آدم المدهون... حاول البحث عن الأمان فأصيبت زوجته وبترت يد ابنته

آدم المدهون... حاول البحث عن الأمان فأصيبت زوجته وبترت يد ابنته

05 نوفمبر 2023
آدم المدهون مع ابنته كنزي قبل "طوفان الأقصى" (العربي الجديد)
+ الخط -

تشبه قصة آدم المدهون (40 سنة) الكثير من قصص الغزيّين المتمسكين بأرضهم ووطنهم ومحاولاتهم النجاة بعائلاتهم، والحفاظ على أرواح أفرادها في ظل قصف وحشي من الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين منزل ومدرسة ومستشفى وكنيسة ومسجد. هو اللاجئ الذي هُجِّر أهله عام 1948 من أرضهم التي احتلت في الداخل الفلسطيني. ويصرّ حال سكان قطاع غزة جميعاً، على أنه سيبقى متشبثاً بأرضه ومنزله، حتى لو اضطره القصف إلى النزوح المؤقت.
خرج المدهون من منزله في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة مع عائلته، المهجرة أصلاً عام 1948 من مدينة المجدل المحتلة، سيراً على الأقدام بعد خمسة أيام من بدء الحرب على غزة في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعدما طلب الاحتلال إخلاء المنطقة تمهيداً لقصفها، متجهاً إلى مخيم النصيرات وسط القطاع، ليجد نفسه في أحد مراكز اللجوء في مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في المخيم. ونتيجة الاكتظاظ الشديد في المدارس، يقول المدهون لـ"العربي الجديد" إنه ترك المركز ولجأ إلى مخزن مع أكثر من 35 فرداً تجمعوا في هذا المكان الضيق الذي لا تتجاوز مساحته 16 متراً مربعاً.
يضيف المدهون أنه على الرغم من سوء المكان وانقطاع الكهرباء والمياه، وندرة مياه الشرب، وشح الخبز، إلا أنه كان راضياً بالأمر الواقع عله ينجو وعائلته من موت محدق في ظل بطش محتل لا يرحم. ويلفت إلى أنه بقي في هذا المكان الرديء أياماً عدة قبل أن ينتقل إلى مدينة دير البلح، وتحديداً إلى جنوب مخيم النصيرات. المكان الجديد الذي لجأ إليه كان أفضل، إلا أنه استغرق بعض الوقت في الوصول إليه. يضيف: "لم يكن إيجاد ملجأ بالأمر السهل، بل حدث ذلك بعد بحث طويل عن مكان يلم شمل العائلة ويحميها من القتل والدمار".
يتابع: "بقينا في المكان الثالث الذي توجهنا إليه بحثاً عن استقرار مرحلي، ووهم بالأمان الذي ادعاه الاحتلال الإسرائيلي بأن مناطق جنوب وادي غزة هي الأكثر أمناً. ومع استمرار الحرب، بدأنا نتأقلم مع ظروف الحياة القاسية من خلال الوقوف في طوابير المخابز المحدودة بعد قصف العديد منها وانقطاع مواد الخبز، وطوابير تعبئة مياه الشرب، وحتى مياه الخدمة، وتنقلت بين مناطق وسط القطاع لأوفر لعائلتي المأكل والمشرب".
يتابع المدهون: "كنت في مخيم النصيرات أبحث عن الدقيق لعائلتي بعدما نفد ما كان متوفراً لديها، وإذ بي أتلقى اتصالاً بتعرض المكان الذي تحتمي فيه عائلتي للقصف. ركضت إلى مستشفى شهداء الأقصى لأجد معظم أفراد العائلة شهداء وجرحى، من دون أن أفهم تفاصيل ما جرى وحدث".

الصورة
فقدت كنزي يدها في قصف للاحتلال (العربي الجديد)
فقدت كنزي يدها في قصف للاحتلال (العربي الجديد)

ويشير إلى أنه وجد زوجته الصحافية يسرى الخيري بين الجرحى، وطفلته الصغرى كنزي ذات الأعوام الخمسة مصابة بجراح خطيرة وقد بترت يدها اليمنى بالكامل، بالإضافة إلى إصابتها بمجموعة من الكسور في الجمجمة، والحوض، والساق. يقول: "كانت في حالة خطرة للغاية وسط آلاف الجرحى الذين لا يجدون سريراً يستلقون عليه لتلقي العلاج اللازم.
يتابع: "زوجتي وابنتي تفترشان أرض المستشفى من دون أن تتمكنا من الحصول على أدنى رعاية صحية على الرغم من خطورة وضعهما الصحي. بل أن جميع الجرحى هنا يعانون. حال المستشفيات في غزة يرثى له". ويناشد المعنيين توفير خيمة من أجل المبيت فيها داخل المستشفى، كما يتابع علاج زوجته وابنته على أمل شفائهما من جراحهما، مؤكداً أنه "حتى لو تعافت الجراح، فسيبقى الوجع حاضراً في كل لحظة" بعدما خسرت ابنته يدها. 
يتابع أنه ترك مخيمه ومسقط رأسه في جباليا ظناً أنه قد ينجو بعائلته ويحميها من القتل ونزيف الدم، إلا أنه وجد نفسه عاجزاً عن إعادة يد ابنته المبتورة، وإعادة ابتسامتها، وبراءتها التي خطفها الاحتلال الإسرائيلي بصواريخه القاتلة. كثيرون هم كالمدهون، تركوا البيت ونزحوا بين المحافظات بحثاً عن الأمن والأمان، ليجدوا أنفسهم عرضة للقصف والموت المستمرين.

وبلغت أعداد شهداء الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة قرابة 10 آلاف فلسطيني، من بينهم أكثر من 3760 طفلاً، بالإضافة إلى نحو 32000 إصابة.
وكشف المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة أنّ "الاحتلال ارتكب أكثر من 15 مجزرة خلال الـ24 ساعة الماضية، راح ضحيتها 256 شهيداً، وتلقينا 2060 بلاغاً عن مفقودين تحت الأنقاض، منهم 1150 طفلاً، منذ بدء العدوان على غزة". مشيراً إلى "استشهاد أكثر من 135 من الكوادر الصحية، وتدمير 57 سيارة إسعاف على الأقل من جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع".

المساهمون