معاناة مرضى القلب من كلفة العلاج المتزايدة في إدلب

معاناة مرضى القلب من كلفة العلاج المتزايدة في إدلب

14 يوليو 2023
عدد مستشفيات إدلب محدود مقارنة بأعداد المرضى (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر سليمان اليوسف دوره أمام إحدى الصيدليات المجانية في مدينة إدلب، على أمل صرف بعض أدوية الوصفة العلاجية التي يحملها. وهو واحد من بين مئات مرضى القلب المنتشرين في الشمال السوري، الذين يبحثون عن أية مساعدة لتخفيف نفقات علاجهم.
يقول اليوسف لـ"العربي الجديد"، إنه يقطع مسافة 15 كيلومتراً على دراجته النارية حتى يحصل على بعض الأدوية من هذه الصيدلية، وأحياناً يحالفه الحظ ويحصل على كامل دوائه، بينما يتعثر في مرات أخرى ولا يحصل إلا على قدر بسيط من الوصفة حسب المتوافر في الصيدلية. يضيف: "أحتاج باستمرار إلى أدوية مميعة للدم وموسعة للشرايين ومنظمة لضربات القلب، بالإضافة إلى منظم الضغط، ويتجاوز سعر هذه الأدوية 250 ليرة تركية، ولا يمكنني شراؤها على حسابي الشخصي، فأي ليرة أدفعها سأقتطعها من قوت أولادي في المخيم. أضطر أحياناً إلى التلاعب بجرعات الدواء، فأكتفي بحبة واحدة بدلاً من حبتين، وأحياناً أخرى أتوقف عن تناول بعض الأصناف لفترة مثل خافض الضغط، حتى لا تنتهي العبوة، بينما لا يتوافر دواء مجاني في الصيدلية".

بدوره، يقول محسن السيد علي، من إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنه يتردد باستمرار على هذه الصيدلية، على أمل تخفيف نفقات الأدوية التي يستهلكها هو وزوجته، فأي ليرة يمكن توفيرها ستُنفَق على مستلزمات أخرى، مثل أدوية السكر التي تحتاجها زوجته، مؤكداً أن إقامته في مدينة إدلب ساعدته على تكرار التردد إلى الصيدلية للاستفادة من الأدوية المتاحة فور وصولها.
ويقول زهير حاج يوسف، المقيم في كفرتخاريم غربي إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يعتمد على المستوصفات العامة والمستشفيات في تأمين بعض الأدوية، لكن خلال السنتين الماضيتين، انخفضت أعداد تلك المراكز الطبية بسبب توقف الدعم، بينما باتت أغلب الأدوية المتوافرة في المستشفيات العامة الباقية إسعافية أو مسكنات، فيما يندر وجود أدوية القلب.
يتابع الحاج زهير: "أحياناً أقطع مسافة 40 كيلومتراً إلى سرمدا أو إدلب، لأنتظر دوري أمام إحدى الصيدليات الخيرية، رغم أن نفقات التنقل باتت مكلفة، وقد أتكبد عناء السفر، ولا أتمكن من الحصول على الأدوية التي أحتاجها، الأمر الذي يدفعني إلى شرائها على نفقتي الشخصية، وهذا يرهق كاهلي في الفترة الأخيرة".
من جهته، يوضح سامر الشامي، وهو ممرض يعمل في صيدلية خيرية، لـ"العربي الجديد"، أن "تراجع الدعم للقطاع الطبي انعكس بشكل ملحوظ على عمل الصيدليات الخيرية، وتراجعت أعداد الفرق التي تعمل على تأمين الأدوية للمرضى بشكل واضح، كما أغلقت بعض الصيدليات أبوابها، وانخفضت واردات الباقي منها كثيراً. كنا نوفر الأدوية لأكثر من 2000 مريض شهرياً، وحالياً بتنا عاجزين عن تغطية أدوية 700 مريض، ومن خلال نظرة سريعة على الأدوية المتوافرة على الرفوف، يمكن ملاحظة تعدد مصادرها نتيجة اعتماد الصيدلية على عدة موارد لتأمين الدواء".

الصورة
يتكبد غالبية المرضى عناء السفر للحصول على العلاج (عمر حاج قدور/فرانس برس)
يتكبد المرضى عناء السفر للحصول على العلاج (عمر حاج قدور/فرانس برس)

ينتظر الحاج عدنان السليمان دوره في إحدى العيادات الطبية المختصة بأمراض القلب ليراجع الطبيب الذي يتابع حالته منذ سنوات، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه يقطع مسافة 40 كيلومتراً إلى مدينة إدلب لرؤية الطبيب، وهذا أمر مرهق لمريض القلب، وقد يكون خطراً في بعض الحالات، إذ ينصح الأطباء بعدم تحرك المريض في الأوقات التي يشعر فيها باضطرابات، لكن المشكلة في المنطقة التي يقيم فيها، ما يدفعه إلى قطع هذه المسافة دورياً. يتابع عدنان: "قبل بضعة أشهر وصلت إلى إدلب بحالة إسعافية، وكنت بحاجة لإجراء قسطرة عاجلة، وقد حالفني الحظ بأن حالتي لم تتدهور، وأنني وصلت في الوقت المناسب، فلو لم أكن أملك من يسعفني لكانت حالتي حرجة. في المنطقة التي أعيش فيها قرب سلقين، هناك مستشفيات تضم اختصاص الأمراض القلبية، لكنها مزدحمة بالمرضى دائماً، ولا تتوافر فيها أجهزة لإجراء القسطرة القلبية، ما يدفعني مثل كثيرين إلى الانتقال إلى إدلب، أو إلى الدانا لإجراء هذه الفحوص".
أما الحاج مصطفى الحموي، فليست مشكلته في بعد مسافة المشفى عن مكان إقامته بقدر تأمين أجور عملية القسطرة وتركيب الشبكات. يقول الحموي لـ"العربي الجديد"، إنه كان في زيارة ابنته في مدينة إدلب، وتعرّض لأزمة قلبية كان يظنها عابرة، لكن حالته ساءت، ونُقل إلى مستشفى الشفاء، حيث أُجريت قسطرة عاجلة، وتركيب دعامة شبكية لأحد الشرايين. تحسنت حالته بعد العملية، لكنه وقع في مشكلة جديدة، وهي تأمين كلفة العملية التي تتجاوز 500 دولار.
يضيف: "أحاول حالياً التواصل مع منظمات وجمعيات خيرية لتأمين المبلغ، أو المساعدة في دفعه، لأن توفيره على مهجر مثلي مستحيل، ويعتبر هذا الرقم الأجر الأدنى لمثل هذه العملية، التي تبلغ تكلفتها أضعافاً في المستشفيات الخاصة".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وتراوح كلفة عملية القسطرة التي يضطر إلى إجرائها غالبية مرضى القلب ما بين 100 إلى 150 دولاراً، وفي حال اضطرار الطبيب إلى تركيب شبكة، فإن سعر كل شبكة يبلغ نحو 400 دولار، وبعض المرضى يحتاجون إلى ثلاث شبكات دفعة واحدة، فضلاً عن كلفة الفحوص، وتصوير الإيكو، وكل هذا يشكل أعباءً كبيرة على المرضى، ويدفع بعض الهيئات والفرق الطبية إلى التكفل ببعض الحالات، ومنهم "فريق ملهم التطوعي" والهيئة العامة للزكاة، لكن أعداد الحالات المكفولة تظل أقل بكثير من أعداد المرضى الذين يرتادون المستشفيات.

المساهمون