النظام السوري يكافح التسوّل بقانون عقوبات.. انفصال عن الواقع

النظام السوري يكافح التسوّل بقانون عقوبات.. انفصال عن الواقع

31 مارس 2024
يجعل الواقع السائد في سورية كثيرين غير بعيدين عن التسوّل (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا على تطوير مشروع قانون جديد لمكافحة التسوّل، يتضمن عقوبات صارمة تصل إلى السجن لمدة سنتين وغرامات مالية للمتسوّلين ومن يساعدهم، خاصة الذين يستخدمون وسائل إلكترونية أو العنف.
- يواجه القانون انتقادات لتركيزه على العقاب بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للتسوّل كالفقر والحرب، مع تأكيد الحقوقيين والمحامين على ضرورة تحسين الوضع المعيشي وإعادة تأهيل المتسوّلين.
- يُشدد النقاد على الحاجة لنهج شامل يعالج الفقر المدقع، البطالة، وغياب الدعم الاجتماعي، مؤكدين على أهمية توفير الدعم المباشر للمحتاجين وإيجاد حلول جذرية للأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

تُعّد وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للنظام السوري مشروع قانون التسوّل بهدف تحديد العقوبات التي يجب أن تفرض على المتسوّلين، ومن يساعدونهم في تنفيذ أعمالهم.
وتوضح مديرة مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق، دالين فهد، أن القانون الجديد سيُعاقب كل من يستخدم وسائل إلكترونية للتسوّل بالسجن بين 6 أشهر وسنة مع دفع غرامة مالية تتراوح بين مليون (71.4 دولاراً) و3 ملايين ليرة (214 دولاراً)، وأيضاً من يستجدي باستخدام التهديد وأعمال الشدة أو حمل أسلحة أو مواد وأدوات خطرة، أو بالتظاهر بالإصابة بجروح أو عاهات أو التنكر بأي شكل، أو بالدخول إلى المنازل أو المنشآت السياحية أو بحمل وثيقة، بالسجن بين سنة وسنتين مع دفع غرامة مالية تتراوح بين 3 ملايين ليرة و5 ملايين ليرة (357 دولاراً).
وينتقد حقوقيون مشروع القانون، باعتبار أن "الهدف الأساس منه هو العقاب، وليس حلّ المشكلة، ويتجاهل آلاف المشكلات التي يعيشها السكان في مناطق سيطرة النظام". 
وتسخر المحامية حنان رشكو من مشروع قانون التسوّل، وتقول لـ"العربي الجديد": "من يطلع على بنود القانون يتصوّر أن المجتمع يعاني من مشكلة واحدة حالياً في مناطق سيطرة النظام، وهي التسوّل. وحين عرفت هذه البنود ظننت أنني أعيش في سويسرا أو في بلد متطور لم يبقً فيه سوى معالجة هذه المشكلة".

تفاقمت ظاهرة التسول في سورية لأسباب كثيرة تراكمت خلال السنوات الماضية

تتابع: "تتحدث السلطات فجأة عن قانون لمكافحة التسوّل من دون أن تجري أي دراسة جدّية وعميقة للمشكلة التي يجب البحث في أسباب تزايدها، وهي الحرب والفقر التي أوجدت مثلاً مرضى لا يستطيعون العمل ما دفعهم إلى التسوّل. كما أن مشروع القانون صارم بهدف الردع".
وتلفت حنان إلى أن "الأطفال المتسوّلين ينقسمون إلى أيتام وآخرين يفعلون ذلك بوصفه مهنة، وجميعهم يحتاجون في كل الأحوال إلى إعادة تأهيل قبل الحديث عن تطبيق قوانين لمعاقبتهم. وفي حال كانوا أيتاماً يجب التعامل بجدية مع أوضاعهم". 
وترى أن "أي قانون يتعلق بحالة اجتماعية لا يمكن تنفيذه إذا لم يكن واقعياً. وسألت كيف يُحاسب المتسوّل الإلكتروني؟ هذا أمر مكلف جداَ ويتطلب ربط الملف بجريمة معلوماتية، ما يزيد الأعباء على الدولة، وأنا لا أظن أنه يمكن تطبيقه في الوضع الحالي".

الصورة
النظام السوري يريد استهدف الفقراء ويستبعد الحلول (جوزف عيد/ فرانس برس)
يريد النظام السوري استهدف الفقراء ويستبعد الحلول (جوزف عيد/فرانس برس)

أيضاً ترى المحامية سلام عباس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه يفترض قبل وضع أي قانون النظر في أسباب الجريمة وخلفياتها وأسباب حدوثها. وفي حال اعتبرنا أن التسوّل جريمة في بلد أصبح فيه المواطن تحت خط الفقر، من الأجدى وضع حلول للوضع المعيشي قبل إصدار قوانين".
تتابع: "لا أشجع بصفتي محامية التسوّل أكان ميدانياً أو إلكترونياً، لكن حالة المواطنين في سورية، وعيشهم في واقع خانق قد يبرر امتهان كثيرين التسوّل، وأتفهم أن شخصاً يرى أن ابنه يحتاج إلى إجراء عملية جراحية ضرورية ذات تكلفة عالية قد يلجأ أحياناً إلى العمل في مجالات غير شرعية، وأن يسرق ويتسوّل في أبسط الحالات". 
وتشدد على أنه "من الناحية الإنسانية والمنطقية والأخلاقية، لا يمكن الحكم على النتيجة إذا كان السبب أكبر منها، لذا سيكون إصدار قانون للتسوّل غير مجدٍ إذا لم تعالج الأسباب الدافعة".
ويعتبر المحامي محمد أبو عمر الذي يُقيم في دمشق، أن تطبيق قانون خاص بالتسوّل الإلكتروني أمر صعب في ظل وجود برامج تخفي هويات المستخدمين. ويقول لـ"العربي الجديد": "سيؤدي القانون الجديد إلى نتائج سلبية فتنفيذه اعتباطاً سيضر بأشخاص يطلبون نجدتهم من الجوع وبمرضى حقيقيين، وكثيرين ممن ضاقت بهم سبل الحياة وسُدّت المنافذ أمامهم وباتوا يطلبون العون إلكترونياً لمحاولة الوصول أسرع إلى المتبرعين".
ويشير إلى أن "علاج الأمر يتطلب أولاً حلّ أزمة البلاد، وهذا ما لا يرغب به كثيرون من أصحاب النفوذ، وثانياً إيجاد قنوات رسمية للعون تدعم المحتاجين مباشرة وفعلياً، وليس من خلال منظمات ترتبط بجهات أممية، ويديرها أشخاص بهدف نهب الهبات، واستغلالها بطرق غير سليمة لتحقيق أهداف أخرى.

إلى ذلك يرى المدرّس المقيم في مدينة دمشق حسام اليونس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "ظاهرة التسوّل خطيرة على الأطفال بالدرجة الأولى، إذ ينتشر عدد كبير منهم على أرصفة دمشق وفي الحدائق، في وقت يبقى الحديث عن إلزامية وحق الطفل في التعليم مجرد حبر على ورق. وإذا افترضنا أن هؤلاء الأطفال مجبرون على التسوّل، لماذا لا تلاحق السلطات من يشغلهم ويعيد تأهيلهم؟ لماذا يلام الناس على التسوّل في حين يعلم الجميع أن الوضع يرثى له؟".
وتتفاقم ظاهرة التسوّل في مناطق سيطرة النظام السوري لأسباب كثيرة تراكمت خلال السنوات الماضية، في مقدمها الفقر، والجوع، والأزمات الاجتماعية، وفقدان المعيل، واستغلال الأطفال، وقلة الدخل، وانعدام فرص العمل، وغياب التدخل الإيجابي من الدولة.

المساهمون