سعوديون يطالبون بقانون للحدّ من التحرّش الجنسي

سعوديون يطالبون بقانون للحدّ من التحرّش الجنسي

07 اغسطس 2015
تسجيل 3982 حالة تحرّش في العامين الماضيين
+ الخط -


في تسجيل مصور مدته دقيقة واحدة رفع على موقع "يوتيوب" الشهر الماضي، تسير امرأتان سعوديتان على طول الممشى الساحلي بمدينة جدة السعودية الواقعة على البحر الأحمر، بينما تسخر منهما مجموعة من الشبان وتتبعانهما حتى أصبحتا ثائرتين بشكل واضح.

انتشر التسجيل المصور بسرعة وأدى إلى جدل شعبي نادر حول حقوق المرأة في بلد يصنّف نفسه كدولة إسلامية تتمسك بأقسى فصل بين الجنسين في العالم.

النشطاء الحقوقيون والمعلقون انتقدوا الرجال الظاهرين في التسجيل المصور لتحرشهم جنسياً بالسيدتين اللتين كانتا ترتديان الجلباب الأسود التقليدي المعروف باسم العباءة، إلى جانب النقاب.

الغضب الشعبي، الذي تم التعبير عنه في وسائل الإعلام وعلى شبكة الإنترنت، حض على إجراء تحقيق شرطي. وذكرت وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة أن الشبان الستة الضالعون في الأمر اعتقلوا وجرى استجوابهم.

بعد ذلك، أخذت الأمور منعطفاً حاداً.

بعد أيام، ظهر تسجيل مصور آخر تظهر فيه الشابتان إياهما. وجرت مشاركته على المواقع الإخبارية شبه الرسمية، وتم تحميله على المواقع الإلكترونية التابعة للقنوات المملوكة للقطاع الخاص، مثل تلفزيون روتانا، الذي أشار إلى أنه جرى تسجيله قبل الاقتراب من السيدتين ومخاطبتهما بطريقة وقحة.

في التسجيل المصور، كانت السيدتان تركبان دراجة رباعية على الممشى الساحلي بينما كان الشبان يشاهدانهما. وقامت إحداهما بقذف "عقال"، وهو حبل أسود يرتديه الرجال السعوديون فوق رؤوسهم كجزء من زيهم التقليدي، باتجاه الرجال. وانفجر الرجال بالضحك وصاحوا على اللفتة التي قامت بها المرأة.

فجأة، لم يعد يُنظَر إلى المرأتين على أنهما ضحيتين من قبل المشاهدين الذين اتهموهما بأنهما "غير محتشمتين".

ورغم أن الرجال والنساء في السعودية يعملون إلى جانب بعضهما البعض في الأماكن مثل المصارف والمستشفيات، فإنه من المحظور اجتماعياً اختلاط الرجال والنساء غير المتزوجين، سواء في الأماكن العامة أو الأماكن الخاصة، وتلتزم النساء بالزي المحافظ الذي غالباً ما يتضمن تغطية الوجه بالكامل.

ومن غير المسموح للنساء السعوديات بقيادة السيارات وركوب الدراجات الرباعية في المناطق الأكثر تحفظاً. لكن في جدة، التي تعد محوراً بحرياً وبوابة ملايين الحجاج المسلمين القادمين إلى المملكة، لا تقوم بعض النساء بتغطية وجوههن والعباءات لا تكون دائماً سوداء.

وهناك ممرات للمشي، حيث يمكن للرجال والسيدات، المرتديات عباءات سوداء رياضية، أن يقوموا بنزهة إلى جانب بعضهم البعض، وهي مساحات عامة ليست موجودة للمواطنين السعوديين العاديين في العاصمة الرياض.

وقال المستشار القضائي يحيى الشهراني، لموقع "سبق" الإخباري شبه الحكومي، إنه يعتقد أن السيدتين تصرفتا بطريقة "مثيرة ومغرية". مضيفاً أنه سيكون من الظلم التحقيق وربما إحالة الرجال إلى المحاكمة "بدون اتخاذ نفس الإجراء حيال من قام بالإثارة والإغواء، وهما الفتاتان".

وألقى الشهراني باللائمة أيضاً على أولياء أمور السيدتين الذين سمحوا لابنتيهما بالتواجد في مكان عام وحولهما شبان.

ويعد الجدل الذي انبثق عن التسجيلين المصورين هامّاً، حيث جلب هذه القضية إلى دائرة الضوء وفضح المعاناة التي تواجهها المرأة السعودية في الأماكن العامة.



وتقول وزارة العدل إنه جرى تسجيل 3982 حالة تحرش جنسي على مدار العامين الماضيين. غير أن ذلك الرقم يتضمن أيضاً حالات الاعتداء الجنسي والاغتصاب، حيث لا يوجد تعريف قانوني لماهيّة التحرش الجنسي في السعودية.

ويزعم النشطاء في مجال حقوق المرأة السعودية والنقاد الليبراليون أن التحرش الجنسي شائع جداً في المملكة، ودعوا إلى سن قانون يجرّم مثل هذا السلوك.

وقالت الناشطة تماضر اليامي، إنه بغض النظر عن ما إذا كانت المرأة السعودية تظهر وجهها أم لا فإنه ينظر إليها على أنها "مجرد جسد حي للتحرش به".

أضافت: "التحرش شيء تراه بشكل يومي، إنه متوقع ومسلّم به. هذه هي الطريقة التي يشيع بها. إنه يثير الجدل فقط عندما تلتقطه الكاميرا".

وتوجد بمواقع التواصل الاجتماعي وموقع يوتيوب تسجيلات مصورة من كافة أرجاء المملكة تظهر على ما يبدو سيدات يتم التحرش بهن. في أحد تلك التسجيلات بمدينة الطائف، وسط البلاد، تتبع مجموعة من الشبان فتاة شابة بطريقة عدوانية بينما كانت تسير بالقرب من مركز للتسوّق.

وتقول الشرطة إنه تم اعتقال رجلين بعد ذلك، على الرغم من أن لا الفتاة ولا عائلتها أبلغوا عن الحادث.

ورغم منح المرأة السعودية حق الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية المقررة في وقت لاحق من العام الحالي، لا تزال حياة السعوديات تحت هيمنة أقاربهن الرجال.

ووفقاً لقوانين الوصاية، تحتاج المرأة إلى إذن من أحد الأقارب الذكور، وعادة ما يكون الأب أو الزوج، كي تسافر أو تعمل في الخارج. وكثير من المستشفيات تطالب بمثل هذه التصاريح للنساء من أجل أن يخضعن لإجراءات طبية.

ويرى كثيرون داخل المؤسسة الدينية القوية أن وصاية الرجل على المرأة تحمي النساء، ويقولون إن السماح للنساء بقيادة السيارات يعرّضهن للتحرش الجنسي، من بين خطايا أخرى.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب خالد المعينا، المقيم في جدة، إن هذه القيود فشلت في نهاية المطاف في حماية المرأة، مضيفاً أن التعليم الديني يجب أن يركز على ثوابت الصواب والخطأ الأساسية في الإسلام.

المعينا من بين عدد من رموز المجتمع الذين دعوا مجلس الشورى، الذي منح المرأة عضويته للمرة الأولى العام الماضي، إلى التوصية بقانون لمكافحة التحرش الجنسي كي يصدق عليه مجلس الوزراء والملك سلمان.

ومن بين الداعمين الآخرين للمبادرة عضو مجلس الشورى، ثريا إبراهيم العريض، التي قالت إنه في ظل عدم وجود قانون، يظل تعريف التحرش فضفاضاً، وتترك عقوبات الاعتداء الجنسي والاغتصاب للتقديرات الواسعة للقضاة في ما يتعلق بتفسير الشريعة الإسلامية.

وقالت العريض إن من شأن القانون "أن يوضح التفاصيل، لأنه سوف يعاقب على أي تحرش سواء أكان اعتداءً جنسياً على قصّر أو بالغين، بما في ذلك الأطفال والقصّر داخل وخارج منازلهم".

لكن مناقشة مجلس الشورى لمشروع قانون يتناول كل ما يشتمل عليه "التحرش الجنسي"، تأجلت العام الماضي بسبب أعضاء رأوا أن مثل هذه المناقشات قد تشجع النساء على الخروج من المنازل بزي أكثر إثارة ويختلطن مع الرجال. ولا يزال مشروع القانون المقترح لدى المجلس، بانتظار مزيد من العمل.

وفي غياب التشريع، يظل من غير الواضح كيفية مقاضاة متحرشين ظهروا في تسجيل مصور بجدة والطائف، على الرغم من وجود قوانين شاملة تتعلق بالإخلال بالنظام العام وانتهاك السلوكيات الإسلامية، والتي استخدمت في قضايا سابقة.

ويرى البعض أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو المطاوعة، يجب أن تطبّق الفصل بين الرجال والنساء بمزيد من الحزم، لا سيما في أماكن مثل الممشى الساحلي في جدة.

ويقول المعينا إن التقاليد، مثل تلك التي تشترط على النساء مرافقة رجل أثناء الخروج في نزهة أو لقضاء حاجات شخصية، أتت بنتائج عكسية، كما أنها تعزز المواقف السلبية للرجال تجاه النساء في أعمار صغيرة.

وأضاف: "إنها طريقة تفكير. لا يتم تعليمهم في المنازل احترام حق المرأة".


اقرأ أيضا:السعودية: ضبط متحرشي الطائف والبحث عن فتاتي جدة