الوشم وسيلة التعرّف إلى الجثث في بغداد

الوشم وسيلة التعرّف إلى الجثث في بغداد

26 مايو 2014
تستخدم صالونات الوشم طرقا بدائية (Getty)
+ الخط -

تتوزّع في الأحياء الشعبية ببغداد "صالونات" يصل عددها إلى 34 صالوناً غير مرخصة تقوم بمهمة نقش الأسماء على الأذرع والأكتاف. ورغم عدد الصالونات الكبير، لكنها مزدحمة على مدار ساعات النهار، ومعظم زوارها من الشبان الذين يضطرون لأخذ موعد مسبق قد يمتد عدة أيام قبل موعد النقش الذي يتم بآلات بدائية.

انتشرت ظاهرة الوشم، أو الـ"تاتو"، في بغداد وعدد من محافظات البلاد بالتزامن مع عودة ظاهرة الجثث مجهولة الهوية التي تعثر عليها قوات الأمن أو فرق الإسعاف الجوالة في مكبات النفايات، والساحات الفارغة، والطرقات. 

ولا تتعرف قوات الأمن إلى أكثر من 60 بالمئة من أصحابها بسبب التشوهات والعبث بها أو حتى تفسخها بسبب تأخر اكتشافها. هذا الأمر يضطر السلطات الصحية إلى دفنها في مقابر خاصة تحت عنوان "مجهولة الهوية"، ما دفع عدداً من الشبان الى الحرص على نقش أسمائهم خشية من مصير مماثل لتلك الجثث في حال الوفاة.

يقول فلاح أحمد، صاحب صالون للوشم في منطقة الفضل وسط بغداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "في السابق كان زباؤننا من الشبان المترفين أو الرياضيين أو هواة التغيير. وكنا نتقاضى مبالغ مالية تراوح بين 25 ألف إلى 50 ألف دينار عراقي (نحو 40 دولاراً). ولم تكن الحرفة ذات عائد مالي كبير، لقلّة المقبلين عليها، ما اضطرنا الى توسعة الصالون وجعله للحلاقة والمسّاج فضلاً عن الوشم. لكن اليوم صرنا لا نجد وقتاً للراحة، فالجميع يقبِل على الوشم والجميع يطلب نقش اسمه واسم والده على كتفه أو على ذراعه".  

يشرح أحمد أنهم قاموا بتخفيض الأسعار إلى النصف لمساعدة الشبان على تحقيق غايتهم "كونهم مضطرين لا مترفين".

وتستخدم صالونات الوشم طرقاً بدائية قديمة مثل الإبرة والفحم والدبوس وشفرة الحلاقة، فيتسبب ذلك بألم مضاعف وأوجاع تستمر عدة أيام قبل أن تهدأ.

"جئنا مكرهين"

وفقاً لبيانات وتقارير وزارة الداخلية العراقية وقيادة عمليات بغداد العسكرية، فقد تم العثور على 56 جثة لمواطنين مقتولين منذ مطلع الشهر الجاري في بغداد معظمهم اختطفوا وألقيت جثثهم في مناطق متفرقة. واحتلت مناطق الصدر والزعفرانية ثم الطارمية، شرق وجنوب وشمال بغداد، الصدارة فيها، وتم التعرف إلى 41 جثة فقط فيما أودعت الجثث الأخرى في مقابر المجهولين.

خالد وحسين، خريجا كلية الهندسة في جامعة بغداد، وصلا خلال وجود فريق "العربي الجديد" في صالون أحمد للوشم. اتفقا على نقش اسميهما خوفاً من مصير مماثل لزميل لهما اختطف وقتل في إحدى مناطق بغداد وتعذّر التعرف إلى جثته في ثلاجات "مستشفى عدنان" لولا بعض الندوب في صدره التي أحدثها مرض سابق أصيب به في صغره.

يقول خالد أحمد (24 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "المشكلة لا تقتصر على فئة دون أخرى. الضحايا يسقطون من كل الأطراف لأسباب طائفية تنتعش بعد كل انفجار أو أزمة أمنية أو حتى سياسية. جئنا لتدوين اسمينا على صدرينا مكرهين".

بدوره، يقول زميله حسين علي (24 عاماً): "في العراق يجب أن تتوقع كل شيء وأي شيء. نحن الآن نبحث عن عمل ونضطر للتنقل بين منطقة وأخرى"، مؤكداً بأن والدته ستصاب بالغضب في حال معرفتها بما صنع، "لكنه أمر مهم ولا يعتبر تشاؤماً أو استقداماً للشرّ".

أخطاء حكومية

افتتحت وزارة الداخلية العراقية أخيراً ثلاث مقابر متوسطة المساحة، جنوب ووسط وشمال البلاد، لإيداع الجثث المجهولة الهوية من العراقيين الذين يعثر عليهم مقتولين أو الجثث التي تتمزق في التفجيرات ويتعذّر التعرف إليها.

من جانبه، يقول ضابط رفيع في وزارة الداخلية، لـ"العربي الجديد"، إن "أخطاء حكومية غير مقصودة تسببت بانتشار الظاهرة، أبرزها منح مكافأة مالية لمَن يقتل إرهابياً في الشارع قدرها 20 مليون دينار بشكل أطلق يد الميليشيات والعصابات المنظمة لقتل الناس على الهوية وتصفية ثارات قديمة ومشاكل شخصية تحت خيمة هذا القانون غير المنطقي واللامعقول".

يضيف الضابط، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب ما وصفه بـ"الصراحة الزائدة التي يتحدث بها"، بأن "أغلب ضحايا الظاهرة يقتلون على يد فرق الموت المتمثلة بالميليشيات، بينما تحتل الجماعات الإرهابية الصدارة في ملف الأبرياء الذين تزهق أرواحهم وتمزّق أجسادهم ولا يتم التعرف إليهم"، معترفا بـ"فشل الأجهزة الأمنية في معالجة ظاهرة الجثث المجهولة ومكافحة فرق الموت الطائفية أو إيقاف سيل السيارات المفخخة".

ولا تكلف وزارة الصحة العراقية نفسها بملاحقة تلك الصالونات غير المرخصة لإغلاقها أو فرض شروط صحية عليها، عازية السبب الى أن "أصحاب تلك الصالونات سيتخذون من المنازل مقراً لأعمالهم حتى لو أغلقت صالوناتهم".

يقول أحد مراقبي "دائرة الصحة العامة" في وزارة الصحة العراقية، الدكتور فريد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إن "تتبُّع تلك الصالونات أمر غير سهل. فهم يقومون بعملهم في مناطق شعبية ويتخذون أغطية مختلفة لهم كصالونات الحلاقة ومحال بيع الأعشاب الطبية. وحتى لو تم إغلاقها سيجدون مكاناً آخر بعد أيام لممارسة عملهم، حتى لو كان داخل منازلهم"، مبيّناً أن "الظاهرة تعبّر عن فشل حكومي ذريع أوصل البلاد الى تلك الحالة".

ولا تجد ظاهرة وشم الأسماء على الأكتاف والأذرع قبولاً لدى شبان آخرين بسبب ما يعتبرونه "هوساً وخوفاً زائداً، وبالإمكان تجنّب ذلك بالجلوس في المنزل وتجنب المناطق الساخنة المعروفة في بغداد".

يؤكد خليل نعمة (28 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من أصدقائه قاموا بهذه الخطوة، لافتاً إلى أنه لن يقدم عليها "فهناك خيارات كثيرة، أهمها تجنب الدخول إلى تلك المناطق والتزام المنزل حالياً، أو ينعم الله علينا بقادة مخلصين للبلاد".

دلالات