نساء المغرب يتعرضن للعنف والحماية هشّة

نساء المغرب يتعرضن للعنف والحماية هشّة

24 مايو 2023
يثير قانون تجريم العنف ضد النساء جدلاً واسعاً في المغرب (أبو آدم محمد/ الأناضول)
+ الخط -

تلفت جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" (أهلية) إلى ارتكاب جرائم قتل وأعمال عنف بشعة ضد نساء وفتيات في مقتبل العمر في مدينة الدار البيضاء المغربية خلال الأشهر الأخيرة، وتفيد الجمعية في بيان بأن "أرقام قتل النساء ترتفع بشكل مهول، ما يطرح أكثر من سؤال، ويدق ناقوس الخطر الذي يحتم استعجال إيجاد حلول آنية لمناهضة كل أشكال التمييز والعنف، وإيقاف نزيف القتل".
في 5 إبريل/ نيسان الماضي، عثرت أجهزة الأمن على جثة سيدة (37 سنة) داخل ثلاجة في منزل بحي المسعودية، في منطقة ابن امسيك بمدينة الدار البيضاء، وفي 25 إبريل، عاشت منطقة ديور الأمان بالحي المحمدي في الدار البيضاء فصول جريمة قتل بشعة ارتكبها زوج، قبل أن يتصل بعد 4 أيام بالشرطة ليبلغها بوجود جثة زوجته داخل غرفة استأجرها.

وتقول رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" بشرى عبده، لـ"العربي الجديد"، إن "جرائم القتل التي تستهدف النساء باتت ظاهرة مقلقة. في حين سلّطت وسائل الإعلام الضوء على قتل امرأتين خلال شهر واحد في الدار البيضاء، تبقى حالات أخرى طي الكتمان في أقاليم ومناطق أخرى. المبادرات المحدودة للإبلاغ عن العنف، أو تجنب التبليغ عنه بالكامل تؤدي حتماً إلى تكرار العنف، وصولاً إلى حصول جرائم قتل جديدة، إلى جانب حالات انتحار بهدف تفادي الفضائح. يجب أن تتعامل الشرطة القضائية بجدية أكبر مع الشكاوى، علماً أن غالبية النساء لا يستطعن كشف ما يتعرضن له خوفاً من ردود فعل شركائهن، وهناك نساء قدمن شكاوى لكن لم تجد طريقها إلى التحقيق والتقصي، وأخريات لا يملكن إمكانات لطرق أبواب المحاكم".
تضيف عبده: "هناك إشكال حقيقي في شأن كيفية دفع النساء اللواتي يتعرضن للعنف إلى كسر جدار الصمت وتقديم شكاوى أمام أجهزة الأمن، وأيضاً في عدم تعامل الشرطة بجدية أحياناً مع هذه الشكاوى، علماً أنه حين نتحدث عن جرائم قتل النساء، نتناول تصرفات تعكس أدنى مستوى أخلاقي، وتحوّل القلق والعنف النفسي والحقد لدى الزوجين إلى قتل، ويزيد تفاقم الوضع الانعكاسات السلبية للغلاء المعيشي، وحوادث الطرد من العمل على الوضع الاجتماعي للشريكين".

الصورة
ما زالت الذهنية الاجتماعية تفرض تقديم المرأة المغربية تنازلات (فاضل سنّا/ فرانس برس)
ما زالت الذهنية الاجتماعية تفرض تقديم المرأة المغربية تنازلات (فاضل سنّا/ فرانس برس)

في المقابل، يرفض عضو مركز "شمال أفريقيا للدراسات والبحوث"، عبد المنعم الكزان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ربط جرائم القتل التي ارتكبت في الآونة الأخيرة بالتصوّر الجندري وحده، مؤكداً "أن قسماً كبيراً من هذه الجرائم يتمحوّر حول القوة البدنية التي يتمتع بها الرجل مقابل تقيّد النساء بالذهنية الاجتماعية التي تحدد نمط علاقتها بالرجل، وتفرض تقديمها تنازلات من كل نوع، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. ينسى المحللون أن ظاهرة العنف ضد النساء شملت أيضاً مدينة حضرية كبيرة مثل الدار البيضاء، وهي بالتالي تعكس انتشار الفقر والبطالة والكثافة السكانية".
ويلفت الكزان إلى أنه "لا يمكن عرض استنتاجات لواقع العنف ضد النساء في المجتمع من دون تناول الظاهرة والتفاصيل المختلفة التي تحيط بها، فكون المرأة ضحية مرده عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها بالاعتماد إلى قدراتها البدينة. نتفق مع الجمعيات الحقوقية حول تنازل أو عدم تبليغ مجموعة من النساء عن العنف، أكان جسدياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو ثقافياً، خصوصاً في حال ارتبط بالأصول والفروع والزوج، لكن يجب في نفس الوقت الالتفات إلى ظاهرة العنف داخل المدن الكبيرة، ولا بدّ من الإشارة إلى أنه في الفترة الزمنية لارتكاب الجرائم ضد النساء، حصلت جرائم قتل ذهب ضحيتها شبان بسبب تحوّلات بنيوية نتجت عن تفكك الروابط وسوء التنشئة الاجتماعية والفقر والوجود في مساكن غير لائقة والمعاناة من الكثافة السكانية".

الصورة
 إثبات العنف بين الصعوبات التي تواجهها النساء في المغرب (فاضل سنّا/ فرانس برس)
إثبات العنف بين الصعوبات التي تواجهها النساء في المغرب (فاضل سنّا/ فرانس برس)

ورغم أن المغرب أقرّ تجريم العنف ضد النساء في 12 سبتمبر/ أيلول 2018، لكن صعوبات عدة تواجه تطبيق القانون على الأرض، كما يثير جدلاً واسعاً بين من يعتبرونه قانوناً "ثورياً" ينصف المرأة وينهي معاناتها، وبين من يشككون في قدرته على حفظ كرامتها وحمايتها.
وتؤكد بشرى عبده ضرورة تعديل القانون كي يعزز ضمانات الوقاية والحماية وجبر الضرر، ويمنع الإفلات من العقاب، ويشدّد الأحكام كي لا تتكرر المخالفات القانونية، كما تطالب بإلغاء فقرة تتعلّق بالتنازل عن الشكوى الذي يمنع ملاحقة الجاني قانونياً، واتخاذ إجراءات لتشجيع النساء على الإبلاغ عن الحالات التي يتعرضن لها تمهيداً لوقف نزيف العنف والقتل.

وتشير إلى "ضرورة تعزيز قدرة النساء اللواتي يتعرضن لعنف، ويوجدن في أوضاع هشّة على الإفادة من مساعدة قضائية، ومعالجة العوائق التي تمنع لجوئهن إلى القضاء، ورفع منسوب الوعي لديهن لتكريس معادلة عدم الإفلات من العقاب من خلال التمسك بحقوقهن في الحصول على متابعة قضائية، فضلاًَ عن حلّ الصعوبات المتعلقة بإثبات العنف عن طريق تعزيز تقنيات البحث والتحري لأجهزة إنفاذ القانون، وعلينا العمل على إخراج الزوجين من دوامة العنف عبر توفير مراكز استماع وإيواء للتكفل بالنساء اللواتي يقعن ضحايا العنف، ومنحهن حماية كاملة من كل أشكاله".

المساهمون