أنوثة مهشّمة

أنوثة مهشّمة

07 أكتوبر 2015
هي، تخوض أكثر من معركة... (فرانس برس)
+ الخط -

بخطى متردّدة، تدنو من المرآة الكبيرة في غرفة نومها. المرآة بيضاويّة الشكل، من خشب الكرز الذي زُيّن بزخرفة أنيقة. هي بحثت كثيراً قبل أن تعثر على مرادها. لم تشأ اقتناء مرآة عاديّة. لكن، مرّ زمن لم تقترب منها، كأنما هي نجسة.

ما إن تلمح انعكاسها في بلّور المرآة، حتى تُطبق جفونها وتشدّ بذراعَيها على صدرها. تشعر بغثيان. أرضيّة الغرفة، كأنها تميد بها. ترفع رأسها إلى الأعلى، لعلّ غثيانها ينحسر وكذلك دوارها. وتحاول استرداد أنفاسها. تسكن بعض الشيء.

لا بدّ لها الآن، من أن تفتح عينَيها. حان وقت المواجهة. تعجز. تركض إلى سريرها الكبير وترتمي عليه كمراهقة مكسور فؤادها، قبل أن ترفع المرأة الأربعينيّة يدها عن ثديها المشوّه وتمسح دموعها.

---

إنه أكتوبر، شهر التوعية الزهريّ حول سرطان الثدي. فيه، تُستنفر كلّ الجهود لتنظيم الحملات ودفع النساء - حول العالم - إلى إجراء الفحوصات اللازمة للكشف المبكر عن ذلك المرض الخبيث، الذي لا يكلّ الأطباء ذوو الاختصاص عن شرحه. وتُقدَّم لهنّ الإرشادات حول كيفيّة إجراء الفحص المنزليّ، وتوزّع عليهنّ قسائم مجانيّة لصور إشعاعيّة وأخرى صوتيّة. وتُستضاف في بعض الندوات والبرامج الإعلاميّة، ناجيات من المرض يسردنَ تجاربهنّ قبل أن يحثّنّ كلّ أنثى على زيارة طبيبها. الكلّ مهتمّ بصحّة النساء، فهنّ جميعهنّ مريضات سرطان محتملات.

لافت ومشجّع هذا الاهتمام، الذي لا يغيب عنه العالم العربيّ. لكن، هل مَن يشعر بقلق امرأة تتوجّه إلى مستشفى أو مركز طبيّ لإجراء صورة إشعاعيّة، من دون أن يتّهمها بالمبالغة؟ هل مَن يتفهّم تلك الهواجس التي تنتابها، في انتظار صدور النتائج؟ وإذا ثبتت إصابتها، مَن يكترث بمخاوفها ويهدّئ من روعها، من دون أن يمنّنها بأنّ الطبّ تَقدّم في عصرنا والأساليب الجراحيّة تطوّرت وكذلك العلاجات الكيميائيّة والإشعاعيّة والدوائيّة؟

الكلّ مهتمّ. الكلّ يحاول الإثبات أنه يقوم بواجبه كاملاً تجاه هؤلاء اللواتي يستهدفهنّ قاتل النساء الأوّل بين السرطانات. الطبيب يؤدّي واجبه العلاجيّ. الأهل واثقون من أنهم يدعمون مريضتهم، فيسهرون على راحتها ويرافقونها في رحلاتها الأسبوعيّة أو الشهريّة لتلقّي علاجاتها السامة. الأصدقاء يحاولون الترويح عنها، حتى أنهم في بعض الأحيان يبالغون.

كلّ هؤلاء يهتمّون، لا شكّ في ذلك. لكن، ثمّة تفصيل يغفلون عنه. هي، تخوض أكثر من معركة. قد تقاوم في واحدة وتستسلم في أخرى، أو قد تستسلم في جميعها. قليلات هنّ اللواتي يقاومنَ على الجبهات جميعها. ولعلّ المعركة الأبرز التي يغفلونها، هي تعايش المصابة أو الناجية مع أنوثتها المهشّمة. صورتها تهتزّ، وقد استهدف المرض رمز الأمومة والإغراء لديها.

اقرأ أيضاً: قبل أن تحين الساعة

المساهمون