مهاجرو ألمانيا.. أزمة السكن أسوأ من بلدانهم

مهاجرو ألمانيا.. أزمة السكن أسوأ من بلدانهم

20 أكتوبر 2015
يفترض أن ينتقلوا من خيمهم بنهاية الشهر الجاري (Getty)
+ الخط -

ما زالت أعداد كبيرة من المهاجرين في ألمانيا تسكن الخيم غير المعزولة، على الرغم من انخفاض درجات الحرارة مع بداية فصل الخريف، خصوصاً أنّها تتدنى إلى 3 درجات تحت الصفر في المناطق المرتفعة نسبياً. والسؤال الذي يطرح حالياً: هل من خطة طوارئ حقيقية لحماية هؤلاء من البرد القارس، بعائلاتهم وأطفالهم؟
بحسب وزارة الداخلية الألمانية، فإنّ نحو 4 آلاف مهاجر يتواجدون في ولاية سكسونيا السفلى. ومن المتوقع أن يبقى هؤلاء حتى نهاية الشهر الجاري في خيمهم التي سيتم تأمين التدفئة لها أو ستبنى بيوت متنقلة لهم. وفي ولاية هامبورغ هناك 3150 مهاجراً من المفترض أن ينتقلوا قريباً إلى المباني السكنية أو الخيم العسكرية والثكنات والبيوت الخشبية. أما في ولاية بريمن فالوضع ليس أفضل، فهناك ما بين 1000 مهاجر و5 آلاف يبيتون في أماكن غير مناسبة لفصل الشتاء، بحسب السيناتور عن حزب الخضر في الولاية آنيا ستامان. واللائحة تطول لتشمل باقي المدن من هسن إلى برلين فميونخ وغيرها.

ومع ارتفاع حدة أزمة السكن في البلاد، كانت هناك مطالبات بمنح تراخيص للبناء لزيادة المشاريع السكنية من أجل استيعاب الأعداد الإضافية من المهاجرين في أماكن سكن دائمة، وهو ما أعلنه عدد من عُمَد الولايات، مؤكدين على ضرورة زيادة تراخيص البناء بنسبة 30 في المائة سنوياً خلال المرحلة المقبلة. كما طالبت إدارة مجلس المدن الألمانية ببناء ما يزيد على 75 ألف وحدة سكنية سنوياً للحدّ من أزمة السكن على مستوى ألمانيا ككل.
وتشير التقارير إلى أنّ أعداداً كبيرة من المهاجرين تضطر للبقاء في أماكن الاستقبال الأولى لفترة قد تتجاوز ستة أشهر، نظراً للضغط السكاني المتزايد الذي تعاني منه الولايات الألمانية. أما الإدارات المعنية فلم يعد باستطاعتها التحكم بهذا الوضع، بسبب الضيق في الوقت ومحدودية الأماكن والبنى التحتية المعدة لاستقبال هذه الأعداد من الوافدين.

وما يزيد الأمور تعقيداً المخالفات التي يرتكبها المهاجرون، وعدم تجاوبهم مع القيمين على المجمعات. ومن ذلك عدم الالتزام بالقوانين الداخلية للمجمع، لجهة كيفية التعامل مع الآخرين في الأقسام والقاعات المشتركة للمجمعات، والمحافظة على الهدوء، ومنع التدخين في الداخل، ونظافة دورات المياه. مع العلم أنّ اللاجئين يعيشون في غرف أو خيم ضيقة المساحة ما يقيد حريتهم الشخصية ويعرضهم لضغط نفسي، خصوصاً أنّ الكثير منهم يتقاسم الغرف مع أصدقاء أو غرباء، فيما تخصص للعائلات غرف صغيرة يفصل بينها جدران خشبية أو ألواح من الجبس.
نتيجة لهذا الواقع، بات هناك تخوف من أن تقع ألمانيا ضحية الصراعات الفكرية والدينية والعرقية التي يحملها معهم المهاجرون، عدا عن الصراعات السياسية والحزبية. والدليل ما يحصل يومياً داخل مراكز الإيواء من مشاحنات ومشاجرات وأعمال عنف لتلك الأسباب، تستدعي تدخل الشرطة وتؤدي أحياناً إلى وقوع إصابات. وهو ما حصل مثلاً عندما قام أحد الأشخاص بتمزيق صفحات من القرآن الكريم ورميها في دورة المياه.

انطلاقاً من كلّ هذا يشدّد العديد من المسؤولين على أهمية تعريف المهاجرين بالثقافة والمبادئ والدستور الألماني ومعاقبة من يستحق العقاب. كما أنّ هناك مطالبة من جمعيات بتحسين ظروف معيشة النساء داخل مراكز الإيواء بعد تعرض بعضهن للمضايقات. وكذلك مطالبات بتوفير فرص العمل المناسبة للمهاجرين ومساعدتهم على الاندماج بشكل أسرع في المجتمع.
وبعد أن ضاقت السبل بتوزيع المهاجرين، اعتمد مكتب الشؤون الصحية والاجتماعية على قسائم مدفوعة سلفاً تخوّل أصحابها المبيت في فنادق صغيرة في المدن الكبرى. إلاّ أنّ العديد ممن حصلوا على هذه القسائم لم يجدوا غرفاً تأويهم. والسبب أنّ عدد الغرف المخصصة للمهاجرين محجوزة بالكامل، مما يضطرهم للنوم داخل المراكز. كما أنّ السلطات عمدت أيضاً إلى وضع حاويات فوق بعضها البعض بشكل أبنية مع درج خارجي كحلّ مؤقت، مع العلم أنّ ذلك يواجه في بعض الولايات اعتراضاً من قبل المواطنين الألمان الذين يرفضون إقامة مراكز إيواء قريبة من منازلهم، لأسباب عديدة منها ما هو عنصري، أو بهدف الحفاظ على طبيعة المكان والهدوء والترتيب والأمان.

اقرأ أيضاً: ألمانيا: تصاعد الهجمات ضد اللاجئين

من جهتها، تساهم الجمعيات والأندية في المدن والقرى الألمانية في تخفيف حدة أزمة السكن والمساعدة في تسهيل أمور المهاجرين، ومنها تقديم الطلبات لدى الدوائر الرسمية والقيام بأعمال الترجمة والإجابة عن الاستفسارات عبر تخصيص فرق من المتطوعين للتنسيق مع الجهات الرسمية من أجل الحد من التدافع والفوضى الحاصلين أمام الدوائر المختصة. وهو ما يساعد في قطع الطريق أمام بعض "تجار الأزمات" الذين يحاولون استغلال المهاجرين مادياً مقابل خدمات يدعون انهم سيقدمونها لهم ومنها تأمين أماكن سكن.
ونظمت في العديد من الجمعيات والجامعات ورش عمل ناقشت السبل الآيلة للحد من أزمة سكن المهاجرين. وطرحت العديد من الأفكار منها ما هو خارج على المألوف إنما قابل للتنفيذ. ومن ذلك الاستفادة من أسطح المباني والنوادي والجمعيات ومواقف السيارات. حتى أنّ طلاباً جامعيين اقترحوا تأهيل قطع بحرية غير مستخدمة وإمدادها بالمياه والكهرباء عبر الطاقة الشمسية أو الرياح لإسكان المهاجرين. ولم يغفل هؤلاء عن فكرة تجهيز البيوت الخشبية الصيفية التي يستأجرها المواطنون وتزويدها بالتدفئة لتتلاءم مع الطقس البارد شتاء، لما لها من مزايا إيجابية وقربها من الأبنية المأهولة.

وعدا عن النقص في أماكن السكن، يعزو كثيرون التأخر في البت بنحو 300 ألف طلب لجوء قدمها مهاجرون، إلى نقص الموظفين وأنظمة التكنولوجيا غير المتوافقة. فعلى سبيل المثال، لا يوجد نظام تبادل للبيانات بين الشرطة الاتحادية والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، ويتم التواصل عبر البريد الالكتروني بحسب مصدر في الشرطة.
وما يفاقم الوضع طبيعة قانون اللجوء، الذي يمنح المهاجر إفادة التسجيل كطالب لجوء، قبل أن يتم تحويله إلى المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين للاستحصال على موعد من أجل تقديم طلب اللجوء. وهذا ما ترفضه جمعية "برو ازويل" لإغاثة اللاجئين، التي تطالب ببدء تطبيق عملية تقديم الطلب تلقائياً مع التسجيل، من أجل التسريع في إنجاز ملفات اللجوء.

بدورها، وبعدما وجهت إليها انتقادات لجهة معالجة أزمة المهاجرين، عينت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أخيراً رئيس ديوان المستشارية بيتر آلتماير كمنسق لإدارة ملف المهاجرين. ويتطلع الجميع الآن إلى النتائج التي يمكن أن تحققها المستشارة بمساعدة آلتماير المشهود له بالكفاءة. وقد أشار إلى أنّ أولى الخطوات العملية التي سيتم اعتمادها للحد من توافد المهاجرين إقامة مناطق عبور على الحدود ستسمح للسلطات بترحيل غير المرغوب بهم بعد تدقيق سريع، وهي الفكرة التي يناقشها الائتلاف الحكومي.
ولا يخفى على أحد أنّ من المرجح نجاح آلتماير في إدارة الملف، بحكم صداقته مع العديد من الأفرقاء السياسيين، خصوصاً بعد الإخفاقات العديدة نتيجة التباعد في وجهات النظر بين المعنيين. ومن ذلك تسريع عملية التسجيل والعمل على تطبيق قوانين اللجوء، بالترافق مع إقرار الحكومة أخيراً العديد من التدابير الاستثنائية، ونيتها ضخ الأموال في صناديق حكومات الولايات، بهدف المساهمة في تسريع عجلة العمل قبل الشتاء. وكانت برلين نفت الأحاديث التي أشارت إلى أنّ هناك نية بين ألمانيا والمفوضية الأوروبية لفرض ضريبة تضامن أوروبية لمكافحة أزمة المهاجرين.

في المقابل، طالبت حكومة ولاية بافاريا الحكومة الاتحادية بوضع حد لتدفق المهاجرين، وإلاّ ستحتفظ بحقها في مقاضاتها أمام المحكمة الدستورية، بحجة تطاولها على صلاحيات الولايات الألمانية، والمراوغة في التعاطي مع أزمة اللاجئين. وجددت بافاريا مطالبتها بإعادة احترام بنود اتفاقية دبلن وقوانين "شينغن". كما طاول التهديد ميركل شخصياً، بعد إعلان الحزب اليميني "البديل من أجل ألمانيا"، عن نيته تقديم شكوى جنائية بحقها، بتهمة تهريب البشر. وذلك لفتحها حدود البلاد أمام اللاجئين في أوائل شهر سبتمبر/أيلول الماضي.

اقرأ أيضاً: عنصرية رغم الاندماج في ألمانيا