الحصبة تقتل أطفال أفغانستان... مشكلات وعي وإمكانيات

الحصبة تقتل أطفال أفغانستان... مشكلات وعي وإمكانيات

12 مايو 2024
طفلان مصابان بالحصبة في مستشفى بكابول (سيد خضربادي سادات/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أفغانستان تشهد ارتفاعًا في وفيات وإصابات الأطفال بالحصبة، مع تأثير أكبر على الأطفال دون الخامسة والإناث، وذلك بسبب الوعي الصحي المحدود والفقر المدقع.
- الطبيب محمد عدنان يشير إلى أن التحديات الصحية في البلاد معقدة بسبب المعتقدات القبلية، الوضع الاقتصادي المتردي، وضعف الاهتمام الحكومي، مما يعيق برامج التطعيم.
- نقص حاد في الكوادر الطبية والموارد في المناطق الريفية والنائية، مما يضطر السكان للبحث عن العلاج في المدن، في ظل جهود حكومية محدودة لتحسين الأوضاع الصحية.

تعتبر الحصبة من بين الأمراض المتفشية في أفغانستان، وتقتل عشرات الأطفال، مع ملاحظة زيادة عددهم سنوياً. ولا يملك الأفغان الوعي الكافي لحماية الأطفال من هذا المرض، كما يعاني آخرون قلة الإمكانيات المادية بسبب الفقر، في حين تغيب الجهود الدولية للتصدي لانتشار المرض.
يقول الطبيب محمد عدنان الذي عمل سنوات طويلة في مؤسسات دولية تعنى بالقطاع الصحي قبل انهيار الحكومة واستعادة حركة "طالبان" الحكم في صيف عام 2021، والذي يمارس حالياً مهنة الطب في العاصمة كابول، لـ"العربي الجديد": "مشكلات المواطن الأفغاني في ما يخص بالرعاية الصحية معقدة، ويعود جزء منها إلى تعامل المواطن نفسه مع الموضوع من خلال تقييد تطعيم الأطفال ضد الأمراض بأفكار تتعلق بالانتماء القبلي غالباً، وجزء ثانٍ إلى سوء الوضع المعيشي، وجزء ثالث إلى ضعف اهتمام السلطات. في الغالب هناك نظرية خاطئة لدى المواطن تفيد بأن اللقاحات تضرّ بصحة الأطفال أكثر مما تنفع، ما يعني أن استخدامها لا يخدم  مصلحة الناس، وهذا ما يحصل منذ سنوات في حملات التطعيم الخاصة بمكافحة شلل الأطفال تحديداً، والذي يؤثر في كل أنواع التطعيم ومنها مرض الحصبة".
يتابع: "لا شك في أن الوضع المعيشي والاقتصادي يلعبان دوراً مهماً للغاية في التطعيم، فكثير من المناطق النائية لا تضم عيادات وأطباء، ومن ثم لا أدوية ولا لقاحات وتطعيم. وعموماً لا يمكن أن يأخذ مواطن غارق في الفقر والعوز والديون أطفاله إلى مناطق أو مدن أخرى كي يعطيهم لقاحات التطعيم، أو حتى يجري فحوصات عادية ضرورية لهم. ونشاهد من ثم أطفالاً في سن العاشرة لم يجروا فحص دم عادياً مرة واحدة في حياتهم، وعدم معرفة الكثير من الشباب فئات دمهم، لأن الإمكانيات غير متوفرة، وكثير من العيادات الموجودة في المناطق النائية غير قادرة على منح تطعيم وإجراء فحوصات طبية. من هنا تسبّب مجموعة عوامل معقدة وجود بعض الأمراض القديمة وتفشيها مثل الحصبة التي تحصد أرواحاً رغم أن طرق معالجتها معروفة".
وأعلنت منظمة الصحة العالمية وفاة 100 طفل بمرض الحصبة في مختلف مناطق أفغانستان خلال الفترة الممتدة بين بداية العام الحالي وحتى 20 من إبريل/ نيسان الماضي، أي خلال أقل من أربعة أشهر، في حين أصيب 18700 طفل بمرض الحصبة خلال الفترة ذاتها، ما يشير إلى ارتفاع عدد المصابين بمرض الحصبة، موضحة في تقرير أن "15000 طفل تقل أعمارهم عن 5 سنوات كانوا ضمن المصابين، وكان للبنات نصيب كبير بينهم (8500)". 

الصورة
أطفال أفغانستان غير محميين من مرض الحصبة (سيد خضربادي سادات/ الأناضول)
أطفال أفغانستان غير محميين من مرض الحصبة (سيد خضربادي سادات/الأناضول)

وأوضح التقرير أن معظم المصابين بمرض الحصبة كانوا في ولايات بلخ وسمنغان (شمال)، وخوست (جنوب)، وفرح (غرب). وأورد أن "عدد المصابين بمرض الحصبة كان أقل في الأسابيع الأربعة الأخيرة ربما لأن الطقس بدأ يميل إلى الحر، أو بسبب إطلاقنا حملة لمكافحة مرض الحصبة في 13 ولاية أفغانية".
ويقول محيي الدين (55 سنة) من سكان ولاية سربل (شمال) الذي فقد طفله هارون جراء الإصابة بمرض الحصبة لـ"العربي الجديد": "المشكلة الأساس هي عدم وجود المستلزمات الطبية والعيادات. لقد مرض ابني وكان عمره عامين فقط. أصيب بحمى وظهرت علامات على جلده. أعطيناه ما نستخدمه عادة في المنزل من أدوية ومسكنات لكنها لم تنفع. وبعد ثلاثة أيام أخذته إلى عيادة بعيدة جداً من قريتنا، وقال الطبيب إن وضعه خطير جداً، بعدما زادت الحمى بسبب إصابته بمرض الحصبة. وللأسف أنا لم أعطه التطعيم كي أحميه من الإصابة بالمرض، أو يحصل على المناعة خلال الإصابة. وحين مرض لم أستطع أن أخذه إلى الطبيب فوراً كي يتعالج فخسرت ابني. ورغم ذلك أنا لم أقصّر في ما حصل، فالحالة التي نعيشها هي السبب إلى جانب عدم وجود اهتمام حكومي فلا عيادة طبية في القرية التي أعيش فيها كي نستطيع أخذ الأطفال بسهولة إليها".

ولا يزال القطاع الصحي في حال سيئة في المناطق الريفية والنائية بأفغانستان، ومن أبرز مشكلاته انعدام وجود كوادر طبية متخصصة، وقلة الإمكانيات والتجهيزات والمستلزمات، ما يجبر السكان على نقل مرضاهم إلى المدن، رغم أن وضعهم الاقتصادي هشّ، ويعانون ندرة في وسائل النقل.
ويعترف مسؤولو قطاع الصحة في أفغانستان بوجود مشكلات كثيرة في المناطق الريفية، لكنهم يؤكدون أن الإدارات المعنية تعمل على تحسين الأوضاع، وذلك باستخدام كل الوسائل المتوفرة التي تعترف بأنها ضعيفة، ولا تلبي الاحتياجات.

المساهمون