نظرية السّحلية

20 مايو 2023
تتميز السحالي باستراتيجيات الخروج من الأزمات (يواكيم سارميانتو/فرانس برس)
+ الخط -

ما جعل المعلومات العلمية الدقيقة حول مكونات البيئة والتنوُّع الحيوي تصل إلينا وترسخ في ذاكراتنا، أن أحد علمائنا البارعين امتلك طريقة ساحرة وساخرة في التعليم والإعلام، فلغة البروفيسور محمد عبد الله الريح البسيطة والقريبة من الكوميديا توحي بأنه يسخر من الإنسان الذي لا يستطيع التعلُّم من الكائنات الأخرى التي تشاركه الحياة على كوكب الأرض، ويتناسى رغم أنه صاحب العقل المميّز القادر على اكتساب المعرفة والسلوك، أن الفطرة تضاهي غالباً المعرفة المكتسبة.
تَعلُّم استراتيجيات الخروج من الأزمات واحد من الأمور التي ظل معلمنا يذكّرنا بها عبر ربطها بنظرية السحلية التي لا تدخل مكاناً إلا عند ضمان العثور على مخرج آمن، وتفضّل، إذا دعا الأمر، التخلُّص من ذيلها في حركة مفاجئة تُرْبك العدو المهاجم، ريثما تجد المخرج، إذ تكسر ذيلها عند مستوى منطقة ضعيفة، ما يشكل ظاهرة البتر الذاتي للذيل، فالبقاء على قيد الحياة أكثر أهمية من فقدان الذيل، رغم أهمية هذا العضو الطرفي في حفظ التوازن إلى جانب كونه مخزناً لعناصر غذائية، لكنه ينمو مجدداً.
وتستخدم سحالٍ طرقاً أخرى للدفاع عن نفسها، مثل الانتفاخ، لتبدو أكبر من حجمها، وهو ما تفعله الأفاعي. أما السحالي الصحراوية المعروفة باسم "العلاجيم المُقرّنة"، فتقذف تياراً رقيقاً من الدم من عينيها نحو متر لإخافة العدو وإرباكه.
هل خيار التخلص من الذيل يشبه حالة الإنسان حين يوافق على بتر أحد أطرافه حين تتهدد حياته بكاملها بسبب الإصابة بمرض ما؟ علماً أنه بين الأمراض التي ينتج منها بتر للأطراف أو أجزاء منها، أمراض الأوعية الدموية، ومرض السكري. فأمراض الأوعية الدموية تعرقل تدفُّق الدم، أما مرض السكري، فيؤثر في قدرة الجسم على معالجة أي قصور يحدث. أيضاً تتعلق إصابات بحوادث مرورية أو صناعية وبعض الأورام، وأيضاً ببعض التشوهات الخلقية.

موقف
التحديثات الحية

في الطبيعة حولنا الكثير من الظواهر والمعجزات التي تدعو إلى التأمُّل والتبصُّر والتعلُّم منها، لكن كثيرين لا يقفون عندها، وقد يكتفي البعض بإظهار دهشة وتعجُّب، أما العلماء فلم ولن تفتر همتهم في البحث عن إجابات عن الأسئلة الناتجة من عمليات مراقبة سلوكيات الحيوانات، ومحاولات ربطها باحتياجات الإنسان. وفي شأن ظاهرة تخلُّص السحالي من ذيولها اكتشف العلماء وجود خلايا جذعية خاصة في بعض الزواحف تجدد الحبل الشوكي، وقد تساعد لاحقاً في التعامل مع مشاكل استعادة النخاع الشوكي لدى البشر الذين يتعرضون لإصابات. وإذا كان البروفيسور يعلمنا التوقُّف والتأمُّل، فهو يدفعنا إلى محاولة إيجاد أمل في التأمّل.

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون