رمضان مصر... الغلاء يقلص "العزومات" ويهدد "لمة" العائلات

22 مارس 2024
إفطار جماعي سنوي في حي المطرية بالقاهرة (محمود الخواص/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- موائد الإفطار الرمضانية في مصر، التي تجمع الأهل والأصدقاء، تواجه تحديات بسبب ارتفاع الأسعار، مما أثر على استمرار هذه التجمعات وجعلها تقتصر على الأقارب المقربين.
- الأسر المصرية تأثرت بالضغوط الاقتصادية، مما اضطرها إلى تقليل عدد العزومات أو تغيير مكونات المائدة لتقليل التكاليف، مع التركيز على الأقارب المقربين فقط.
- الخبراء يشيرون إلى أن الإسراف والمبالغة في الضيافة يلعبان دورًا في تراجع التجمعات الأسرية، مؤكدين على أهمية البساطة وعدم التكلف للحفاظ على روح الشهر وتعزيز الترابط الاجتماعي.

عادة ما تجتمع الأسر والعائلات والجيران والأصدقاء حول مائدة الإفطار الرمضانية في أنحاء مصر، والتي تتنوع عليها أصناف الطعام والمشروبات، لكن ارتفاع الأسعار يهدد باختفاء تلك العادة المتوارثة.

لولائم و"عزومات" شهر رمضان طابع خاص ومميز عند المصريين، وهي تعتبر من بين العادات والتقاليد المتوارثة المرتبطة بالشهر الفضيل، لكن هذه العادات باتت تواجه تحديات عدة مع تصاعد موجة الغلاء التي ألقت بظلالها على الظروف المعيشية لغالبية المواطنين، وجعلت من استمرار تمسك الأسر المصرية بتلك التجمعات الرمضانية أمراً صعباً.
تقول عبير إبراهيم، وهي ربة منزل، إن التجمعات و"العزومات" في رمضان عادة قديمة، وتعد من ثوابت الشهر الكريم، لكن في الآونة الأخيرة خفت هذه العادة بشكل ملحوظ بسبب الارتفاع الذي طاول أسعار جميع السلع الغذائية، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنها قررت تقليل عدد "العزومات" في شهر الصيام، وأن تكون للمقربين فقط، كما أن "مكونات المائدة الرمضانية شهدت تغيراً هائلاً بسبب الظروف المعيشية الصعبة، ودفع الغلاء بعض الأسر التي أنهكتها مصاريف رمضان إلى تقليص أو الاستغناء عن بعض الأصناف من المأكولات المعتادة".
يتفق معها محمد العقاد، وهو موظف بالقطاع الخاص، ويقول لـ"العربي الجديد": "رغم مرور الأسبوع الأول من شهر رمضان، إلا أنني لم أتمكن، ولأول مرة، من الحفاظ على عادة استضافة تجمع سنوي أدعو إليه زملائي، كما أجبرتني الظروف على قصر العزائم المنزلية على الأهل والأصدقاء المقربين. حاولت تنظيم الإفطار السنوي هذا العام بأقل الإمكانيات مع تخفيض عدد الأصناف المقدمة بسبب زيادة أسعار جميع مكونات العزومة، لكنها ظلت خارج نطاق إمكانياتي المادية، فاضطررت إلى الاعتذار لعجزي عن توفير كلفة الإفطار السنوي".
ويشير العقاد إلى أنه رفض قبول كثير من دعوات الإفطار حتى لا يكون مضطراً إلى ردها، وبالتالي تحمل الكلفة في ظل ضعف الإمكانيات المادية وموجة الغلاء التي اجتاحت البلاد، وألقت بظلالها على الجميع، ودفعت الكثير من المواطنين إلى إعادة ترتيب أولوياتهم والحد من العزائم بشكل كبير.

وتقول الجدة عفت أبو النجا (67 سنة)، إنها معتادة على دعوة الأقارب والأصدقاء وعدد من الجيران لتناول وجبة الإفطار في أحد أيام شهر رمضان، لكن "العزومة" اقتصرت هذا العام على الأقارب من الدرجة الأولى، وأوضحت أنها تمكنت بالكاد من المحافظة على عادة تجميع أبنائها وأحفادها في أول أيام شهر الصوم، بعدما تدبرت المال اللازم لشراء المكونات، وبعد محاولات مضنية في البحث عن التخفيضات والعروض الخاصة.
وبينما ترى أنه من الأفضل تقليص هذه "العزومات" في شهر رمضان، وليس التوقف عنها تماماً، بررت إصرارها على إقامة الإفطار الرمضاني بأن هذا التجمع عادة سنوية، ولا يمكن الاستغناء عنها، كما تعتبر من أبرز مظاهر الاحتفاء بالشهر الكريم، وتساهم في نشر الفرحة والبهجة، وفي توطيد المحبة بين أفراد الأسرة، وتفقد أحوالهم عن قرب.
أما العشريني نادر محمود، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنه اعتاد طوال 6 سنوات مضت على تبادل "عزومات" الإفطار الرمضانية مع أصدقائه، مضيفاً: "رغم أن رمضان يعتبر وقتاً مميزاً للاحتفال والتواصل مع الأصدقاء، إلا أن ارتفاع الأسعار هذا العام جعلنا نتخذ قراراً بتقليل الزيارات، أو إلغائها. كان القرار صعباً، لكن مع ارتفاع الأسعار الحاد أصبح من الصعب تحمل تكاليف العزائم إلى جانب مصاريف باقي الشهر، ومن الأفضل أن يكون هناك تفاهم بين الأسر والأصدقاء لتقليل الضغط المالي، والتركيز على الروحانيات والعبادة في الشهر الفضيل، أو المشاركة في تحمل النفقات".

ارتفاع الأسعار يقلص عزومات المصريين الرمضانية (سيد حسن/Getty)
ارتفاع الأسعار يقلص "عزومات" المصريين الرمضانية (سيد حسن/Getty)

وتقول الباحثة الاجتماعية نجلاء عبد المنعم، لـ"العربي الجديد"، إن المائدة الرمضانية التي تجمع الأهل والأصدقاء من بين التقاليد الإيجابية التي تتيح زيادة التلاحم والترابط الاجتماعي، والحرص على تنظيم "العزومات" والولائم يعزز روح الألفة والمودة بين الأفراد، وكلها عادات يحافظ المصريون عليها، مشيرة إلى أن ظاهرة تراجع التجمعات الأسرية أو "العزومات" العائلية في رمضان ليس سببها الوحيد ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وإنما أيضاً الإسراف والمبالغة في الضيافة، كما يمكن فهم هذه الظاهرة بوصفها استجابة للتغيرات في سياق الاقتصاد والتضخم، إذ يتعين على الأسر تحمل تكاليف متزايدة للسلع الغذائية، وهي عامل أساسي في "العزومات" الرمضانية، والأمر يستلزم البساطة وعدم التكلف لإدخال السرور على قلوب أفراد الأسرة.
وتوضح عبد المنعم أن "إلغاء العزائم العائلية ينطوي على تأثيرات اجتماعية ونفسية، ويعكس تحولاً في السلوك الاجتماعي والثقافي للأفراد والأسر، إذ يتم التركيز على التوفير المالي وتقليل النفقات في ظل الضغوط الحالية، وقد يسبب ذلك شعوراً بالحزن أو الخيبة لدى بعض من يعتبرون هذه التجمعات فرصة للتواصل وتقوية الروابط العائلية".

بدوره، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية محمد فريد، لـ"العربي الجديد": "تشكل العزائم العائلية في رمضان جزءاً أساسياً من تقاليد وعادات مصرية متوارثة، إذ تفتح البيوت أبوابها لاستقبال الأقارب والأصدقاء والجيران لتناول وجبة الإفطار، في حين يهدد الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية هذه اللمة العائلية التقليدية، ويجعل العديد من الأسر غير قادرة على تحمل تكاليف الموائد الرمضانية. التضخم الكبير يتسبب في تخفيض استهلاك المواطن للسلع الأساسية، ويزيد عزوفه عن شراء السلع الترفيهية أو غير الضرورية".
يضيف فريد: "يشعر كثيرون بالاستياء والقلق من تأثيرات الغلاء على توفير الفطور والسحور الرمضاني اليومي، فالعديد من الأشخاص يضطرون إلى الاقتصاد في تكاليف الموائد، وقد يقللون من حجم الطعام، أو يستبدلون الأطباق التقليدية بأخرى أرخص وأقل كلفة، وكل هذا يؤثر على فرحة الأجواء الرمضانية، وقد ارتفعت كلفة العزائم بسبب أسعار تجهيزات المائدة والأطعمة والمشروبات والحلويات، ومع زيادة تكاليف المعيشة بشكل عام، يصبح من الصعب على العائلات المصرية تحمل تلك النفقات".

المساهمون