عبد الرحمن بن عمرو.. شيخ الحقوقيين في المغرب

عبد الرحمن بن عمرو.. شيخ الحقوقيين في المغرب

20 نوفمبر 2015
من مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (رسم: أنس عوض)
+ الخط -
على الرغم من كتفيه المنحنيتين، ما زال يتقدم المسيرات الاحتجاجية ويواجه أحياناً رجال الأمن وهم يردعون المحتجين. نظافة ذمته ويده، يضرب بها الخصوم المثل

غزا الشيب رأسه وأثقلت السنون خطواته، لكن روحه ظلت شابة متوقدة، لا تخطئه عين في أي تظاهرة أو مناسبة حقوقية. هو يحرص على المشاركة فيها حتى لو اختلف مع منظميها، إذ إنه وضع نصب عينيه مناصرة حقوق الإنسان في بلده، أكثر من اهتمامه بالأيديولوجيات السياسية. إنه الناشط الحقوقي المغربي البارز والقيادي اليساري المعروف عبد الرحمن بن عمرو، الذي لم يجد وزير العدل والحريات مصطفى الرميد وصفاً يليق به فقال عنه "إمام الحقوقيين المغاربة والرجل العظيم" الذي لا يمكن إلا أن ترفع القبعة احتراماً لشخصه ونضاله من أجل تطوير الحريات في المملكة.

أبصر بن عمرو النور في عام 1933 في مدينة الرباط، وعرف النضال الحقوقي منذ سنوات شبابه الأولى إذ انخرط في عدد من الهيئات والمبادرات ذات الطابع الحقوقي التي تطالب بكرامة الإنسان المغربي. وقد اختار لذلك التيار اليساري والاشتراكي. وبعدما انخرط في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (يساري)، تركه في عام 1984، لينشئ مع عدد من رفاقه اليساريين حزباً آخر أطلقوا عليه اسم "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، وذلك في محاولة لتصحيح الاختلال الذي رأوا أنه طاول مسار حزب الاتحاد الاشتراكي.

لا يُخفى على أحد أن بن عمرو مناضل حقوقي فذّ وبعيد عن اللغة الخشبية ولا يراوغ ولا يهادن ولا يجامل في القضايا التي يترافع عنها، أو في الملفات التي يتبنّى الدفاع عنها كحقوقي. ولأنه كذلك، كانت لنضالاته ضريبة، وخضع مرات عدة للمحاكمة. وصدر بحقه حكم بالسجن ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ في عام 1981، فيما قضى ثلاث سنوات في السجن ابتداءً من عام 1983 بسبب مواقفه السياسية والحقوقية.

إلى ذلك، عُرف بن عمرو بين رفاقه وخصومه بتحرّره من الخوف وبثباته في مواقفه ومبادئه، مهما اختلف معه المرء حول أفكاره وخلفياته الأيديولوجية. بالتالي لا يمكن إلا احترامه وتقدير شخصيته، والإنصات إليه عندما يتحدث نظراً لعمق تفكيره ورصانة تحليله بلغة راقية خالية من التحامل أو التزلف.

وقد اختار المناضل هذا الطريق الشاق "طريق الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته كيفما كان ومهما كان وضعه في المجتمع، ليس ترفاً ولا رغبة في الشهرة وأضواء الإعلام". كان اختياراً منهجياً تحمّل بسببه صعوبات عديدة.

وفي حين بدّل رفاق كثيرون مواقفهم ومواقعهم وفق ما تقتضيه "الضرورة" والأوضاع السياسية في البلاد، طمعاً في مناصب أو تزلفاً أو حباً بالشهرة والأضواء، لم يتلوّن "إمام الحقوقيين المغاربة" ولم يتغيّر. قليلون هم الذين تشبثوا بمواقفهم الأصلية، حتى اتهمهم البعض بالجمود والحنين إلى الماضي.

وبن عمرو "محارب متجرد، يكابد الصعاب والمشقات من أجل إغاثة أي لهفان وإنجاد أي مستصرخ، لا يفرق في ذلك بين يساري أو إسلامي أو عسكري، لأن مطلبه هو تحقيق العدل والدفاع عن المظلومين". هذا ما يؤكده عبد الله لعماري من القيادات السابقة في تنظيم الشبيبة الإسلامية، وأحد المحامين الذين واكبوا مسيرته وعرفوه عن كثب. أما بالنسبة إلى خالد الشرقاوي السموني الرئيس السابق للمركز المغربي لحقوق الإنسان، فهو "مناضل مرموق في اليسار المغربي ورجل المبادئ والتضحيات. لم ينل السجن ولا المضايقات التي تعرّض لها من عزيمته الفولاذية في الذود عن حقوق الإنسان في المغرب".

تُعدّ مرافعات بن عمرو وهو من مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في عام 1979، مرجعاً قانونياً للطلبة والباحثين، خصوصاً في القضايا الإدارية التي ترافع فيها ضد الدولة المغربية.

وكان بن عمرو قد دافع عن الشيخ الراحل عبد السلام ياسين، الزعيم الروحي لجماعة العدل والإنسان، وقد تشاركا السجن، وناقشا القضايا الخلافية بينهما من دون اللجوء إلى اتهامات بالتخوين أو الرجعية، بحسب السموني. وبن عمرو دافع عن الشيخ ياسين عندما كان معتقلاً ومن ثم في إقامته الجبرية، كذلك دافع عن جماعة العدل والإحسان وأعضائها بصفة عامة، ودافع وتضامن مع حزب البديل الحضاري قبل الترخيص له وبعد حله، وأيضاً حزب الأمة الذي لم يرخّص له. وقد ترافع أيضاً دفاعاً عن المعتقلين السلفيين والإسلاميين.

ولا يغيب عن أحد حضور المناضل الحقوقي المغربي المرموق والمخضرم في جميع المسيرات والوقفات الاحتجاجية في البلاد، إما دفاعاً عن القضية الفلسطينية، أو عن قضايا الشعوب العربية العادلة، أو دفاعاً عن حقوق الإنسان ككل، أو مناهضة للاستعمار والإمبريالية. هو "مدرسة حقوقية في حد ذاتها، تتسم بالاحترام والوقار"، وفقاً للسموني.

إقرأ أيضاً: "روبن هود" المغرب: محاربة الفساد واجب أخلاقي

المساهمون