عيد الجزائر... زخم كبير في إظهار "التغافر" والفرح

عيد الجزائر... زخم كبير في إظهار "التغافر" والفرح

23 ابريل 2023
التهاني والتبريكات تصبغ عيد الجزائريين (فرانس برس)
+ الخط -

يحتفل الجزائريون بقدوم عيد الفطر بعادات وتقاليد لا تختلف كثيراً عن تلك الموجودة في دول أخرى، ويبقى القاسم المشترك بينها شراء ملابس العيد للأطفال، وترتيب البيوت استعداداً لاستقبال الضيوف، في زيارات تعرف باسم "التغافر"، وأيضاً تحضير ضرورات أداء صلاة العيد في المسجد بالنسبة إلى الكبار، وزيارة القبور، فيما يستقبل الأطفال العيد بارتداء الملابس، وأخذ عيديات.
يترافق عيد الفطر لدى الجزائريين مع زخم كبير في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، عندما تزدحم الأسواق بالعائلات لشراء الملابس. ورغم التغيّرات الاجتماعية التي عرفتها البلاد، بقيت العائلات متمسكة بالأجواء التي عهدتها في هذه المناسبة الدينية، وفي مقدمها التسابق على اقتناء ملابس لأبنائها.
يُخبر سيد أحمد، الذي يعمل في بلدية موزاية، وهو أب لطفلين، "العربي الجديد"، بأن الواقع السائد جعله في حيرة كبيرة نتيجة الخيارات المتاحة لديه لشراء ملابس العيد، "فسعر طقم كسوة العيد لم يقل فعلياً عن 70 دولاراً، ويصل إلى 120 دولاراً في حال اختيار نوعية جيدة".
وعلى غرار سيد أحمد، يُبدي علي قادري، الذي يعمل موظفاً في مؤسسة عامة، انزعاجه من تصرفات التجار في هذه المناسبة المميزة في حياة المسلمين، ويسأل في حديثه لـ"العربي الجديد": "أين يمكن أن يلجأ الناس بعدما ضاعف التجار الأسعار لتحقيق أرباح كبيرة من الفرصة الذهبية التي تتيحها المناسبة؟". 
يضيف: "قصدت محلات مختلفة عن تلك المعتادة لدي، مثل تلك الموجودة في الأسواق الشعبية أو البازارات التي يعتبرها كثيرون أكثر رحمة أحياناً، كونها تعرض أصنافاً مخفّضة في الأعياد".
وفعلياً طرحت بعض المحلات التجارية المعروفة عشية العيد تخفيضات شملت خصوصاً ملابس الأطفال، ووصفها متسوّقون بأن "أسعارها معقولة"، فيما استمرت بعض العائلات المحدودة الدخل في قصد الأسواق الشعبية التي تنتشر وسط المدن الكبيرة، على غرار سوق القليعة في محافظة تيبازة، وسوق باب الرحبة بمدينة البليدة القريبة من العاصمة الجزائرية، أو أخرى موجودة في الأحياء الأكثر شعبية بالعاصمة أيضاً، مثل كباش جراح، والعقيبة، وسط حيي بلكور وباب الواد الشعبيين، أو أخرى موازية في بلدة الرغاية بالضاحية الشرقية للعاصمة، حيث وجد الأشخاص ذوو المداخيل المتوسطة ما يرغبون في اقتنائه لكسوة العيد، وتحقيق أهداف إدخال الفرح إلى قلوب أبنائهم.

الصورة
يتجاهل جزائريون محال الملابس الكبرى (فرانس برس)
يتجاهل جزائريون محال الملابس الكبرى (فرانس برس)

على صعيد آخر، اهتمت النساء في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان بتحضيرات عيد الفطر عن طريق صنع حلويات تقليدية لاستقبال الضيوف ضمن العادة الراسخة والمتجذرة منذ سنوات طويلة، وسبق ذلك تنظيفهن البيوت وتزيينها بأبهى حلة، علماً أن الحلويات تتنوع بشكل كبير جداً في مختلف مناطق الجزائر، وتتنافس النساء في صنع تلك التقليدية والعصرية على حد سواء، وتركز بعضهن على صنع حلويات معروفة وشهيرة، في حين تحاول أخريات صنع حلويات جديدة بالاعتماد على وصفات في مواقع التواصل الاجتماعي، فالهدف الأول لربّات البيوت أن تكون موائدهن متنوعة ومليئة بالحلويات في عيد الفطر.
وتلجأ الكثير من النساء إلى طلب حلويات من حرفيات متخصصات في المجال، ويتكثف الطلب على أنواع محددة، خاصة البقلاوة. وتخبر بهية حريدي، المتخصصة في صنع الحلويات وترأس جمعية "البيت السعيد"، "العربي الجديد"، بأن تلقيها طلبات كثيرة من العائلات جعلها تجلب نساء أخريات وشابات لمساعدتها في العمل. وتقول: "رغم أن المناسبة تشكل فرصة جيدة لتحقيق أرباح، لكن الأمر متعب، وتزايد الطلبات على الحلويات في السنوات الأخيرة سببه خروج النساء من منازلهن للعمل، وعدم امتلاكهن الوقت الكافي لتحضير حلويات مثل أولئك اللواتي يبقين في البيوت".
وبين العادات التي تحافظ عليها العائلات عشية عيد الفطر، ربط الحنّة للأطفال الصغار، ما يشير إلى انتهاء شهر رمضان واقتراب عيد الفطر. وهذه العادة وغيرها مستمرة منذ القدم من أجل إظهار الفرح بالعيد، إذ تسارع النساء بعد اجتماع العائلة وترقب هلال العيد وما تعلنه الوزارة المعنية، إلى دعوة الأطفال لوضع الحنّة في أيديهم وتغطيتها بمناديل، ثم تجهّز بعد ذلك ملابس العيد وتحددها وترسل الأطفال إلى الحلاقين وتهتم بتنظيفهم كي يظهروا بأبهى حلة. وتصرّ بعض العائلات على أن يرتدي أبناؤها ملابس تقليدية للتعبير عن الموروث الثقافي للمنطقة، إذ يعتبرون أنها الأكثر إظهاراً لبهجة العيد.

ومن بين المظاهر الأساسية لاستعدادات العيد في الجزائر، تحضير المساجد التي يتجه ملايين من الناس إليها لأداء صلاة العيد والاستماع إلى الدروس الدينية، والدعاء لتقبل القيام والصيام في شهر رمضان. ويترافق ذلك مع إطلاق دعوات للتصالح وتناسي الخلافات والنزاعات.
وقبل صلاة العيد تباشر اللجان الدينية عملية تنظيف المساجد يومين قبل العيد وطلاء أجزاء تحتاج إلى تزيين لاستقبال المحتفلين بالعيد والمصلين، كما تهتم بتعطير الأماكن وتحضير التمور والحلويات والحليب، وكل متطلبات تأدية فريضة صلاة العيد في أحسن الظروف. 
ويؤكد رئيس اللجنة الدينية لمسجد أبو ذر الغفاري ببلدة بورقيقة سليمان قيطون، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه يعكف على تحضير المسجد كي يكون في أبهى حلة لاستقبال المصلين، وتجنيد المتطوعين لتنظيم السيارات الوافدة في صباح العيد، و"معظم المساجد تمتلئ عن آخرها خاصة في ظل قدوم أفراد عائلات وأبناء من المدينة تغربوا عن المنطقة بسبب ظروفهم المهنية. ويشكل ذلك مناسبة كبيرة للمّ الشمل ولقاء الأحبة بعد فراق عام كامل ربما. ومشهد التغافر الذي يلي صلاة العيد مباشرة ينقل صورة رائعة لمشاعر الأخوة والمحبة التي تساهم فيها هذه المناسبة ".
وتعمل جمعيات أهلية ومجموعات من المتطوعين على تنظيف المقابر التي تكون وجهة رئيسية للناس في يوم العيد لقراءة الفاتحة على أرواح موتاهم، ويحمل الجزائريون باقات الريحان والورود التي يضعونها على قبور أحبتهم، ويوزعون الحلوى أو النقود على الفقراء للتقرب من الله كي يرحم موتاهم.

المساهمون