتعش مهن ترتبط بهذه الفترة تحديداً، وهي مهن غذائية بالدرجة لكنّها بسيطة للغاية وشعبية. من ذلك بيع أكلة البيصارة ومشروب الخدنجال الشعبي، ومرق الحلزون.

في هذا الفصل تظهر عربات ومحلات بيع أكلة البيصارة الشهيرة في البلاد، وهي عبارة عن فول يدهس بعد إزالة القشر منه، حتى يصير مثل العصيدة. يُطهى في الماء مع بعض التوابل وزيت الزيتون، فيمنح أكله طاقة للجسم.

يقول المختار، وهو أحد باعة البيصارة لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الأكلة تُشعر من يأكلها بالكثير من الدفء. هي في رأيه تلعب دور البديل عن الدواء الذي يوفر المناعة للجسم ضد برودة الطقس. يتابع أنّ ميزة هذه الأكلة أنّها شعبية، فهي في متناول الفقراء بسعرها الزهيد. يطبخها هؤلاء في بيوتهم فلا يتكلفون إلاّ القليل لشراء الفول. مع ذلك، فإنّه يؤكد أنّ من يحبون هذا النوع من الطعام ليسوا فقط من الفقراء: "الدليل على ذلك ظهور عدد من الوزراء يتناولونها في مقاهٍ ومطاعم شعبية".

بدوره، يعتبر خبير التغذية الدكتور محمد الفايد أنّ أكل البيصارة في الطقس البارد أهم دواء ضد أمراض الشتاء. يضيف أنّ إعداد البيصارة بشكل جيد وصحي يتطلب إضافة التوابل إليها مع البصل. يدعو الفايد إلى الإقبال بشكل أكبر على تناول هذه الأكلة.


يحتوي فول البيصارة على البروتين، والعديد من الفيتامينات، والأملاح المعدنية، مثل الحديد والفسفور، كما يشتمل على مركبات كيميائية تقاوم أمراض السرطان التي تصيب الفم. كذلك، فإنّه مفيد للقلب لزيادته مستوى الكولسترول الجيد في الدم، ويساهم أيضاً في تعزيز المناعة ضد الأمراض.

ليست مهنة بيع البيصارة وحدها التي تظهر وتنتعش بقوة في موسم الأمطار والطقس البارد في المغرب، لكن أيضاً مهنة بيع الخدنجان أو الخدنجال. هو نبات عشبي بأزهار بيضاء وحمراء، يُطبخ بشكل جيد في وعاء كبير، وتضاف إليه توابل تمنح الدفء للجسم.

يقول أنيس، وهو أحد باعة هذا المشروب الساخن، لـ"العربي الجديد"، إن بيع الخدنجال يدوم بالإضافة إلى فصل الشتاء عدة أشهر أخرى. وبالتأكيد فإنّه أكثر رواجاً في الطقس البارد لاحتوائه على توابل حارة تطرد البرد. يتابع أنّ البيع يتركز أكثر في الأحياء الفقيرة. وهو شخصياً يبيع أكثر من 60 لتراً يومياً. يستخدم الكؤوس التي لا يتجاوز سعر الواحد منها درهماً واحداً (100 سنت أميركي). كذلك، فإنّ الزبائن لا يقتصرون على الفقراء، بل من مختلف الطبقات وفقاً لأنيس. ويشير في هذا الإطار إلى أنّ عدداً من أصحاب السيارات الفارهة يأتون إليه من أجل أخذ كميات كبيرة من هذا المشروب "لأنه يساعد أيضاً في تحسين القدرة الجنسية" كما يزعم.

بيع الحلزون، أو "الغلالة" أو "الببوش" باللغة الدارجة مهنة أخرى تنتعش كثيراً في فصل الشتاء. يقول البائع با العياشي الذي يمتهن بيع مرق الحلزون المعروف باسم "البلول" إنّ كثيراً من الزبائن يتهافتون على المرق الذي يؤمن الدفء. يتابع أنّ هذه المهنة ليست لها معايير تحدد المداخيل، فقد يكون المتاجر فيها ميسوراً مثل حالة أحد مالكي العقارات الذي يبيع الغلالة. فهذا التاجر يمتلك سلسلة عربات يؤجرها لعدد من الشبان العاطلين من العمل. مع ذلك، فإنّ هناك باعة آخرين لا يملكون حتى قوت يومهم، فمداخيلهم تقتصر على فصل الشتاء، بينما ينفقون في الصيف كلّ ما جمعوه. فبيع الحلزون ومرقه في فصل الصيف تجارة خاسرة للغاية نظراً إلى عدم إقبال أكثر الناس عليه في الطقس الحار.

من جهتها، تعلق الباحثة الاجتماعية ابتسام العوفير لـ"العربي الجديد" على رواج مهن فصل الشتاء، بالقول إنّها مهن موسمية ترتبط بفصل يدوم بضعة أشهر فقط. وهو ما يطرح السؤال حول مهنة هؤلاء الباعة في فصول أخرى. توضح أنّهم إمّا يستمرون في مهنتهم، وهذا يعرضهم إلى خسارة كبيرة، أو أنهم يلجؤون إلى مهن أخرى، وهذا بدوره يطرح مسألة الاستقرار المهني لهذه الفئة على بساط البحث.

تتابع العوفير أنّ مهن الشتاء تشبه مهن الصيف، فهي تقتصر على موسم واحد، ولا توفر المداخيل الكافية طوال أشهر العام، فما يحصل عليه الباعة في الشتاء من مبالغ مالية يغطي بالكاد مصاريفهم ومصاريف أسرهم في بقية الفصول. تؤكد كذلك أنّ هذا النشاط الاقتصادي العشوائي غير الممأسس هو نوع من البطالة المقَنعة، خصوصاً أنّه لا يحلّ الأزمة أبداً، بل يمثل هو نفسه جزءاً رئيسياً من أزمة الفقر في المجتمع المغربي.