الوحدة قاتلة في الدنمارك

الوحدة قاتلة في الدنمارك

03 يوليو 2015
الوحدة تقصّر الأعمار (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل ثلاثة أشهر، توفي يانس في شقته الصغيرة في أحد المجمعات السكنية في ضاحية مدينة دنماركية متوسطة الحجم. لم يُكتشف ذلك إلا بعد فترة، عندما اشتكى الجيران من انبعاث رائحة قوية مزعجة، ما اضطر الشركة المكلفة بالسكن إلى تحديد مصدرها. دخل المعنيون شقته ليجدوا الرجل الستيني المتقاعد وقد فارق الحياة بصمت.. وحيداً. هذا مجرّد مثال من المجتمع الاسكندنافي الذي يعدّ متقدماً ومتطوراً لجهة البنية التحتية والرفاهية، في حين يعاني أفراده من العزلة.

إلى جانب سلبيّة الوحدة بحدّ ذاتها، يمكن القول إن أبرز الآثار السلبية لتلك الوحدة ترتبط بالجانب الاقتصادي. فالتكاليف التي تصرف على القطاع الصحي ارتباطاً بهذه المشكلة، تصل سنوياً إلى نحو نصف مليار دولار أميركي. ويوضح اختصاصيون اجتماعيون أن الأفراد حين يعيشون في وحدة، يصبحون أكثر عرضة للأمراض باختلاف أشكالها، وخصوصاً في غياب العلاقات العائلية والاجتماعية التي تعبّر عادة عن مجتمع صحي.

بحسب المعهد الوطني للصحة الشعبية، فإن تلك التكاليف السنوية الناجمة عن الانقطاع في العلاقات الأسرية تزداد إذا ما تعرّض الشخص إلى وعكة صحية من دون رعاية عائلية. وهذا يعني بلغة الأرقام 10 آلاف حالة استشفاء سنوياً و250 ألف مراجعة طبيب كناتج لضعف العلاقات الاجتماعية والأسرية تحديداً.

ويؤكد المعهد على أن الوحدة تقصّر الحياة وتؤدي إلى الموت، فتشير أرقامه الرسمية إلى أن تلك الوحدة تقتل سنوياً ما بين 1000 و1500 شخص كنتيجة لضعف العلاقات الاجتماعية في المجتمع عموماً. وبحسب ما تفيد دراسات متخصصة، فإن الوحدة تقصّر أعمار الرجال ثلاث سنوات أما النساء فسنتَين.

وإذا أردنا شرح الأمر من خلال قصّة يانس، هو قد يكون تعرّض لنوبة قلبية بسيطة وكان يمكن إنقاذه عبر إسعافه من قبل أحد أفراد أسرته لو لم يكن يعيش بمفرده. بالتالي أودت الوحدة بحياته كما تفعل مع مئات من أمثاله.

إلى ذلك، يجد المتخصصون في الصحة الشعبية أن غياب العلاقات الأسرية وضعفها يؤديان سنوياً إلى فقدان حياة ربع من هم فوق الخامسة والستين.

وما يحاول المتخصصون في الصحة الشعبية فعله هنا، هو الدفع بالمجتمع الدنماركي باتجاه إعادة اللحمة الاجتماعية إلى ما كانت عليه قبل تسارع وتيرة الحياة وتفكك الأسر بفعل التطوّر الذي يعزو عدد كبير من هؤلاء الخبراء سببه إلى طغيان الفردية على تلك المجتمعات المتطوّرة.

ويحمّل هؤلاء الاختصاصيون الحكومة مسؤولية تحقيق ما أسموه "الهدف الوطني من أجل صحة المجتمع في خلال السنوات العشر المقبلة" لخفض الوحدة التي يعيشها أفراد المجتمع، وللتوصّل إلى مستوى صحة نفسية أفضل في مجتمعهم. ويأمل هؤلاء أن تؤدي الفترة المقبلة إلى خفض نسبة الذين يعيشون في عزلة بنحو 10 في المائة لمن هم فوق السادسة عشرة.

وفي هذا السياق، ركزت مؤسسة البث الإذاعي والتلفزيوني الرسمية بدءاً من شهر أبريل/نيسان الماضي على هذه المشكلة الاجتماعية المتمثلة في الوحدة تحت عنوان "واحد مثلي"، لتشجيع الناس على التواصل والتراحم ونسج علاقات جديدة في ما بين الأرامل، بالإضافة إلى إقامة صداقات وتواصل أسري في ما بين الذين انقطعت صلاتهم.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 200 ألف شخص في الدنمارك يعيشون في عزلة تامة من دون أي تواصل مع أسرهم أو محيطهم الاجتماعي. وانطلاقاً من هذه الأرقام، يمكن القول بأن نحو 4 في المئة من مجموع الشعب يعانون من تلك المشكلة التي يراها أهل الاختصاص خطيرة في تزايدها سنة بعد أخرى.

وفي مجتمع ترتفع فيه أعداد كبار السن مع تعزيز الاهتمام بصحة الناس، يُعدّ من هم فوق الثمانين النسبة الأكثر عرضة للعزلة، نتيجة تقدمهم بالعمر وعدم قدرتهم على التواصل بمفردهم. وهذه الفئة العمرية هي التي يخسر أفرادها شركاء عمرهم، وهو ما يتركهم من دون أي أقارب. تجدر الإشارة إلى خمسة آلاف شخص توفوا في الدنمارك في عام 2012، من دون أن يكون لهم ولا قريب واحد في جنازاتهم أو في أثناء موتهم في المشافي.

والمؤسف بحسب وسائل الإعلام التي باتت تركز على هذه القضية، أن بعض كبار السن الذين يعانون من وحدة تامة راحوا يقيمون صداقات مع أصحاب دور الجنازات، وهو مؤشر إلى "حالة الإحباط" التي يعيشها هؤلاء الوحيدون. هم يجدون أن الموت هو سبيلهم الوحيد.

وكانت الأميرة ماري زوجة ولي العهد الدنماركي فريدريك، قد أنشأت مؤسسة "ماري" في محاولة للتخلص من مشكلة الوحدة في المجتمع.

إقرأ أيضاً: كفالة الحقوق الجنسيّة للمعوّقين