فضيحة اختفاء أطفال مهاجرين من مراكز حكومية بريطانية

29 يناير 2023
تتجاهل الحكومة البريطانية حقوق الأطفال اللاجئين (كريس إيديز/Getty)
+ الخط -

في رسالة موجّهة إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، دعت أكثر من مائة جمعية خيرية إلى وقف استخدام الفنادق لإيواء الأطفال المهاجرين بعد أن اعترفت السلطات باختفاء ما يقارب مائتي طفل من أصل 4600 وصلوا إلى المملكة المتحدة خلال العام الماضي.
جاء اعتراف الحكومة عقب نشر صحيفة "ذي أوبزرفر" تحقيقاً صحافياً يؤكد اختفاء 136 طفلاً من أصل 600 تمّ إيواؤهم في أحد الفنادق التابعة لوزارة الداخلية في مدينة برايتون الجنوبية، وهو أحد الفنادق التي تم تخصيصها لطالبي اللجوء من الأطفال والقصّر، وحذّرت الجمعيات الخيرية من "خطر الاستغلال"، ومن المصير البائس الذي ينتظر هؤلاء الأطفال المفقودين، والذين ينتهي بهم المطاف في "مغاسل السيارات" أو ضمن "عصابات المخدّرات". 
بدورها، اعترفت رئيسة مجلس العموم، بيني موردونت، بهذه المخاطر، وأقرّت قبل أيام، بتعرّض بعض مراكز الإيواء التابعة لوزارة الداخلية لتسلّل عصابات الاتجار بالبشر، وهو الاعتراف الذي اعتبرته رسالة الجمعيات الخيرية "فضيحة" في ملف التزام الحكومة بتشريعات حماية الأطفال.

من جهته، قلّل وزير الهجرة، روبرت جينريك، من وقع "الفضيحة"، قائلاً إنه لا يمتلك أي دليل على أن الأطفال المفقودين قد وقعوا ضحية "الاختطاف"، لكنه وعد بمتابعة الموضوع، مشيراً إلى أن السلطات عثرت على 200 من الأطفال المفقودين، بينما لا يزال عدد مماثل منهم قيد البحث.
وأشارت الجمعيات الخيرية في رسالتها إلى أنه لا يوجد "أساس قانوني لاحتجاز الأطفال في مراكز إيواء فندقية تابعة لوزارة الداخلية لفترة زمنية تصل إلى عامين"، معتبرة أن الحكومة فقدت كل المبرّرات، وأن هذه المدة الزمنية لا تصحّ تسميتها بـ"الأمر المؤقت".

واعترف جينريك بالنقص الكبير في أماكن الإقامة البديلة، مما يصعّب مهمّة وضع حد لهذا الوضع.
واعتبرت مديرة مؤسسة "هيومن فور رايتز"، مادي هاريس، في لقاء مع "العربي الجديد"، أن "المبرّر الذي يتذرّع به جينريك واهٍ، إذ إن الجمعيات الخيرية والمؤسسات التي تعنى باللاجئين عرضت على الجهات الحكومية المساعدة مراراً في تأمين الأماكن، وفي الدعم اللوجستي، لكنها لم تلقَ أي تجاوب"، مشدّدة على ضرورة "إنشاء هيئة مستقلة للعمل مع السلطات المحلية بغرض دعم هؤلاء الأطفال، إذ لم يعد لدى وزارة الداخلية أية مصداقية، لا في كيفية استقبال الأطفال، ولا في تحديد أعمارهم، ولا في تأمين أماكن إقامة لهم".

ولا يمكن النظر إلى هذه القضية على أنها معزولة عن قضية اللجوء بشكل عام، وتقول هاريس إن "الحكومة الحالية غير مكترثة بإصلاح نظام اللجوء، ولا بحماية اللاجئين".

الصورة
تنتقد منظمات حقوقية أوضاع مراكز الإيواء الحكومية (براق بير/الأناضول)
تنتقد منظمات حقوقية أوضاع مراكز الإيواء الحكومية (براق بير/الأناضول)

وحذرت تحقيقات صحافية سابقة من حوادث اعتداء جنسي تعرّض لها بعض الأطفال المهاجرين في فندق تابع لوزارة الداخلية بوسط العاصمة لندن، حيث يتواجد الأطفال في غرف صغيرة مع آخرين بالغين، وحيث تنعدم كل وسائل العيش الكريم في مساحات ضيّقة لا نوافذ لها، وغير مجهّزة بأي أثاث.
وواجهت وزارة الداخلية قبل 3 أشهر فضيحة متعلقة بمركز مانستون "سيئ الصيت" في منطقة كينت الحدودية، حيث كان المركز المجهّز لاستيعاب 1600 شخص كحد أقصى، ولمدة زمنية لا تتجاوز 24 ساعة، يغصّ بأكثر من 4 آلاف مهاجر حشروا فيه لأكثر من شهرين، في ظلّ تفشي أمراض معدية كالحمّى القرمزية والدفتيريا والجرب.
وليست الحكومة الحالية وحدها المتّهمة بالتعامل باستخفاف مع ملف المهاجرين، إذ سبقتها إلى ذلك معظم حكومات "حزب المحافظين" منذ تسلّم السلطة قبل 13 عاماً، لكن الحكومة الحالية بزعامة سوناك، والحكومتين السابقتين بزعامة ليز تراس وبوريس جونسون كانوا الأكثر "إيلاماً" في التعامل مع هذا الملف بحسب منظمات حقوقية. 
تزامن تشكيل تلك الحكومات الثلاث مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتبعات الاقتصادية والاجتماعية والسكّانية التي ترتبت على انسحاب من دون اتّفاق، إضافة إلى جائحة كورونا والتداعيات التي خلّفتها، ثم الغزو الروسي الذي تسبّب بارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية وفواتير الطاقة، ما جعل تلك الحكومات تقاوم المهاجرين بمعزل عن الناخبين الذين تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع مخاوفهم من الهجرة، وتصاعد مخاوف أخرى لديهم متعلقة بشؤون الحياة اليومية. 

كما كان لخطة الترحيل المثيرة للجدل إلى رواندا، دور بارز في التضييق على المهاجرين، والتضييقات في ملف اللجوء عموماً، وهي الخطة التي هندستها وزيرة الداخلية في حكومة جونسون، بريتي باتيل، وهي أيضاً من أصول مهاجرة، لكنها تعرف بأفكارها اليمينية المتشددة.
وقبل أيام، ذكرت الحكومة أن تسعة من كل عشرة مهاجرين قاصرين وصلوا إلى شواطئ المملكة المتحدة من دون مرافق خلال السنة الماضية، كانوا من الذكور الألبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 سنة، إلا أن منظمات حقوقية تؤكد أن بين الأطفال المفقودين من يحملون جنسيات أخرى كالأفغانية.
وقبل شهرين، وصفت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، وهي من أصول مهاجرة أيضاً، المهاجرين بـ"الغزاة"، ما أثار انتقادات عنيفة، إضافة إلى تصريحات أخرى أطلقها رئيس الحكومة ريشي سوناك عند إعلان خطة جديدة لتقييد عبور "المهاجرين السريين" ممن "يستغلون النظام والقوانين عبر التظاهر بأنهم ضحايا للعبودية الحديثة"، في إشارة إلى طالبي اللجوء الألبان تحديداً.
وبالعودة إلى التحقيق الذي أجرته "ذا أوبزرفر"، ترى مديرة مؤسسة "هيومن فور رايتز"، أن الأمر "أكثر تعقيداً" من مجرّد تحقيق صحافي، لأن ستة أو سبعة فنادق إيواء أخرى ما زالت قيد الاستخدام، وبالتالي، ثمة مئات الأطفال الذين يتعرّضون لمخاطر جمّة، مشيرة إلى أنه "سبق للمنظمات الحقوقية والجمعيات الخيرية أن حذّرت وزارة الداخلية قبل سنوات من مغبّة التقصير في التعامل مع الأطفال المهاجرين، لكن السلطات تعاملت باستخفاف مع هذه المخاوف".

الصورة
اختفاء الأطفال ليس معزولاً عن ملف اللجوء (دان كيتوود/Getty)
اختفاء الأطفال ليس معزولا عن أزمات ملف اللجوء (دان كيتوود/Getty)

وتربط هاريس بين قضية اختفاء الأطفال وقضية أخرى أثيرت قبل بضعة أشهر، عندما سرّبت صحيفة "ذا غارديان" لقاءات مع أطفال قصّر، قالوا إن موظّفي الحدود التابعين لوزارة الداخلية طالبوهم بالكذب، وبتقديم إفادات مغلوطة حول أعمارهم، بذريعة أن الوزارة تسوّي أوضاع البالغين أسرع بكثير من الأطفال، ووصفت تلك الطريقة بأنها "مثيرة للاشمئزاز"، فالأمر كان سيكون مختلفاً تماماً لو تعرض طفل بريطاني واحد للاختفاء. 

وأكّدت أن تجربة مؤسّستها في التعامل مع 512 طفلاً وصلوا إلى المملكة المتحدة عبر دوفر، تظهر أنه تمّ اتّخاذ القرار بشأن أعمارهم في غضون ساعات قليلة من قبل موظّفي الحدود، وأنه بحسب اللقاءات التي أجرتها مع الأطفال، فقد تمّ إقناعهم، أو إجبارهم على الادّعاء بأنهم بالغون، ليتم بعدها نقلهم إلى مراكز إيواء فندقية مخصّصة للبالغين.
وليس الاختطاف هو التعبير الأدقّ لوصف اختفاء هؤلاء الأطفال، بحسب هاريس، فبعد أن قدموا من ألبانيا أو ليبيا أو أفغانستان أو العراق أو سورية أو إيران عبر عصابات التهريب، سيكون من المحتمل أن يتعرّضوا للابتزاز على أيدي المهرّبين أنفسهم، خاصة وأنهم يفتقرون إلى الرعاية والحماية، والحكومة لا تؤمّن التمويل اللازم لدعمهم، كما أنها تفترض أن مشاكلهم قد حلّت بمجرد وصولهم إلى شواطئها، وتتساءل: "ماذا لو كان الطفل مديناً للمهرب؟ وماذا لو شعر الأطفال بالخوف من تواجدهم في فنادق تعجّ بالبالغين، أو تعرّضوا للمضايقة أو الاعتداء؟ سيهربون بالتأكيد".
ورفضت وزارة الداخلية التعليق على القضية خلال اتصال مع "العربي الجديد"، مكتفية بإرسال البيان الصحافي الذي تشدّد فيه على أن "أمن ورفاهية الأطفال هما أولوية قصوى، وفقدان أي طفل أو قاصر هو أمر خطير للغاية، ونعمل على مدار الساعة مع الشرطة والسلطات المحلية لتحديد مكانهم بشكل عاجل، والتأكد من سلامتهم". وعندما طلبنا التعليق على الاتهام الذي أطلقته بحقّها جمعيات خيرية، واصفة تعاطيها مع الملف بأنه "غير مسؤول"، طالبتنا الوزارة بالإفصاح عن هوية تلك الجمعيات التي تطلق هذه الاتهامات، في محاولة إضافية للتهرب من الرد.

المساهمون