طهران العاصمة.. مخاطر كثيرة تهدّد احتفاظها باللقب

طهران العاصمة.. مخاطر كثيرة تهدّد احتفاظها باللقب

15 ديسمبر 2014
هل تبقى طهران عاصمة لإيران؟ (Getty)
+ الخط -

لا تختلف طهران عن بقيّة العواصم. فمركزيّة الخدمات فيها تجعل كثيرين يرغبون السكن فيها من دون التنبّه إلى مخاطر التلوّث والازدحام واحتمال تعرّضها لزلزال. لذا، دقّ مسؤولون ناقوس الخطر في محاولة لإيجاد حلّ، واقترحوا نقل العاصمة.

لأكثر من 220 عاماً حافظت طهران على موقعها مدينة رئيسيّة بين كل المدن والبلدات الإيرانيّة. أما اليوم، فيُثار جدال حول إمكانيّة احتفاظ تلك المدينة بلقبها عاصمة لإيران. فهي لم تعد قادرة على تأمين ظروف معيشيّة ملائمة وآمنة لأكثر من 14 مليون نسمة يعيش ويعمل فيها، علماً أن عدد الإيرانيّين الذين يشغلونها خلال النهار يصل إلى 18 مليون نسمة أحياناً بحسب ما تفيد الاحصائيات. وهذا العدد الفائض يعود إلى هؤلاء الذين يزورونها أو يقصدونها من مدن أخرى لقضاء حاجاتهم، إذ معظم المؤسسات يتركّز فيها.

والجدال اليوم مرتبط بقلق يعود لأسباب عديدة، في مقدّمتها تلك التي لا يستطيع البشر التحكم بها إلا أنهم يستطيعون التقليل من أضرارها. فقد حذّرت المؤسسة الوطنيّة لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعيّة في إيران مراراً وتكراراً من احتمال تعرّض طهران لزلزال مدمّر، قد يخلّف أكثر من مليون قتيل مع تضرّر نصف المباني القائمة، لا سيّما في أحياء جنوبي العاصمة التي تعدّ أحياءً فقيرة.

وكانت أيضاً لمؤسسة الدراسات الاجتماعية في آسيا وأوقيانوسيا تحذيرات مشابهة، لا سيّما أن كثافة سكانيّة عالية تتركز جنوبي طهران، في حين لا تُراعى المقاييس الفنيّة في تشييد العديد من مباني العاصمة.

من جهة أخرى، أطلقت وزارة الصحة ومؤسسات بيئيّة تحذيرات من تبعات التلوّث على سكان طهران المتزايدة أعدادهم. فهذا التلوّث يسبّب غيمة رماديّة تلتف حول المدينة المحاطة بسلاسل جبليّة من ثلاث جهات، الأمر الذي يعوّق صعود الذرات الملوّثة ودوران الهواء.

وهنا، زاد البشر الأمر تعقيداً. ففي شوارع طهران أكثر من ثلاثة ملايين مركبة، يحتاج أكثر من نصفها إلى فحوصات فنيّة، إذ تطلق عوادمها مواد ملوّثة خطيرة، بالإضافة إلى دراجات ناريّة يعادل عددها عدد السيارات وتطلق بدورها 50% من المواد الملوّثة التي تسبّبها المركبات، بحسب ما يفيد متخصصون.

وكانت وزارة الصحة قد تحدّثت سابقاً عن وفاة أربعة آلاف شخص في إيران، سنوياً، بسبب التلوّث - كثيرون منهم في العاصمة -، بالإضافة إلى ازدياد عدد المراجعات لمرضى القلب والربو والجهاز التنفسي بنسبة 30% خلال الأيام الأكثر تلوّثاً. وهي غالباً ما تكون في فصل الشتاء نتيجة الغيوم التي تزيد الوضع تعقيداً، ولا تسمح بدوران الهواء الملوّث المعلّق بين الجبال، بالإضافة إلى أن معدّل الأمطار المتساقطة منخفض أيضاً.

وهذه العوامل تزداد خطورة بازدياد الازدحام السكاني، وسببه الرئيس الخدمات التي تقدّمها طهران واتخاذها مركزاً بعد تزايد الهجرة من الريف باتجاه هذه المدينة.

كل ذلك، جعل بعض المسؤولين يقترحون فكرة نقل العاصمة. وهو ما أثار جدالاً في الأوساط الإيرانيّة. فقبل أشهر، تقدّم البرلمان الإيراني بمقترح لنقل العاصمة من طهران إلى مدينة أخرى. وقد استعرض النواب المخاطر المحدقة بالسكان، للحثّ على التصويت لصالح القرار.

لكن ذلك تعرّض لانتقادات كثيرة، كونه بحاجة إلى تخطيط متطوّر وميزانيّة عالية قد تصل إلى مئة مليار دولار أميركي بحسب منتقدي المشروع، بالإضافة إلى اعتراضات حكومية تحدثت عن مدى صعوبة تحقيق ذلك، معتبرة أنه شأن خارج عن إرادتها.

فتحوّل مشروع النقل إلى مشروع حمل عنوان "دراسة إمكانيّة نقل العاصمة السياسيّة والإداريّة لإيران والتخطيط لإعادة هيكلتها"، في محاولة لحلّ جزء من المشكلة عبر تقديم مقترحات أكثر منطقيّة.

وبالفعل، تمّ تشكيل لجنة برلمانيّة خاصة، بعد موافقة 155 نائباً ومعارضة ثلاثين آخرين، فيما امتنع ثمانية نواب عن التصويت. وهؤلاء جميعاً من أصل 234 نائباً كانوا حاضرين في تلك الجلسة التي انعقدت أخيراً في البرلمان.

أما مهمّة اللجنة، فهي التعاون مع مستشارين لتقديم صورة حقيقيّة مدروسة عن الوضع في طهران، وكذلك محاولة لإلغاء المركزيّة في العاصمة وتوزيع بعض المراكز والإدارات على مدن أخرى، بالتعاون مع الحكومة وبلديّة طهران لإعادة هيكلتها وتخفيف الضغط عنها.

وعلى الرغم من ذلك، ما زال المشروع يواجه انتقادات. فيقول النائب نادر قاضي بور إن المشكلات التي تواجه إيران كالبطالة والفقر وارتفاع الأسعار وغيرها، هي أهمّ من التركيز على هذا الأمر حالياً.

من جهته، يرى عضو لجنة الإعمار في البرلمان، علي رضا خسروي، أن المشاكل التي تواجه طهران وساكنيها كثيرة، ويجب التحرّك جدياً قبل أن يتكبّد الجميع خسائر فادحة.

وعندما يدور الحديث بين المواطنين أنفسهم بعيداً عن أروقة السياسيّين، تسجّل وجهات نظر متفاوتة. فيشعر معظمهم بالتلوّث وبصعوبة استنشاق هواء نقيّ في معظم أيام العام، ويعاني كثيرون منهم من أمراض في أجهزة التنفس والقلب.

إلى ذلك، يعطل الازدحام حياتهم ويضيّع من وقتهم الكثير، بحسب ما يشير معظم الشباب من العاملين أو من طلاب الجامعات. لكن هذه الفئة لا تتخيّل العيش في مكان بعيد عن العاصمة طهران، سواء تم نقلها إلى مدينة أخرى وهو ما يبدو أمراً مستبعداً في الأمد القريب، أو في حال جرى نقل بعض المؤسسات أو الشركات أو الجامعات إلى مدن كبرى أخرى.

ويتحدّث هؤلاء عن تركّز الخدمات الصحيّة والثقافيّة والاجتماعيّة ومراكز الترفيه في طهران، ويشكّكون في إيلاء الاهتمام ذاته للمدن الأخرى.

باعتراف الجميع، إعادة الهيكلة ستسهم في الحدّ من بعض المشاكل المذكورة، لكنها لا تحلها من جذورها بحسب ما يشدّد البعض. وعلى سبيل المثال، الزلازل ظاهرة طبيعيّة لا يمكن الوقوف بوجهها، لكن يمكن الحدّ من البناء في الأماكن الأكثر خطراً أو تشديد الرقابة، والاهتمام أكثر بمعايير السلامة.

الأمر ذاته ينطبق على التلوّث. فبدلاً من تبنّي خطط لتحديد سير المركبات بحسب أرقام لوحاتها الزوجيّة والفرديّة وفق أيام محدّدة من الأسبوع، لا بدّ من تطوير شبكة النقل العام، لا سيّما قطار الأنفاق، ليصل إلى كل نقاط العاصمة.

ويبقى أن الإيرانيّين المقيمين في طهران يدفعون بالفعل الثمن، في انتظار حلول عمليّة لكل هذه المشاكل.