أطباء متطوعون في غزة يرفضون مغادرة القطاع.. شهود الكارثة

أطباء أجانب متطوعون في غزة يرفضون مغادرة القطاع.. شهود الكارثة

18 مايو 2024
المستشفى الأوروبي في قطاع غزة، 17 مايو 2024 (فرانس برس/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأطباء المتطوعون في غزة واجهوا وضعًا أسوأ مما كان متوقعًا، مع تفاقم الأوضاع بسبب توغل القوات الإسرائيلية وحصارهم بعد مهمة استمرت أسبوعين، بينما قرر 14 شخصًا البقاء لدعم النظام الصحي.
- مجموعة "فجر" الطبية غير الربحية نظمت إرسال فريقين من الأطباء للعمل في المستشفى الأوروبي العام بغزة، حيث واجهوا نقصًا في الإمدادات الطبية وجروح مروعة بين المدنيين.
- الوضع في غزة يشمل نقصًا حادًا في الإمدادات الطبية، بنية تحتية مدمرة، نزوح أكثر من 600 ألف فلسطيني، تلوث مياه الشرب، وانتشار الأمراض، مع تحديات كبيرة وجهها الأطباء المتطوعون.

وصف أطباء متطوعون في غزة الواقع بأنه أسوأ بكثير مما يمكن تصوره، فقد أدى توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة إلى تفاقم الوضع الفوضوي، ومع سيطرة قوات الاحتلال على معبر رفح الحدودي مع مصر في السادس من مايو/أيار، أصبح فريق الأطباء التطوعي محاصراً بعد انتهاء مهمته التي استمرت أسبوعين.

وبينما تمكن أطباء متطوعون في غزة من مغادرة القطاع بعد محادثات بين السلطات الأميركية والإسرائيلية، أمس الجمعة، غير أن 14 شخصاً بينهم 3 أميركيون قرروا البقاء، وفق الجمعية الطبية الفلسطينية – الأميركية، وهو ما أكده البيت الأبيض مشيراً إلى أن 17 طبيباً أميركياً غادروا غزة، الجمعة، وقال رئيس الجمعية الطبية الفلسطينية، مصطفى مصلح، إن "ثلاثة من الأطباء الأميركيين في فريقنا رفضوا المغادرة من دون خطة رسمية لاستبدالهم".

أطباء متطوعون في غزة

وكانت المجموعة الطبية غير الربحية فجر، ومقرها الولايات المتحدة، نظمت إرسال فريقين يضمان أطباء متطوعين إلى غزة، ويعمل الفريقان الدوليان منذ أوائل مايو/أيار في المستشفى الأوروبي العام، الواقع خارج مدينة رفح مباشرة، وهو أكبر مستشفى لا يزال في الخدمة جنوبي غزة. ومعظم المتطوعين جراحون أميركيون، إضافة إلى اختصاصيين من بريطانيا وأستراليا ومصر والأردن وعمان وغيرها، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن الأمم المتحدة التي تقوم بتنسيق زيارات الفرق التطوعية، تجري محادثات مع إسرائيل لاستئناف نقل العاملين في المجال الإنساني من وإلى غزة.

أطباء متطوعون: الواقع في غزة أسوأ مما يمكن تصوره

وجود أطباء متطوعين في غزة يساهم في تخفيف آلام الجرحى والمصابين ودعم الفرق الطبية الموجودة في ظل الاستهداف الإسرائيلي المتواصل للنظام الصحي في القطاع منذ عدوانه على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مسبّباً خروج 20 مستشفى عن الخدمة بينما يعمل ما تبقى بشكل جزئي.

الصورة
المستشفى الأوروبي في غزة، 17 مايو 2024(فرانس برس/GETTY)
معظم الأطباء المتطوعين جراحون أميركيون إضافة إلى اختصاصيين من دول أخرى، المستشفى الأوروبي 17 مايو 2024 (فرانس برس)

وضمت الفرق التطوعية 35 طبيباً أجنبياً قدموا إلى غزة لمساعدة المستشفيات القليلة في القطاع التي لا تزال في الخدمة، وجلبوا معهم إمدادات طبية إلى واحدة من أسوأ مناطق الحرب في العالم، بعدما علموا أن نظام الرعاية الصحية قد دمر، إلا أنهم يقولون إن الواقع أسوأ بكثير مما تصوروا حيث إنهم وجدوا أطفالاً يعانون عمليات بتر مروعة، ومرضى يعانون حروقاً وجروحاً ملوثة، وأمراضاً متفشية، وأطباء وممرضين فلسطينيين نال منهم الإرهاق بعد سبعة أشهر من علاج موجات لا تنتهي من مدنيين مصابين جراء الحرب الإسرائيلية على غزة.

الطبيب عمار غانم: أنت تسمع الأخبار، لكن لا يمكنك فعلياً أن تدرك مدى هذا السوء حتى تأتي وترى بنفسك

يقول اختصاصي وحدة العناية المركزة في الجمعية الطبية السورية – الأميركية، الطبيب عمار غانم: "لم أتوقع أن يكون الأمر بهذا القدر من السوء، فأنت تسمع الأخبار، لكن لا يمكنك فعلياً أن تدرك مدى هذا السوء حتى تأتي وترى بنفسك"، كان غنام من بين من غادروا القطاع، مشيراً إلى رحلته من المستشفى الأوروبي إلى معبر كرم أبو سالم والتي يبلغ طولها 15 ميلاً، استغرقت أكثر من أربع ساعات، حيث كانت الانفجارات تقع حولهم، مضيفاً "اعترضت دبابة إسرائيلية طريقنا، ووجه الجنود أسلحتهم نحونا.. كانت لحظة مخيفة".

كما أسفرت العملية العسكرية التي يشنها الجيش في رفح منذ نحو أسبوعين عن نزوح أكثر من 600 ألف فلسطيني من المدينة وتشتتهم في جنوب القطاع. وغادر الكثير من الموظفين الفلسطينيين في المستشفى الأوروبي لمساعدة عائلاتهم في العثور على مأوى جديد. ونتيجة لذلك، بات الأطباء المتطوعون الأجانب مشتتين بين حالات الطوارئ الطبية ومهام أخرى داخل المستشفى. كما لم يعد هناك موظفون لتسجيل الجرحى القادمين، وأصبحت الأدوية التي جلبتها الفرق معها على وشك النفاد.

الصورة
المستشفى الأوروبي في غزة، 17 مايو 2024(فرانس برس/GETTY)
الأطباء الدوليون شهود على حجم الكارثة من خلال احتكاكهم المباشر بالمرضى والمصابين في المستشفى الأوروبي في غزة، 17 مايو 2024 (فرانس برس)

ولم يقلّ الوضع سوءاً خارج المستشفى حيث تتدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع، وتلوثت مياه الشرب الشحيحة، ما أدى إلى انتشار الأمراض. كما أصبح الطريق إلى المستشفى من رفح غير آمن، بعدما قالت الأمم المتحدة إن دبابة إسرائيلية أطلقت النار على مركبة تحمل شارة الأمم المتحدة، الاثنين الماضي، ما أسفر عن مقتل ضابط أمن تابع للأمم المتحدة وإصابة آخر.

قذائف الاحتلال تقترب من مقارّ إقامة الأطباء

ويقول الرئيس التنفيذي لمنظمة فجر مصعب ناصر، والتي كان 17 طبيباً من أعضائها في دار ضيافة بمدينة رفح عندما بدأ العدوان الإسرائيلي على المدينة، إنه في ظل عدم إصدار الجيش الإسرائيلي أمراً بالإخلاء، فوجئ الفريق بقنابل سقطت على بعد بضع مئات من الأمتار فقط من النزل الذي يحمل علامة واضحة. وانتقل الفريق إلى المستشفى الأوروبي، حيث يقيم الفريق التطوعي الآخر.
 محمد طاهر، جراح العظام من لندن، المتطوع ضمن مجموعة فجر، يجري عمليات جراحية عديدة يومياً، من دون أن ينال قسطاً من النوم. وكثيراً ما يظل مستيقظاً بسبب التفجيرات التي تهز المستشفى، أوضح أنه عندما بدأ الهجوم على رفح، تساءل الزملاء الفلسطينيون في المستشفى بقلق عمّا إذا كان المتطوعون سيغادرون. قائلاً "أضاف ذلك ثقلاً على قلبي"، إذ إن الطاقم الفلسطيني يعلم تماماً أنه عندما تغادر الفرق التطوعية "لن يكون هناك المزيد من الحماية، ما يعني أن هذا المستشفى سيتحول إلى مستشفى شفاء آخر، وهو احتمال واقعي للغاية".
أجرى طاهر مع جراحين آخرين عملية جراحية استمرت ساعات لرجل مصاب بجروح خطيرة في الجمجمة والبطن وشظايا في ظهره. ويقول "نظرت إلى زملائي وقلت لهم: "أتدرون؟ إذا نجا هذا المريض - هذا المريض فقط - فإن كل ما فعلناه، وكل ما مررنا به، يستحق كل هذا العناء".

وتضيف الدكتورة أهلية القطان، طبيبة التخدير والعناية المركزة من كاليفورنيا، والعضوة في منظمة فجر، إن الحالة الأصعب لها كانت لطفل يبلغ من العمر 4 سنوات، وهو عمر ابنها نفسه، الذي وصل إلى المستشفى مصاباً بحروق في أكثر من 75 في المائة من جسده، مع تهتك في رئتيه وطحاله، ولم تكتب له النجاة، موضحة أن ما يثقل كاهل جميع المتطوعين هو "الشعور بالذنب عندما نغادر، لأننا تمكنا من الهروب إلى بر الأمان".
يذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلية قد اقتحمت مستشفى الشفاء في مدينة غزة، وهو أكبر مستشفى في القطاع، لثاني مرة في مارس/آذار، ما أدى إلى تدميره، وأدت الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى مقتل أكثر من 35 ألف فلسطيني، بينهم نحو 500 عامل صحي. كما أصيب أكثر من 79 ألفاً آخرين، وفق مسؤولي الصحة في غزة.

(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون