منتحلو صفات... عراقيون يمارسون الاحتيال بهدف الكسب المادي

منتحلو صفات... عراقيون يمارسون الاحتيال بهدف الكسب المادي

26 يونيو 2023
تتكرر الحملات الأمنية لملاحقة منتحلي الصفة (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

على نحو متكرر، تعلن السلطات الأمنية العراقية عن عمليات اعتقال أشخاص يقدمون على انتحال صفات، أبرزها صفات لضباط جيش أو عناصر شرطة أو مستشارين حكوميين أو أطباء أو محامين، وأحياناً موظفين لدى مكاتب مسؤولين حكوميين. ويقدم هؤلاء على استغلال المواطنين بأشكال مختلفة بهدف الحصول على المال، منها وعود بالتوظيف أو تسهيل إتمام معاملات رسمية أو إجراءات حكومية، وقد تكون دوافع النصب والاحتيال تحقيق غايات شخصية واجتماعية، وذلك على الرغم من الحملات التي تطلقها الجهات الأمنية، وتحديداً جهاز الأمن الوطني الذي توكل إليه هذه المهمة. ويلاحظ المراقبون أن عدد هؤلاء إلى ارتفاع. 
ومؤخراً، أعلن جهاز الأمن الوطني إلقاء القبض على ثلاثة متهمين ينتحلون صفات شخصيات حكومية ويتولون تنفيذ عمليات احتيال بحق مواطنين في العاصمة بغداد. وبحسب بيان رسمي للجهاز، فقد "ضُبط بحوزة المتهمين عدد كبير من المعاملات والأوراق الرسمية المزيفة وجوازات سفر وبطاقات مصرفية، فضلاً عن مبالغ مالية وهويات تعود لوزارات وهيئات حكومية ومكاتب لأعضاء في مجلس النواب"، مضيفاً أن "المتهمين يوهمون المواطنين بإرسالهم لتأدية مناسك الحج في مقابل الحصول على مبالغ مالية تقدر بـ 6 ملايين دينار (حوالي 4600 دولار) للشخص الواحد".
وجاء البيان بعد أقل من أسبوع على حادث اعتقال رجل في العقد الرابع من العمر في بابل، ينتحل صفة ضابط في هيئة النزاهة ويبتز من خلالها شخصيات عدة بينهم تجار.
قبل ذلك، أثار رجل عراقي الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما انتحل صفة طبيب، على الرغم من أن مهنته الأساسية هي ميكانيكي سيارات. ونشرت منصات عراقية ووسائل إعلام محلية مشاهد وثقتها كاميرات المراقبة في مستشفى بغداد التعليمي أظهرت حديثاً جانبياً بين مدير المستشفى والشخص المقصود، وطالب الأول منتحل صفة الطبيب بإبراز هوية نقابة أطباء العراق الخاصة بالموافقة على مزاولة المهنة، لكنه لم يُظهرها، ثم ألقي القبض عليه.

وفي إبريل/ نيسان الماضي، اعتقلت الشرطة في بغداد شخصاً انتحل صفة ضابط رفيع المستوى في الجيش العراقي، أثناء تجواله في العاصمة بغداد. ويرى عراقيون أن هذه الظاهرة تعد مؤشراً إلى حجم الفوضى في بعض القطاعات الأمنية، ناهيك عن تهاون الأجهزة الأمنية في ملاحقة هؤلاء، وتحديداً المسؤولين عن إصدار الهويات.
ويقول ضابط في وزارة الداخلية العراقية طلب عن الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، إن "المشكلة لا تنحصر بمنتحلي الصفة، إذ هناك أقرباء لمسؤولين وضباط يمارسون أنشطة غير قانونية مستغلين أحياناً صلة القربى بالمسؤولين، وهذه الحالة نجدها في البرلمان وليس في الحكومة". يضيف طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "أكثر من 60 منتحل صفة اعتقل منذ مطلع العام الجاري"، لافتاً إلى أن خسائر الضحايا مادية. وتسببت عمليات انتحال الصفة بمشاكل أمنية. في هذا الإطار، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري جميع أجهزة الشرطة في المحافظات لمتابعة الظاهرة والتعامل معها بجدية أكبر.

يخرج البعض بكفالة مالية بعد الاعتقال (حيدر محمد علي/ فرانس برس)
يخرج البعض بكفالة مالية بعد الاعتقال (حيدر محمد علي/ فرانس برس)

في هذا الإطار، يقول الناشط السياسي العراقي أيوب سامان، إن "جريمة انتحال الشخصية أو الصفة تعد إحدى أخطر الجرائم التي تؤثر على الثقة بين الناس"، لافتاً إلى أنها تزداد على الرغم من إعلان السلطات الأمنية مراراً عن اعتقال هؤلاء. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "هناك أنواعا كثيرة لمثل هذا الاحتيال، أبرزهها انتحال الصفات الأمنية والحكومية للنصب على الراغبين بالتعيينات في مقابل الحصول على مبالغ مالية، وكذلك صفات اجتماعية مثل المصلحين الاجتماعيين ووجهاء العشائر الذين عادة ما يتدخلون بين أسرتين متنازعتين ويحصلون على المال في مقابل حل المشكلة، وسرعان ما يختفون بعد الحصول على المال".
يضيف سامان أن "ازدياد هذه الحالات يُشير إلى ضعف القانون والاستخفاف به، بدليل أن مثل هذه الحالات تحدث داخل دوائر ومؤسسات الدولة، مثل المستشفيات ومديريات المرور، ولا مبالغة في القول إن بعض هؤلاء يتواجدون داخل المنطقة الخضراء (الحكومية)، ويمارسون النصب والاحتيال على موظفين ومراجعين"، مشيراً إلى أن "بعض الذين يمارسون انتحال الصفات اختاروا تلك الحساسة مثل مستشارون في رئاسة الحكومة والبرلمان والسلطات القضائية".

بدوره، يبين المحامي علي التميمي أن "القانون العراقي يتعامل مع انتحال الصفة على أنها جريمة مركبة، كونها تشمل الاحتيال والانتحال. بالتالي فإن العقوبة مشددة، وتزداد شدة في حالة انتحال الصفات الأمنية"، مؤكداً في حديثه لـ" العربي الجديد" أن "القانون عاقب بالسجن 10 سنوات على جريمة انتحال الصفات، فيما اعتبر الانتفاع المادي من جراء ذلك ظرفاً مشدداً يجيز لمحكمة الجنايات تشديد العقوبة بالسجن والغرامة".
ويوضح التميمي أن "حالات انتحال الصفة لم تعد موجودة على أرض الواقع فقط، بل باتت مواقع التواصل الاجتماعي مساحة لمنتحلي الصفات"، مشيراً إلى أنه "يتوجب على المشرع العراقي أن يكون أكثر صرامة في التعامل مع هؤلاء، لأنهم يتسببون غالباً بفقدان الثقة بالسلطات والقوات الأمنية، ومن المهم جداً أن يكون العراقيون مساندين للأجهزة الأمنية للإبلاغ عن منتحلي الصفات".
من جهتها، تشير الناشطة المدنية حنين محمد إلى أن "هؤلاء يتاجرون باحتياجات الناس، وقد تعرضت فتيات للابتزاز العلني من قبل البعض، لا سيما حين يكنّ في حاجة إلى التعيين أو التخلص من مشكلة اجتماعية أو أمنية. وحين يرفضن الابتزاز، تمارس عليهن ضغوط". وترى خلال حديثها لـ "العربي الجديد" أن "انتحال الصفات سهل جداً في العراق وهذا أمر مؤسف، لأن كثيراً من هؤلاء يستخفون بالمحاسبة القانونية، وخصوصاً أنه أفرج عن البعض بعد فترة قصيرة من سجنهم، كما خرج آخرون بكفالة مادية".

المساهمون