القصب... نبات يشارك العراقيين تاريخهم وحاضرهم

القصب... نبات يشارك العراقيين تاريخهم وحاضرهم

11 ابريل 2024
يصنع السلال من القصب (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- نبات القصب يعد جزءاً أساسياً من التراث والحياة اليومية في العراق، مستخدماً في صناعات مثل الأثاث وبناء البيوت، ويساهم في تنقية الهواء والمياه، مما يعكس أهميته الثقافية والاقتصادية.
- التغيرات البيئية وشح المياه يهددان بقاء القصب، خاصة في الأهوار، مما دفع لجهود محلية ودولية للترويج لأهميته والدعوة للحفاظ عليه لدوره في التنوع البيولوجي وتثبيت التربة.
- الاعتراف الدولي بأهمية القصب والأهوار في العراق تمثل بإدراج المضيف السومري ضمن لائحة التراث الثقافي لليونسكو، مع استمرار الجهود لتعزيز بقائه ومكانته في العراق.

يعدّ القصب من النباتات الأساسية في حياة العراقيين كونهم يستخدمونه في صناعات عدة، حتى بات رمزاً عندهم. في الوقت نفسه، يخشون أن يؤثر الجفاف على نموّه، كون المياه عنصراً أساسياً لنموّه.

منذ القدم، كان العراقيون يعتمدون على نبات القصب الذي يعد جزءاً من حياتهم اليومية ويستخدمونه في صناعات عدة، ولا سيما غرفة المعيشة، ولا يزال يصنع حتى اليوم في المناطق الريفية والأهوار جنوبي العراق، بالإضافة إلى استخدامه في صناعة الأثاث، حتى أصبح رمزاً من رموز التراث. 
لكن وجود هذا النبات بات مهدداً بفعل شح المياه كونه ينمو في الأنهر والمستنقعات والأهوار، التي تعاني جفافاً كبيراً، خصوصاً في فصل الصيف جراء التغيرات البيئية وخفض نسبة المياه من دول الجوار، ما دفع منظمات مدنية وناشطين بيئيين وفنانين إلى الترويج لهذا النبات وأهميته سعياً للحفاظ عليه.
ويقول المهندس الزراعي أحمد رضا، إن القصب هو من النباتات المعمّرة التي تعتمد في الأساس على وجود دائم للمياه، وهو ما جعله ينمو في الأنهر والمسطحات المائية، حتى بات رمزاً من رموز أهوار العراق جنوب البلاد. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن القصب يصل إلى ارتفاعات تتجاوز الأربعة أمتار، مشيراً إلى أن هذا النبات يعدّ جزءاً من حياة سكان الأهوار منذ القدم لاعتمادهم عليه في بناء بيوتهم وعلفاً لماشيتهم.
ويؤكد رضا أن للقصب فوائد عديدة اقتصادياً وبيئياً، فهو يدخل في صناعات مختلفة مثل الورق والأثاث، كما أنه يعد مهماً لتنقية الهواء والمياه. وفي ما يتعلق بفوائد هذا النبات، يقول الخبير البيئي أمجد عبد العزيز لـ "العربي الجديد"، إنه نبات مائي شائع في أهوار العراق ويتميز بأوراقه الطويلة والضيقة وأزهاره المميزة.

ويلفت عبد العزيز إلى أن "نبات القصب أو قصب البردي بحسب التسمية الشائعة يوفر العديد من الفوائد في أهوار العراق، منها تنقية المياه، ويساهم في تحسين جودة المياه في الأهوار من خلال امتصاص العناصر الغذائية الزائدة والملوثات والتخلص منها". يضيف أن هذا النبات "يوفر بيئة ملائمة للعديد من الكائنات الحية مثل الطيور والأسماك والحشرات، ما يساهم في تعزيز التنوع البيولوجي في المنطقة".
ويساعد قصب البردي، بحسب عبد العزيز، في "تثبيت التربة ومنع التآكل الساحلي، ما يساهم في الحفاظ على البيئة الطبيعية والمحافظة على توازن النظام البيئي في الأهوار". ويشير أيضاً إلى أهمية يصفها بـ "الكبيرة"، وتتمثل في مساهمة هذا النبات في "تنظيم المناخ وتحسين جودة الهواء"، مبيناً أنه "يعمل على امتصاص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وإفراز الأكسجين بكميات كبيرة أيضاً". ولا يخفي عبد العزيز تخوفه من "الآثار الكارثية" للجفاف على هذا النبات، مؤكداً أن "مساحات واسعة من المسطحات المائية كانت ملأى بالقصب، وقد فقدناها اليوم ما يعني أننا فقدنا فوائد جمة بيئية واقتصادية وصحية". ويعتقد العراقيون أن القصب جزء من تاريخهم وليس نباتاً كان ملازماً لمعيشة أسلافهم فحسب، وهو ما يؤكده اهتمامهم بتوثيقه في الأعمال الفنية المختلفة وتنظيم زيارات إلى الأهوار وورش عمل من منظمات بيئية وتراثية وإنسانية للدفاع عن بقاء هذا النبات.
في هذا الصدد، يشير الرسام مصطفى كريم الذي شارك في الترويج للأهوار ونبات القصب عبر رحلات إلى مناطق جنوبي العراق، إلى أن "القصب جزء أيضاً من الفن العراقي القديم".

شغف بالعمل (علي يوسف/ فرانس برس)
شغف بالعمل (علي يوسف/ فرانس برس)

ويوضح كريم في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الأعمال النحتية والرسومات والنقوش التي عثر عليها المنقبون والباحثون وتعود إلى آلاف السنين، كان فيها القصب حاضراً، ما يؤكد الأهمية الكبيرة لهذا النبات الذي جعل العراقيين القدماء يوثقونه". ويلفت إلى أن "الإنسان العراقي القديم في مملكة سومر على وجه الخصوص استخدم القصب في بناء البيوت والحظائر، واستخدم هذا النبات في صناعة السفن ومجمل الصناعات الأخرى". يضيف: "نحن الفنانين التشكيليين نجسد هذا النبات في أعمالنا وساهمنا مساهمة فاعلة في إظهاره للعالم، وكانت ثمار هذا العمل واضحة من خلال إدراج المضيف السومري ضمن لائحة التراث في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)".

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت المنظمة إدراجها المضيف السومري ضمن لائحة التراث الثقافي غير المادي في العراق، والمضيف هو دار للضيافة يستخدم منذ القدم لدى سكان أهوار العراق يدخل فيه القصب أساسياً في البناء. 
وقالت اليونسكو في بيانها إن "المضيف مبنى كبير مقوس مصنوع من القصب والبردي وكلاهما ينمو طبيعياً في أهوار جنوب العراق. ويعد المبنى بمثابة مكان تجمع حيث يمكن لأفراد المجتمع تبادل النزاعات ومعالجتها وتبادل الخبرات وسرد القصص وممارسة الأنشطة الثقافية والطقوس الاجتماعية مثل حفلات الزفاف والختان والاحتفالات الدينية أو الوطنية".
أضاف البيان: "يُنظر إلى المضيف أيضاً على أنه مساحة لنقل المعرفة التقليدية والقيم والمهارات اليدوية والأعراف والعادات إلى الأطفال والشباب ويعتبر مكاناً لاستقبال الزوار والضيوف من داخل العراق وخارجه".
وبحسب الرسام مصطفى كريم، فإن "القصب الذي له كل هذا الأثر والرمزية الكبيرة يتعرض لخطر الزوال جراء الجفاف، وهو ما يدعونا إلى مزيد من الترويج لهذا النبات في مسعى للضغط على الجهات الفاعلة لتدارك الأمر". الأكثر إيلاماً من الخطر الذي يتعرض له نبات القصب يتجسد لدى من عاشوا برفقة هذا النبات وكان جزءاً من حياتهم وعملهم ومصدر رزقهم اليومي.

أمر يؤكده ناصر محسن الذي ولد وترعرع وعاش وسط القصب وبيئته، وكان القصب عمله وذكرياته، على حد قوله.  محسن الذي يبلغ من العمر 72 عاماً، يقول لـ "العربي الجديد" إنه أُجبر على الابتعاد عن القصب جراء إصابته في عموده الفقري وضعف بصره، مشيراً إلى أنه كان يصنع من القصب صناعات مختلفة، منها الأسرّة والكراسي وغير ذلك، وكانت تباع في مختلف المدن العراقية.
ويصف محسن نبات القصب بأنه "الحنين"، إذ يؤكد أن هذا النبات "يملك حنيناً إلى الإنسان الذي يعيش معه. إنه مطيع جداً. صنعنا منه أشياء عديدة. بيوتنا وأوانينا وأسِرَّتنا وكل شيء". وعلى الرغم من المخاوف التي تنتاب العراقيين من آثار الجفاف على نبات القصب، لكنّ كلّاً من الخبير البيئي أمجد عبد العزيز، والمهندس الزراعي أحمد رضا، يعتقدان أن تقلص مساحات المسطحات المائية وجفاف عدد من الأنهر لن يقضيا على نبات القصب"، ويلفتان إلى أن الأمطار الغزيرة التي تشهدها البلاد في بعض السنوات والسيول تساهمان كثيراً في إنعاش الأنهر والمسطحات المائية والبحيرات.
وشهد العام الحالي تساقطاً غزيراً للأمطار في العراق. وقال وزير الموارد المائية عون ذياب إن موجة الأمطار والسيول التي مرت بها البلاد خلال المدة الماضية، أسهمت في تعزيز خزين البلاد المائي. وأشار إلى أن أهم الإجراءات التي اتخذتها وزارته هو توجيه مياه الأمطار والسيول إلى الأهوار لإنعاشها بسبب الشح والجفاف الذي أصاب الكثير من مساحاتها، والانحسار الذي ضرب الكثير من مناطقها المغمورة سابقاً. 

دلالات

المساهمون