تدوير الملابس مهنة صديقة لفقراء شمال سورية

تدوير الملابس مهنة صديقة لفقراء شمال سورية

14 ابريل 2023
تدوير الملابس عمل مفيد جداً لبعض النساء (عز الدين قاسم/ الأناضول)
+ الخط -

ساهمت ظروف الحرب والفقر ومشاكل الغلاء الذي طاول كل السلع بينها الملابس الجديدة التي لم يعد يستطيع كثيرون شراءها وأصبح امتلاكها من الكماليات بالنسبة إليهم، في انتشار مهنة تدوير الملابس القديمة بشمال سورية من أجل جعلها صالحة للاستعمال مرة أخرى بموديلات جديدة ومقاسات مناسبة.
عملت الأربعينية ربيعة القاسم لنشر ثقافة الاستفادة من الملابس المستعملة في المخيم الذي تقطنه شمال مدينة سرمدا بمحافظة إدلب، وهي تقضي معظم وقتها في تدوير الملابس على ماكينتها القديمة، وتصمم مختلف الموديلات الحديثة، بينما لا يتجاوز الأجر الذي تتقاضاه لخياطة أي قطعة قماش 10 ليرات تركية (50 سنتاً)، لكنها ترى أنه أجر مقبول نظراً إلى الأوضاع الصعبة للناس.
تقول لـ"العربي الجديد": "اتخذت من تدوير الملابس مهنة لي بعدما عرفت حاجة أهالي المخيم لهذا النوع من العمل نتيجة الفقر وانخفاض الدخل، وأنا أستخدم خبرتي ومهارتي في الخياطة بتدوير الملابس الذي بات مصدر رزقي"، علماً أنها تصنع في أقل من ساعة سترة صغيرة مستخدمة سروالاً قديماً من الجلد ثم تزينها ببعض الرسوم والإكسسوارات، ما يجعلها ملفتة وجميلة.

وتستعين ربيعة، إلى جانب ما يحضره الزبائن من ملابس قديمة، بأقمشة من البالة ما زالت في حالة جيدة، وتحوّلها إلى حقائب أو محافظ وتبيعها، كما استفادت من فرص الترويج الإلكتروني لزيادة البيع والربح، وبات يتجاوز ما تجمعه يومياً من عملها 100 ليرة تركية (5.17 دولارات).
وبالنسبة إلى أمل الجالودي (32 عاماً) فلم يسبق أن عملت في الخياطة، بل قررت ممارستها بعدما اكتشفت أهمية المهنة في تلبية احتياجات الجارات والقريبات اللواتي يبحثن عن شخص في هذا المجال، ولا يجدن من يساعدهن.
وتعلمت أمل مهنة الخياطة خلال أشهر قليلة في مركز تمكين المرأة بمخيمات دير حسان حيث تقيم مع زوجها وأبنائها الأربعة، علماً أن زوجها يعاني من البطالة وقلة الفرص والأجر المتدني.
واستطاعت أمل أن تطلق مشروعها البسيط بعدما اشترت ماكينة خياطة مستعملة استدانت ثمنها من جارتها قبل أن تسدده بعد فترة وجيزة إثر نجاح المشروع. وتقول لـ"العربي الجديد": "في البداية كنت أدور الملابس المستعملة لجاراتي مجاناً، ضمن مرحلة اعتبرتها تجريبية كي أطوّر مهاراتي وأكسب زبائن. وساعدني ذلك في المضي قدماً بالمهنة في شكل مثالي".
وتستخدم أمل كل ما تحضره النساء لإعادة تدويره، أكان عباءات قديمة أو قمصانا أو فساتين أو حتى قماش ستائر، وتستبدلها بكل أنواع الملبوسات وفق الطلب، كما يشمل عملها ترقيع وتقصير وتضييق وتوسيع الملابس، وتركيب السحّابات.
ومعظم زبائن أمل أطفال دون العشر سنوات يحتاجون إلى تغيير ملابسهم التي تتسخ خلال اللعب، ما يدفع الأهالي إلى تدوير ملابس بديلة لهم في شكل مستمر.

الصورة
تدوير الملابس وسيلة لمواجهة الغلاء والفقر (عز الدين قاسم/ الأناضول)
تدوير الملابس وسيلة لمواجهة الغلاء والفقر (عز الدين قاسم/ الأناضول)

من جهتها، تتردد ردينة العلي (39 عاماً) على أمل في شكل دائم وتجلب معها ملابس وأقمشة قديمة تريد أن تحوّلها إلى ملابس لأطفالها. وتقول لـ"العربي الجديد": "دفعتني الظروف الاقتصادية الصعبة وافتقادي المعيل بعد وفاة زوجي العام الماضي إلى الإفادة من الملابس القديمة الموجودة لدي بدلاً من التخلص منها في سبيل تلبية ما يحتاجه أبنائي الثلاثة من كساء وملابس، خصوصاً أنني لا أستطيع شراء تلك الجديدة التي تباع بالدولار".
وتصف المشرفة على شؤون التدريب في مركز تمكين المرأة بمدينة سلقين شمال غربي إدلب مهنة تدوير الملابس بأنها "صديقة الفقراء والبيئة التي تحميها من أضرار تراكم نفايات الملابس بسبب عدم إمكان تحلل معظمها".
وتنصح في حديثها لـ"العربي الجديد" جميع النساء اللواتي وضعتهن ظروف الحرب في موقع المعيل بتعلم المهنة لمواجهة التحديات التي تعترض معيشتهن اليومية. وتعتبر أن العمل في تدوير الملابس وغيرها قد يؤمّن للمرأة احتياجاتها المادية ومتطلباتها الشخصية المختلفة، ويساهم في ملء وقتها بما هو مفيد، ويجعلها تعتمد على نفسها ولا تطلب مساعدة من أحد.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي الفترة الأخيرة شهدت مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي البلاد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الفقر والجوع والبطالة، وسط ضعف في الاستجابة الإنسانية فاقم معاناة السكان والنازحين في المنطقة المرتبطة في الأصل بعدم وجود حلول تنهي مآسيهم.
وأكد فريق "منسقو استجابة سوريا" ازدياد نسبة الفقر والجوع والبطالة بين السكان في مناطق شمال سورية خلال مارس/ آذار الماضي. وأظهر إحصاء جديد نشره الفريق تأزم الوضع الاقتصادي، وارتفاع نسبة العائلات التي ترزح تحت حدّ الفقر إلى 89.24 في المائة.
وتحدث الفريق عن وجود عجز واضح في القدرة الشرائية للناس، وعن فشلهم وعجزهم عن مسايرة التغيّرات الدائمة في الأسعار التي تتجاوز قدراتهم على تأمين احتياجاتهم اليومية.

المساهمون