أخضر أصفر

أخضر أصفر

25 مايو 2015
آلاف المشجّعين غُلّفت عصبيّاتهم المختلفة بالتشجيع الرياضي (فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن المرة الأولى التي ذهبنا فيها لمشاهدة مباراة في كرة السلة بريئة تماماً. أصرّ أحد شبان المنطقة، وهو عضو في رابطة مشجّعي النادي الأصفر، على دعوتنا للتشجيع في الملعب. وبما أن الدخول كان مجانياً، تحمّسنا وذهبنا.

مراهقون اكتشفنا الرياضة الجديدة على أرض الملعب بعدما بدأت تطلّ بمبارياتها من شاشات التلفزيون. من متع هذه اللعبة أن التسجيل فيها يستمرُّ من أول المباراة إلى آخرها، ويتخلّلها الكثير من العروض الفنية، ولو ظلّت محصورة غالباً بأصحاب القامات الطويلة.

لم تكن اللعبة التي بلغت أوجها بين منتصف التسعينيات وآخرها لتلمع لولا أن تلقيناها، نحن الموهومون بعصبيّاتنا الضيقة، كجزء من مسلسل تحدّياتنا المستمر تجاه الآخر.

خيّل لبعضنا أن فريقه لكرة السلة كان الدنيا كلّها: الحزب والمنطقة والعائلة والطائفة والبطولة. ادّعينا أننا لاطائفيون وأننا نشجّع فريقاً "مختلطاً". بعضنا كان واضحاً مع نفسه في ما خصّ غرائزه حدّ الفجاجة، وبعضنا الآخر تحايلَ عليها بإرادة أو من دونها، وقلّة قليلة رأت في المباريات مجرّد رياضة حقيقية.

امتلأت الملاعب بآلاف المشجّعين الذين غُلّفت عصبيّاتهم المختلفة بالتشجيع الرياضي، الذي لم يكن حضارياً بطبيعة الحال. لم يكن الأمر مجرّد كرة تتنافس عليها مجموعة من اللاعبين. كانت المباريات الحسّاسة تتعطّل، وتؤمّنها أعداد كبيرة من القوى الأمنية، وتنتهي باعتقالات أحياناً.

تقاطع الرياضي مع السياسي والمذهبي والمناطقي. مع ذلك، تطوّرت اللعبة بسرعة بعدما صارت منفذاً للشباب حين جرى تضييق النشاطات السياسية عليهم. استُقدم لاعبون أجانب، ضخّت أموال كثيرة، وواكبت الشاشات اللعبة. المجموعات المذهبية كانت لها فرقها. ظنّ المشجّعون أنهم يخوضون المباريات دائماً في وجه "أعداء" وليس مقابل خصوم رياضيين. الروح الرياضية كادت تكون نكتة.

ارتفعت الشتائم والشعارات التي تساهم في إشعال الحروب الأهلية في القاعات. لو سُمِح لها أن تخرج إلى الشارع لخسرنا كلّنا في مباراة الحفاظ على السلم العام. لعلّنا خسرناه بكل الأحوال.
ومع أن الفِرَق في الدوري كانت متعددة، ومن ألوان كثيرة، إلا أن صراع الأخضر والأصفر ظل دائماً ذا طعم مختلف. طعم مجبول بكراهية الآخر.

بالأمس القريب انتهت البطولة اللبنانية. لم يصل فيها الأخضر إلى النهائيات لمواجهة الأصفر كما جرت العادة. لذلك، لم تكن نهاية البطولة حماسية. لم تقتصر إلا على الرياضة. وهذا ما لم نتعوّده.


اقرأ أيضاً: ابتَعِد عن الصبي  

المساهمون